ليست مقاربة تاريخية، لأن قرار وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس لقاء "الرباعية العربية" قبل القمة، يعيد العمل السياسي على الأقل إلى مراحل "الاقتسام القبلي". فالرباعية العربية التي تم إبداعها مؤخرا تشكل "حلفا" وليس "تحالفا"، وهي أيضا صيغة توحي بأنها المجال الأساسي لإحداث التغيير السياسي "الشرق أوسطي" بالنسبة للإدارة الأمريكية، حيث تجتمع رايس بها بشكل أكثر من دوري.

وكي لا نتعب أنفسنا كثيار في تعريف "الرباعية" لأنها مصطلح إعلامي سريع يضم مصر والأردن والسعودية والإمارات، لكنه قابل للتطوير كما حدث عندما اجتمعت رايس مع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي + 2، أي مضافا إليه مصر والأردن. فهذا التعبير السياسي بمنطق ابتداعه متحرك وقابل للتطوير على سياق "الحلف".

والمقاربة التاريخية أن "الحلف" هنا هو ضمن منطق "التلاقي" كما حدث في "حلف الفضول" قبل الإسلام، والحديث عن "التلاقي" هو لتمييزه عن مفهوم "الحلف" بالمنطق المعاصر الذي يضم مؤسسات ودراسات وربما استراتيجيات واضحة المعالم. والقضية هنا ليس في "تلاقي" دول عربية بل في وضع "التصنيف" لها، ودورية لقاءتها مع وزيرة الخارجية الأمريكية، دون ظهور مؤسسات واضحة تجمع هذه الرباعية أو تجعل من عملها يتجه نحو سياق واضح، فهي تقارب إلى حد ما "الرباعية الدولية" التي تسجل مواقف سياسية تجاه تطورات الوضع الفلسطيني.

ومؤشر القلق أيضا أن ظهور مثل هذه "الرباعية" يتجاوز أي مظهر لانهيار النظام العربي، او حتى انتهاء فاعلية "الجامعة العربية" سياسيا على الأقل، ورغم ان هذه "الجامعة" لم تستطع تاريخيا إثبات فاعلية واضحة، لكنها على الأقل كانت مجالا للتشاور أو الاختلاف.. بينما توحي المصطلحات الحديثة أن التجمعات اليوم على منطق "حلف الفضول" تسير في مجال مطلق يصعب إيجاد ضوابط واضحة له.

لقاء رايس مع "الرباعية العربية" يقدم المؤشر الأول لأعمال القمة، ودون استباق الأحداث أو إصدار أحكام، فإن مثل هذا اللقاء لا يأتي لتعطيل أعمال القمة أو فرض أجندتها، يقدر كونه طرح "المؤثرات" التي ستكون حاضرة داخل المناقشات حتى ولو لم توضع على جدول الأعمال. فالوضع العربي الذي سيظهر في الرياض يضم إضافة لجملة الجهود السعودية على الساحة الفلسطينية واللبنانية، مجموعة أخرى من "التوجهات" التي تتخذ شكلا حديا في النظر إلى جملة المسائل العربية، وعلى الأخص في المشرق العربي الذي تترابط فيه الأزمات بشكل واضح.

وعلى منطق "حلف الفضول" فإننا ربما لا ننتظر الكثير من آليات العمل السياسي بعد القمة المنتظر، لأن منطق "التلاقي" يحمل دوافع ذاتية أكثر من مسألة التحرك السياسي، لكن على الأقل فإن التوجه نحو القمة يوضح ان المنطقة كلها لم تعد كما كانت عشية الحرب على العراق، وربما .. ربما فقط، سيدفع هذا الأمر النخب الثقافية والسياسية للتفكير من جديد.