يجوز وصف القمة العربية المرتقبة في الرياض بعد ايام، بأنها قمة إعادة المنطقة الى التعقل، لمواجهة المحن التي تعصف بها، وتفكيك بؤر الأزمات التي تحكم طوقها من العراق الى لبنان وسورية وفلسطين، مستعرة نارها بالانقسامات المذهبية. وإذا كان لبنان ومعه سورية، وتلك الانقسامات أخطر الملفات امام القمة، فالدور السعودي الساعي الى لجم الانهيارات ووقف مسارات تدويل تُخرج مصير العرب من أيديهم، سيجعل مؤتمر القادة استثنائياً بامتياز.

وهو لن يكون استثنائياً في مقاربته عملية السلام الميتة مع اسرائيل، أو رفضه المتوقع محاولات الدولة العبرية تفريغ المبادرة العربية من مضمونها، بشطب حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، خصوصاً بعد نبذ مصر سريعاً المطلب الإسرائيلي بتوسيطها لدى الزعماء العرب في القمة لتعديل المبادرة.

ولن يكون مؤتمر القمة استثنائياً في تمسكه بوحدة العراق واستقلاله، والتحضير لإخراجه من عصر الاحتلال والفتنة المدمرة، ولا في الدعوة الى تفكيك قبضة الميليشيات والتوحد لإنهاء كابوس الإرهاب... خصوصاً لأن مؤتمر بغداد الذي شاركت فيه دول الجوار، أرسى مساراً «اختبارياً» بين الأميركي وطرفين معنيين باتهاماته: سورية وبدرجة اكبر ايران، ولكن بما يتقاطع وهواجس المنطقة من لهيب الحريق العراقي وناره المذهبية.

لا يلغي ذلك بالطبع ان القمة ستكون معنية بالقلق لدى دول عربية كثيرة من ضياع هوية العراق، مع تسليم واقعي بأن ما فعلته سنوات الاحتلال ورياح التفتيت والأصابع الخارجية، يتطلب أولاً لتبديده اقتناع العراقيين أنفسهم باستعادة تلك الهوية، وبالرغبة في طلب المساعدة العربية. وهنا بالتحديد تطغى «عقدة» بغداد في القمة، من باب محاصرة الانقسامات المذهبية في المنطقة والتي اتسعت شروخها على وقع التقاتل في بلاد الرافدين. والأكيد ان الدور الذي اضطلعت به الرياض لدى طهران، للتصدي لتلك الانقسامات، يتجاوز التحضير لإنجاح القمة، على طريق «عقلنة» النهج العربي الذي أُريد له ان ينحسر منذ هبّت عاصفة الغزو الأميركي على أول عاصمة عربية، بذريعة مخادعة.

«توأم» الأزمة الكبرى الثانية في المنطقة، لبنان وسورية، عربي تتداخل معه المؤثرات الإيرانية والأوروبية - الأميركية، والتي تشابكت الى حدود تعتبر سابقة، نتيجة تداعيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومسلسل القتل في لبنان، ثم تحويل المحكمة الى عقدة متلازمة مع ما يسمى تلميحاً محاولات لتغيير النظام في هذا البلد... بعدما كانت مخاوف دمشق وما زالت ضمان السلامة لنظامها، إزاء ما تصر على وصفه بـ «سيف تسييس» المحكمة. بالتالي، استقرار النظامين سيكون حاضراً في مداولات قمة الرياض، وفي الاتصالات التي تتسارع وتيرتها، لكأن المنطقة في سباق بين التسويات الممكنة والحلول الجراحية المفروضة... التي يُخشى معها على لبنان وسورية، بصرف النظر عن مدى «التعقل» في قراءة خطورة استمراء المغامرات.

يواكب خط الجهود السعودية لدى ايران عشية القمة، خط الجهود الأوروبية التي يراد لها من خلال «رسالة» خافيير سولانا، ابلاغ دمشق «نصيحة» باللحاق بقطار التهدئة، ولو في اللحظة الأخيرة. والفارق الوحيد بين المسعى الأوروبي الذي يعتبر لبنان الساحة الرئيسة لاختبار «السلوك» السوري، والنهج الأميركي الذي يتعامل مع سورية بوصفها «تابعاً» لإيران، ان الأول يعرض «جزرة» الانفتاح والشراكة والعودة الى مربع «تأهيل» الإدارة السورية، فيما الأميركي يتنصل من كل رغبة لدى دمشق في استعادة «الدفء» مع واشنطن.

وقبل ذهابها الى مؤتمر القمة، تدرك سورية ان الوقت يضغط للخروج من عنق الزجاجة في أزمتها في لبنان ومع المحكمة، وأن لا طريق سوى تسهيل انشاء المحكمة، في مقابل «ضمانات» بعدم «تسييسها» يتردد انها باتت شبه جاهزة، إثر توافق عربي - اوروبي... أي طمأنة النظام السوري بعدم توسيع صلاحيات المحكمة، في مقابل تفكيك أزمات لبنان، و «عقلنة» تحرك المعارضة فيه.

وفي كل الأحوال، اختبار «السلوك» السوري لن يبقى أوروبياً فقط، مستغلاً «جزرة» الشراكة في مبادرة «الفرصة الأخيرة»، بدليل سعي دمشق مجدداً للعودة الى المظلة العربية، من النافذة المصرية... عشية قمة الرياض. والأكيد ان السعي إلى «إصلاح الوضع العربي» لمواجهة «الفتنة» المذهبية، يبدأ في لبنان ولا ينتهي في العراق.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)