في "جغرافية" التيار الثالث حالة افتراضية لأن المسألة تتعدى الوجود الفعلي لمثل هذا الأمر، وهو كما نراه مجرد تفكير أولي يطمح في تجاوز "الكسل" الذي يلف العقل في مواجهة الحدث.. فالقضية لست في العملية الانتخابية أو المرشحين، أو حتى في السؤال التقليدي الذي يوجه الصحفيون أحيانا عما قدمه مجلس الشعب أو عن ملفاته المؤجلة.. فقبل كل هذه المواضيع هناك ذاكرتنا التي يجب أن نبحث فيها عن هذه المؤسسة التشريعية.. أو حتى الأدوار المتبادلة ما بين المرشح والناخب.. والمجلس والسلطة التنفيذية..

هذه الأسئلة ليست تجاوزا لمجال الأسئلة التقليدية، إنما البحث في طبيعة التفكير التي تحكم الثقافة الاجتماعية في نظرتها لهذا الأمر، فتجعل التعامل مع الدور التشريعي على أساس "الموقف السياسي"، بدلا من وضعه في إطاره القانوني، وقدرته على التعامل مع حياة الناس بشكل مباشر لتأسيس مساحات المستقبل.

أسئلة التيار الثالث تنطلق من علاقة تتجاوز الموقف السياسي لأنها تكشف "نوعية الثقافة" التي تدفع المرشحين للوقوف في ظل العناوين، وتدع الناخبين يتكاسلون في تحريض ممثليهم على التعامل بفاعلية مع مسألة التشريع. فالعملية الانتخابية نموذج واضح لتفكيرنا بالمؤسسات على اختلاف أدوارها، وهي أيضا توضح آليات تعاملنا مع المفاهيم الحديثة في علاقة المجتمع مع الدولة والسلطة السياسية. هذه العلاقة التي تخضع لخلط واضح يظهر عند أي استبيان يقوم به الإعلاميون لتغطية "الأحداث"، فيبدو أن عدم التمييز لا يعبر عن جهل سياسي، إنما عن هروب من المسؤوليات الخاصة بالأفراد، والسعي لجعل كافة التفاصيل مرهونة بالموقف السياسي.

وفي اللحظات التي يمكن ان تظهر فيها الانتخابات ضمن أسئلة التيار الثالث فإن وضوح العلاقات داخل المجتمع مع المؤسسات تشكل نقطة البداية، لأن المسألة لا ترتبط بـ"الحدود" الديمقراطية فقط كما يرى البعض، بل أيضا بتكريس هذه المؤسسات على مساحة "الحداثة الاجتماعية" بالدرجة الأولى.

موضوع التيار الثالث ينكشف بالانتخابات لأنه حتى اللحظة أسئلة ورغبة بالمعرفة.. وهو أيضا قلق من الكسل الذي ينتاب المجتمع احيانا، أو استبدال مصلحتة وإرادته بمقولات مسبقة تجعل من المستحيل تفعيل الانتخابات كحراك اجتماعي بالدرجة الأولى.. التيار الثالث ومضة تدفعنا للتفكير والبحث قبل أن نتوجه لـ"الجمهور".