قد تبدو مؤخراً المواقف الإسرائيلية من المبادرة العربية للسلام التي اقرتها القمة العربية في بيروت في العام 2002، متناقضة، لكن نظرة متفحصة تدلل على أن هناك ثمة هدف يسعى صناع القرار في تل ابيب لتحقيقه من خلال هذا التضارب المقصود. فقبل عشرة أيام خرجت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني التي توصف بأنها من " الحمائم " في الحكومة الإسرائيلية لتؤكد أن الدولة العبرية لا يمكنها أن توافق على المبادرة العربية للسلام على أساس أنها تتضمن بنوداً لا يمكن أن توافق عليها إسرائيل. وعشية لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت أن المبادرة العربية تتضمن بنوداً " ايجابية " توجب على اسرائيل درساتها بجدية. التناقض بين التصريحين هو تناقض ظاهري فقط، فليفني عندما تحدثت عن البنود التي لا يمكن أن توافق عليها اسرائيل، فأنها عمياً قصدت البنود المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين وقضية الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران للعام 67 ومستقبل القدس ومصير التجمعات الإستيطانية. وكما يؤكد مقربو أولمرت، فأن اعتراض اسرائيل على المبادرة العربية لا يتعلق فقط بالموقف من قضية اللاجئين. صحيح أن اسرائيل تطالب بادخال تعديل على المبادرة ينص على ضرورة عودة هؤلاء اللاجئين الى مناطق الدولة الفلسطينية التي ستقام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس الى المناطق التي شردوا منها في العام 1948؛ لكن اسرائيل تريد أيضاً أن توضح للعرب بأنها لا يمكنها الإنسحاب الى حدود الرابع من حزيران للعام 67، وهذا الموقف لا يعبر عنه اقطاب حزب " كاديما " الحاكم واليمين، بل ايضاً قادة حزب العمل، الذين يرون أنه في أي تسوية سياسية يتوجب أن تواصل اسرائيل سيطرتها على منطقة " غور الأردن "، التي تشكل 20% من مساحة الضفة، ناهيك عن اصرار اسرائيل على الاحتفاظ بالقدس الشرقية، كجزء مما تعتبره " العاصمة الأبدية والموحدة " لإسرائيل. في نفس الوقت، فأن اسرائيل أوضحت للجميع أنها لن تقوم بتفكيك التجمعات الإستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، والتي تضم أكثر من 70% من المستوطنين. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر في مكتب اولمرت قولها أن إسرائيل لا تريد أن يتم ترجمة المواقف الإسرائيلية هذه على شكل تعديلات على المبادرة العربية، فبإستثناء الموقف من قضية اللاجئين الذي تصر اسرائيل على أن يتم تعديل المبادرة العربية لكي تنص بشكل واضح على أن عودة اللاجئين يجب أن تكون الى أراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فأن إسرائيل ترغب بأن يدرك القادة العرب حدود المرونة الإسرائيلية من القضايا الأخرى. وقد وجدت اسرائيل في الإدارة الأمريكية سنداً لها في محاولة ادخال التعديلات المطلوبة على بند اللاجئين، حيث تواترت التقارير في وسائل الاعلام الاسرائيلية المختلفة التي أكدت أن الولايات المتحدة أجرت اتصالات اطراف عربية لإقناعها بإن تقوم السعودية بإقناع العرب والفلسطينيين بإدخال التعديل المطلوب على بند اللاجئين. لكن صحيفة " هارتس " أوضحت في عددها الصادر بتاريخ 6-3-2007 أن الإدارة الأمريكية باتت يائسة من إمكانية ادخال تعديلات على المبادرة بسبب الموقف الفلسطيني القوي الرافض لادخال مثل هذه التعديلات. وحسب الصحيفة، فأن إسرائيل قد تقبل المبادرة العربية كإطار عام، بحيث يترك الموقف من البنود التي تتضمنها المبادرة للمفاوضات الثنائية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

مطلب داخلي:

اولمرت معني بشكل اعلامي بالانشغال بالمبادرة العربية، لأنه لا يوجد لديه اجندة سياسية أو امنية أو اجتماعية تبرر بقائه في الحكم، في ظل الفضائح التي يتم الكشف عن تورطه وتورط طاقمه فيها، وعشية ظهور نتائج لجنة " فينوغراد " التي تحقق في مسار حرب لبنان الثانية، التي قد تحمله المسؤولية عن بعض مظاهر القصور في الحرب. وكما يقول الوف بن المعلق السياسي لصحيفة " هارتس " فأن اولمرت الذي ينهار حسب استطلاعات الرأي يجد نفسه في حاجة ماسة لمبادرة سياسية " تمنحه اكسجين سياسي. وهو يعرف أنه لا يمكنه أن يواصل لزمن طويل في منصبه مع تأييد جماهيري يؤول الى الصفر، ومع انتقادات لا تهدأ بسبب الاخفاقات في حرب لبنان الثانية، و مع موجات فضائحية غير متوقفة وبدون جدول أعمال "، على حد تعبيره. ويضيف أن المبادرة السعودية تمنح اولمرت فرصة للانتعاش، منوهاً الى أنه ليس لديه الكثير ما يخسره، في ظل وضعه المتردي. ويشير بن الى أن الانشغال بالمبادرة العربية يوفر لاولمرت أيضا نقطة تفوق في صراعات القوى داخل الحكومة وحزب كاديما، منوها الى أن الاتصالات التي يجريها مكتب اولمرت مع الامير بندر بن سلطان تجري بعيدا عن وزارة الخارجية الإسرائيلي وعن الوزيرة تسيبي لفني. ويضيف أنه في حال حدثت انطلاقة في المفاوضات فسيسوق اولمرت هذا الانجاز لنفسه فقط.

ترتيب اقليمي:

من ناحيته يعتبر الكاتب والمحلل الاسرائيلي عكيفا الدار أن حماس امريكا وبعض الدول العربية لتطبيق المبادرة العربية تكمن مصلحة مشتركة لصد التعاظم الايراني، والرغبة في بلورة " محور المعتدلين الاقليمي حول مسيرة سلمية متجددة ". ويضيف الدار أن امريكا تراهن على نجاح قمة الرياض العربية ليس في ادخال تعديلات على المبادرة العربية، بل في توفير اجواء تسمح لها بمحاصرة ايران. لكن الدار يرى أن قمة الرياض ستمثل تحدياً لإسرائيل، إذ أن حضور رئيس الوزراء الفلسطيني المكلف اسماعيل هنية القمة الى جانب الرئيس ابو مازن يعني اضفاء شرعية عربية على حكومة الوحدة، منوهاً الى أن الأوروبيين لن يتأخروا عن العرب في منح الشرعية لهذه الحكومة، الأمر الذي يحاصر اسرائيل، ناصحاً اسرائيل بتغيير موقفها من حكومة الوحدة.