الاتحاد / توماس فريدمان

طالما أنه لم يعد لدينا ما يكفي من الجماعات البيئية الناشطة، التي لها مستشاروها الخاصون في البنوك الاستثمارية، فإن عليك أن تدرك أننا قد بتنا في عالم جديد لا علاقة له البتة بعالم الأمس، لدى سماعك أن وكالة حماية البيئة، قد استأجرت للتو شركة "بيريلا واينبرج" للشراكة الخاصة في "وول ستريت". وقد أصبح لزاماً على جميع طلبة الكليات الجامعية الناشطين في مجال حماية البيئة، دراسة هذه القصة وتعلم درسها، لأنها قصة من قصص المستقبل الأميركي. وفي ما مضى، كان الناشطون إن أرادوا لشيء أن يكون، فإنهم عادة ما يقررون الاعتصام في المكان، أو ينظمون مسيرة أو مظاهرة احتجاجية يطالبون خلالها بما يريدونه. أما الجديد في تكتيكات الاحتجاج اليوم، فهو استئجار بنك استثماري!

وربما لا يكون في مقدور كل واحدة من هذه الجماعات الناشطة، توفير المال اللازم لتحقيق خطوة كهذه، غير أن عليها أن تحلل الكيفية التي استخدمت بها وكالة حماية البيئة، وكذلك مجلس حماية الموارد الطبيعية، كلاً من شبكة الإنترنت والسوق، لحماية كوكبنا من آلاف الأطنان من غاز ثاني أوكسيد الكربون.

وكانت هذه القصة قد بدأت العام الماضي، بإعلان شركة "تي إكس يو" العملاقة في مجال الطاقة، عن خطط ترمي لبناء 11 محطة كبيرة من محطات الطاقة المستولدة بواسطة الفحم الحجري، ما أثار غضب وقلق جماعات حماية البيئة، لما لذلك من علاقة بنشاطها في مكافحة خطر التغير المناخي. وكان "فريد كراب"، رئيس وكالة حماية البيئة في وكالة تكساس، قد وجه رسالة إلى رئيس شركة "تي إكس يو" طالب فيها بعقد اجتماع معه، إلا أن ذلك المطلب قد استبعد ولم يؤخذ به. بل أردفت الشركة إعلانها الأول بإعلان ثانٍ، أكدت فيه أنها تمضي بخطى حثيثة في إنشاء محطات طاقة الفحم الحجري المقرر إنشاؤها، وقالت إن محافظ الولاية يقف إلى جانبها في هذا الأمر. ولكن هل كان إعلان الشركة هذا، حديث من يدرك طبيعة العالم الذي نعيش فيه اليوم؟

فما أن فعلت "تي إكس يو" ذلك، حتى بادرت وكالة حماية البيئة، وحليفاتها، إلى إنشاء موقع "ستوب تكسيو. دوت كوم" -أي أوقفوا شركة "تي إكس يو"- الذي انتظم في نشر الرسائل والنشرات الإلكترونية اليومية، عن خطط شركة "تي إكس يو"، وتمكنت من بناء قاعدة شعبية قوية معارضة لتلك الصفقة. ولم يكتف الموقع بذلك، بل رفع قضية مدنية ضد الشركة.

على أننا لم نصل إلى نهاية القصة بعد. فقد تحالفت كل من شركة "كوهلبرج كرافيز روبرتس" ومجموعة شركات "تكساس باسيفيك" العملاقة، واتفقت على شراء شركة "تي إكس يو" في صفقة عرضت في شهر فبراير المنصرم، بلغت قيمتها 45 مليار دولار، فيما يعد أعلى صفقة استحواذ عرفتها الأسواق الأميركية مؤخراً. غير أن هناك عقبة في طريق هذه الصفقة، على حد قول "كراب"، تتلخص في عدم رغبة الشركات العملاقة المشترية هذه، في الاستحواذ على شركة لا تزال تخوض حرباً حامية الوطيس مع جماعات حماية البيئة. ولذلك، فقد بادرت الشركات المذكورة أعلاه -والحديث لا يزال على لسان "كراب"- بالتفاوض معنا، نحن ومجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، حول تلك الصفقة. ومن جانبهما، أعلنت كل من وكالة حماية البيئة، ومجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، اعتزامهما المشاركة والمباركة، ولكن شريطة أن تتحول الصفقة المذكورة، إلى صفقة "صديقة للبيئة" على حد قولهما.

وذكر "كراب"، أن التفاوض حول الصيغة النهائية للصفقة، استغرق 17 ساعة في مبنى "أورينتال هوتيل" في سان فرانسيسكو، وأنه انتهى إلى الاتفاق على خفض عدد محطات طاقة الفحم الحجري المزمع إنشاؤها، من 11 محطة إلى 3 محطات فحسب، مقابل إلزام شركة "تي إكس يو" باستثمار ما قيمته 400 مليار دولار، في برامج كفاءة استهلاك الطاقة، وكذلك بمضاعفة مشترياتها من طاقة الرياح. وعليه فقد باركت جماعات البيئة هذه الصفقة، إلا أن ذلك لم يمنع "فريد كراب" من استئجار شركة "بيريلا واينبرج" باعتبارها شركة مختصة في الاستشارات الاستثمارية، للتفاوض حول الشروط النهائية للصفقة. وإنه لإنجاز عظيم بالنسبة لمن لا يملكون مالاً حاضراً لفرض شروطهم وكلمتهم.

ومما لاشك فيه، أن في هذه التجربة الكثير من الدروس الواجب استخلاصها وتعلمها. وأول هذه الدروس وأهمها، ما قاله "كراب" عن الرسالة التالية: فما أن استعجل المستثمرون إبرام صفقة الاستحواذ الكبرى في التاريخ الأميركي، ومارسوا الضغوط على منظمات حماية البيئة، لحملها على مباركة خططهم الرامية إلى زيادة انبعاثات غازات بيت الزجاج، ومن ثم زيادة خطر التغير المناخي، حتى أكدت لهم تلك المنظمات، أن السوق يأتي قبل السياسة، وأن عالمنا الحالي قد تغير بالفعل.

أما الدرس الثاني -والحديث لا يزال لكراب- فيتلخص في أن شركة "تي إكس يو" لم تدرك أن عالمنا ماضٍ باتجاه الاخضرار فحسب، بل إنه تسطّح كذلك. والدليل على هذا، أنها لم تحسب حساباً لسحر الإنترنت وقدرته الجبارة الخارقة على صنع القرارات وتغيير المواقف المتعنتة. وكان أمل شركة "تي إكس يو" أن تبقى معركتها تلك، أشبه بالمناوشة المحلية الولائية الصغيرة من جماعات حماية البيئة هذه. لكنها سرعان ما أدركت أن الأمر ليس كما أرادت، وأن المعركة قد أصبحت مشاعة في شاشات كمبيوتر كافة الأسواق العالمية، بفعل سحر الإنترنت.

أما الدرس الثالث والأخير، فيتلخص في أن سمعة الشركات، إنما تصنعها الممارسة والأفعال مستقبلاً، وليس حملات "العلاقات العامة" التي تهم هي بتنظيمها. وكما قال كراب: "فإذا ما اجتمع الحماس والحقيقة والإنترنت، فإن في ذلك ما ينذر بانطلاق موجة تغيير مستقبلي لا تقاوم".