الاتحاد / باسكال بونيفاس

ما هو القاسم المشترك الذي يجمع بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ويضع البلدان الأربعة جميعاً في سلة واحدة؟ إن أول ما يتبادر إلى الأذهان، أنه لا شيء يجمع بين بلدان باعدت بينها الخلافات والتصورات الأيديولوجية، بحيث يبدو أن كلاً منها يعيش في كوكب خاص به. فإيران وكوريا الشمالية تندرجان حسب تصنيف الرئيس الأميركي جورج بوش في خانة "محور الشر"، بينما يضع -في المقابل- بلده وإسرائيل ضمن "محور الخير". لكن ما أن يخرج النقاش عن حيزه الضيق في البيت الأبيض والبنتاجون، حتى يختلّ منطق التقسيم، لاسيما عندما يُستفتى الرأي العام الدولي. فبالنسبة للعديد من مواطني هذا العالم، تنتمي تلك البلدان جميعاً إلى فئة واحدة تتميز بتأثيرها السلبي على العالم ودورها المهدد للسلم والأمن الدوليين. هذا على الأقل ما يكشفه استطلاع للرأي أجري مؤخراً، لكن بعيداً عن إحدى المدارس الدينية أو إحدى المنظمات اليسارية، كما يمكن أن يتخيل البعض، بل قامت به هيئة الإذاعة البريطانية المرموقة، وذلك في 28 بلداً من قارات المعمورة الخمس. وجاءت النتائج الجادة والعاكسة للتيارات السائدة في العالم، والتي كشف عنها الاستطلاع، لتزحزح بعض القناعات الراسخة والتصورات المسبقة. فقد طُلب من المستجوبين الذين شملهم استطلاع الرأي، تصنيف اثني عشر بلداً هي بريطانيا، كندا، الصين، فرنسا، الهند، إيران، إسرائيل، اليابان، كوريا الشمالية، روسيا، الولايات المتحدة، فنزويلا، ثم الاتحاد الأوروبي، حسب تأثيرها الإيجابي أو السلبي على الساحة الدولية، ووفقاً للأثر الذي تتركه البلدان المذكورة في العلاقات بين الدول والشعوب، وذلك على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة. وهكذا حصلت كندا على 54% من الأصوات الإيجابية، مقابل 14% ممن اعتبروا أن تأثيرها سيئ في العالم. ومن جهتها نالت اليابان 54% من الأصوات الإيجابية أدلى بها مواطنو عشرين دولة، بينما حصدت 20% من الأصوات السلبية، وتقدم الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالنظرة الإيجابية بنسبة أصوات بلغت 53% مقابل 19% ممن اعتبروا أن دور الاتحاد الأوروبي سلبي على المسرح العالمي. كما حازت فرنسا 50% من الأصوات الإيجابية مقابل 21% فقط من الآراء السلبية حول دورها في العالم. والحصيلة النهائية أن جميع الدول المذكورة سابقاً لاقت استحساناً ملحوظاً من قبل أغلب الأشخاص المستجوبين في الـ28 دولة التي شملها استطلاع الرأي المذكور.

أما فيما يتعلق بإسرائيل فقد أبدى الرأي العام الدولي نظرة ناقدة إلى أقصى الحدود بالنظر إلى التأثير السلبي الذي تمارسه على الساحة الدولية، وإسهامها في تهديد الأمن والسلم الدوليين، حيث حصلت الدولة العبرية على 56% من الأصوات السلبية في 28 دولة، مقابل 17% من المستجوبين عبروا عن نظرة إيجابية. ولم تجاوز الأصوات التي تتبنى نظرة إيجابية تجاه الولايات المتحدة 41% مقابل 33% من الأصوات السلبية. وفيما عدا بعض الدول -مثل نيجيريا التي سجل فيها لدى المواطنين المستجوبين تصور إيجابي إزاء الولايات المتحدة، وصلت نسبته 45% مقابل 31% من الأصوات السلبية، فضلاً عن كينيا والهند- فإن باقي النتائج عبرت بوضوح لا يدع مجالاً للشك عن تنديد عالمي بأميركا، تجلى في التقييم السلبي الذي أبدته شرائح واسعة من المستجوبين في الاستطلاع.

ومن ناحيتها حازت إيران التي تتصدر الواجهة الدولية هذه الأيام بسبب التجاذب حول برنامجها النووي وتصريحات رئيسها محمود أحمدي نجاد على أغلبية من الأصوات السلبية، أي 21 من أصل 28 بلداً شمله الاستطلاع. لكنها مع ذلك مازالت تحظى بتقييم إيجابي في البلدان العربية السُّنية بسبب معارضتها للولايات المتحدة وإسرائيل. والغريب أنه حتى في البلدان التي يفترض أنها حليفة للولايات المتحدة، أبدى المستجوبون نسبة عالية من الاستياء تجاه أميركا. وهكذا جاء تقييم الكنديين المستجوبين سلبياً بنسبة 56% مقابل 34% من الأصوات الإيجابية، وفي بريطانيا أبدى 57% من المستجوبين استياءهم من الولايات المتحدة، في حين تبنى 33% منهم نظرة إيجابية. أما في فرنسا فقد وصلت النظرة السلبية إزاء الولايات المتحدة إلى 69% مقابل 24% فقط من التقييم الإيجابي، وفاقت ألمانيا الجميع إذ وصلت فيها نسبة النظرة السلبية إزاء أميركا إلى 74% مقابل 16% من الأصوات الإيجابية. ولم تبدِ سوى دول معدودة نظرة إيجابية نحو أميركا انحصرت في بولونيا ونيجيريا وكينيا والفلبين.

ويرجع سبب هذه النظرة السلبية السائدة لدى شرائح واسعة من الرأي العام الدولي إلى السياسة الخارجية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، لاسيما ميلهما الواضح إلى استخدام العنف كسبيل لفض النزاعات وإدارة الصراعات. وفي هذا السياق تبرز حرب أميركا ضد العراق، وحرب إسرائيل ضد لبنان، فضلاً عن إدامة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، دون أن تتعرض الدولة العبرية للدرجة نفسها من الإدانة التي تتعرض لها إيران وكوريا الشمالية بسبب برنامجيهما النوويين اللذين يجري تصويرهما كتهديد ماحق للسلام والأمن الدوليين.

وفي مقابل تلك الدول هناك فرنسا واليابان وكندا التي تحظى بشعبية عالمية معقولة تُعزى إلى دفاعها عن التعددية الدولية واحترام حقوق الإنسان. ولعل الفكرة الأساسية التي يكشف عنها استطلاع الرأي الذي أسفر عن تلك النتائج، هي مدى توق المجتمع الدولي، وخاصة الفاعلين من المجتمع المدني، إلى عالم يسوده السلام واحترام الآخر. واللافت حقاً أن الرأي العام الدولي يضع في خانة "الدول المارقة" ذاتها الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي الخانة التي تسعى واشنطن إلى حصرها في إيران وكوريا الشمالية.

وأكثر من ذلك، يُثبت الرأي المستقل الذي أبرزه المستجوبون، أن الآلة الدعائية للولايات المتحدة وخطابها المنمّق لم يجدِيا نفعاً مع العديد من الشرائح في المجتمع العالمي والتي تحكم على الأفعال بدل الأقوال. ولا تعني النتائج التي توصل إليها الاستبيان أن الرأي العام الدولي مناهض في عمومه للصهيونية، أو معادٍ لأميركا، بحيث لا يتعلق الأمر هنا بوجود إسرائيل، أو الولايات المتحدة في حد ذاته بقدر ما يتعلق بالسياسات الخارجية التي تتبعها هاتان الدولتان على الساحة الدولية. هذه السياسات التي تعتبر مصدراً للحروب وعدم الاستقرار في العالم، ومعاناة شعوب كثيرة جراء تلك الحروب. لذا يتعين علينا الإشادة بمواقف الرأي العام الدولي، لاسيما في الوقت الذي بدأ يضطلع فيه بدور مهم في صوغ وتحديد السياسات العالمية.