وأخيراً، وفي نهاية المدة القصوى التي حددها (اتفاق مكة) الموقع بين حركتي (فتح) و(حماس) يوم الـ8 من شباط 2007، أعلن عن حكومة وحدة وطنية فلسطينية برئاسة السيد إسماعيل هنية (حماس) تتألف من 25 وزيراً بينهم عشرة لحركة حماس، التي تتمتع بأغلبية برلمانية مريحة قوامها 74 عضواً، مقابل ستة وزراء لحركة فتح منهم نائب رئيس الوزراء رئيس الكتلة البرلمانية لحركة فتح السيد عزام الأحمد. وباستثناء (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) التي تحفظت على برنامج الحكومة، فإن بقية الفصائل الفاعلة على الساحة الداخلية الفلسطينية تمثلت، بما يناسب تمثيلها في المجلس التشريعي، في حكومة الوحدة التي قاطعتها حركة (الجهاد الإسلامي) وإن أكدت دعمها لحكومة السيد هنية.

ومرد التحفظ الذي أبدته الجبهة الشعبية يعود إلى أن الحكومة الراهنة نموذج للشراكة، وليست نموذجاً للوحدة، فالوحدة الوطنية، يقول مروان عبد العال، عضو المكتب السياسي للجبهة، هي التي تؤسس لحكومة الوحدة، وبالتالي فإن الحكومة ليست مفتاح الوحدة الوطنية. فإن كانت الوحدة الوطنية هدفاً لترتيب البيت الفلسطيني، فإن الخلل الذي أصاب هذه الحكومة يكمن في أن الحكومة كانت ثمرة تفاوض بين طرفي مشروعين متناقضين. وهناك أساس آخر لم تأخذ به الحكومة عند تشكيلها وهو: (شراكة في الدم، شراكة في القرار).

هل يمكن القول إن الحكومة الفلسطينية قد تجاوزت العراقيل التي منعت خروجها إلى العلن لأكثر من أربعة أسابيع؟ العراقيل لها مصدران: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ثم إسرائيل، التي دأبت منذ توقيع اتفاق أوسلو (1993) على القول: (لا لدولة فلسطينية دون موافقة إسرائيل) وبالتالي فإنها تعلن رفضها (الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة ولن تتعامل معها)، لأن برنامجها (لا يتضمن، لا تصريحاً ولا تلميحاً، شروط الرباعية الدولية الداعية إلى الاعتراف بإسرائيل والاتفاقات التي أبرمتها م.ت.ف مع إسرائيل والتخلي عن الإرهاب). لكن المتحدثة بلسان الحكومة الإسرائيلية (ميري إيزن) وهي تعرب عن الأمل في أن يتخذ (المجتمع الدولي) (اقرأ: الولايات المتحدة) موقفاً يفرض على الحكومة الجديدة التزام هذه المبادئ، نسب إلى مسؤول إسرائيلي كبير، لم تعرف هويته، القول: إن إسرائيل مستعدة للتعاون مع حكومة الوحدة الفلسطينية إذا جرى الإفراج عن جلعاد شاليت (الذي أسر في عملية الوهم المتبدد يوم 25 حزيران 2006)، ووقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. وإذا لم تتم الاستجابة لهذين الشرطين فإن (الواقع على الأرض سيفرض على إسرائيل التكيف مع هذا الوضع).

البرنامج الوزاري الذي عرض المجلس التشريعي، يتألف من ثمانية محاور أبرزها، والذي قد يكون محور جدل داخلي وتساؤلات خارجية، هو المحور المتعلق بالاحتلال، إذ تشدد الحكومة على أن (السلام والاستقرار في المنطقة رهن بإنهاء كل أشكال الاحتلال وإزالة جدار الفصل العنصري والمستوطنات، ووقف تهويد القدس وسياسة الضم وإعادة الحقوق إلى أصحابها) الفلسطينيين.

وأشارت الحكومة في بيانها الوزاري إلى أن (المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني)، ومع ذلك فإن الحكومة تعهدت بالعمل من خلال التوافق الوطني على (تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح شاملة ومتبادلة ومتزامنة، على أن تلتزم إسرائيل بوقف إجراءاتها الاحتلالية على الأرض).

في كل المواقف التي علقت على بيان الحكومة وتشكيلتها، كان اللافت هو تحفظ الإدارة الأمريكية عن تقويم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية انتظاراً لتلقينها معلومات أوفى عن الحكومة وبيانها الوزاري، داعية في آن الرئيس الفلسطيني محمود عباس إيجاد الوسائل المناسبة للاستجابة لمطالب الرباعية الدولية (اقرأ: المطالب الإسرائيلية)، باعتبار ذلك، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض (طوني سنو) (حاجة فلسطينية).

هذه مهمة لا تقوى عليها الحكومة الفلسطينية، وإن كان السيد عباس متحمساً لها، والفريقان أو رأسا السلطة الفلسطينية بحاجة إلى تغطية يوفرها مؤتمر القمة العربية القادم من خلال ما تسعى إليه وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس في جولتها العاشرة، هذا الأسبوع، من حمل الدول العربية المعنية على تعديل مبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت (آذار 2002)، وإلغاء البند المتعلق بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين. فهل هناك من يسقط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي أخرجوا منها؟ رغم القرار 194 ودعوته إلى عودة اللاجئين إلى بيوتهم.

وفي هذا الصدد ترى دراسة وضعها معهد (بيغين- السادات) في جامعة بلر إيلان (2/3/2007) أن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان (ليس مشكلة العالم العربي مع إسرائيل)، وأن جوهر الصراع هو مطالبة العرب بعودة اللاجئين إلى ديارهم، فهذه تخفي وراءها عزم العرب على القضاء على إسرائيل، فمن شأن العودة (القضاء على الغالبية اليهودية في إسرائيل). وإذا انسحبت إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وجدت إسرائيل، كما تقول الدراسة، أن (المشكلة بينها وبين جيرانها لم تحل). وهنا يكون.. ما المخرج؟ يريد المركز أن يصل بنا إلى ما يعتبره نغمة الاحتلال، في حين يكون (محافظة إسرائيل على طابعها اليهودي) تبديداً للسلام. وهذا يعني العودة إلى مبدأ سابق في التعامل مع القضية الفلسطينية هو (السلام مقابل السلام).