ليست أربع سنوات.. هي كوابيس من التشرد والموت والعودة إلى "حكم الطوائف".. وهي المساحات المفودة من عمر الأجيال القادمة، التي ستشاهد الماضي بعين من الاكتئاب.. لكنني في النهاية أرى الدم في بغداد صورة لوجهي.. للغربة التي تخلفها الحرب على مساحة جسدي، فبدلا من ان أبكي أو استنجد بـ"المعتصم"، أضحك كي استفز الجميع لأن البكاء صار عادة تخنقنا.

وربما ستنفزني كل المصطلحات التي تحاول نقل تعبير ولو غير صادق عما يتراكم فوق رؤوسنا، لكنني في نفس الوقت لا أعرف تماما كيف سيصبح الموت في العراق اغتيالا جماعيا وليس مجزرة .. لأن المجازر تحمل بعدا إنسانيا وما يحدث منذ أربع سنوات هو نوع من صحوة التاريخ القديم الذي يذكرنا أن الموت المنتشر لم يترك أثرا في نفس الرجال المكررين منذ سقوط بغداد إلى اليوم.

منذ أربع سنوات يتلاحق الموت معبرا عن حالة استثنائية لم نشهدها من قبل، رغم أننا تعرفنا عبر قون متواصلة من الاستباحة.. تلاحق في العراق، وكما بدأ مع الألفية الجديدة في فلسطين، لكن الجريمة التي يتم تكريسها اليوم ليست فقط بحق سياسيين وكتاب وصحفيين وأطفالا أبرياء، إنها يقظة الموت في وجه المجتمع ... وارتكاس الرغبة في الحياة أمام إعصار استراتيجيات "بناءة"...

وإذا كانت مسائل الاغتيال تحتاج إلى لجان تحقيق، والمجازر الجماعية لهيئات تقوم بتقصي الحقائق، فإننا نحتاج بالفعل إلى فهم الاستباحة، وإلى "ورشات" عمل تحاول فهم هذا المنطق الجديد في عالمنا، لأننا مستباحون مع التعصب الذي تتبناه .. ومستباحون رغم أنف التراث الذي نحمله على اكتافنا ... أما الاغتيال الذي نعاصره اليوم فلا ينفذه جهاز أو شخص ... هذا النوع من الاغتيال مرتبط بقدرة المجتمع على الاختراق .. أو حتى بطاقة الثقافة على التجاوب مع الحلول "البناءة"....!

في يوم واحد يقوم الاغتيال بفعله عبر "الاستباحة" ... والفعل الأخير هو شريط إخباري في أسفل الشاشة يتدحث عن عدد الضحايا نراقبه ربما بدون مبالاة ... هذه الصورة النهائية التي تدعونا اكثر من أي وقت مضي لاعتبار أننا لا نملك اليوم شيئا ... وعلينا خلق بدايات جديدة.