الاتحاد / محمد ولد المنى

حصول أول حكومة وحدة وطنية فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية على ثقة البرلمان، خلال اجتماعين متوازيين في غزة ورام الله، بأغلبية كبيرة، هو الخطوة الأكثر سهولة في قصة ميلاد الحكومة الجديدة، قياساً لما قبلها وما بعدها أيضاً! فقد سبقت عملية التصويت ومنح الثقة، مصاعب وتحديات وإخفاقات جمة، أوشكت أن تعرِّض الوحدة الوطنية الفلسطينية لخطر الصدام الداخلي المدمر، لذلك ينظر إلى الحكومة الجديدة على أنها طوق نجاة للفلسطينيين، إذ يطوي قيامها صفحة حكومة اللون الواحد والتي كانت سمة للفترة المنقضية من عمرة السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد سيطرت حركة "فتح" على المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وذلك خلال 9 حكومات تعاقبت منذ قيام السلطة الوطنية عام 1994. وكانت 8 من تلك الحكومات في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ترأس هو نفسه 6 منها، بينما ترأس "أبومازن" الحكومة السابعة، أعقبه أحمد قريع على رأس الحكومة الثامنة في عهد عرفات، ثم التاسعة في عهد "أبومازن" نفسه. أما العاشرة فهي الحكومة الحالية التي شكلتها "حماس" في مارس 2006 بعد فوزها بالانتخابات التشريعية.

واجهت الحكومات الفلسطينية السابقة، مشاكل وتحديات، لم تنجح في تخطي كثير منها، سواء بسبب الاحتلال واشتراطات "أوسلو"، أو بسبب الفساد المستشري داخل أجهزة السلطة... إلا أن حكومة "حماس"، سجلت إخفاقاً غير مسبوق في إدارة عدد من الملفات الداخلية والخارجية للشعب الفلسطيني، إذ عانت من حصار خارجي خانق وتصعيد عسكري إسرائيلي متواصل، كما تعين عليها أن تتعامل مع ظاهرة الفوضى والانفلات الأمني، في سياق متصل بالصدام الناشئ مع "فتح"، والتي بدا أنها لم تتكيف مع وضعها الجديد خارج الحكومة، مما جعل الفلسطينيين (في الضفة والقطاع) على حافة الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية، أي السيناريو الذي راهنت تل أبيب وواشنطن على حدوثه.

وثيقة الأسرى، واللقاءات والوساطات التي جرت طيلة العام الماضي... لم تجدِ نفعاً في إنهاء الأزمة وإزالة فتيلها، بل اتسعت رقعة الصدام وتعمقت حالة التخندق وراء الاتهامات المتبادلة بين الفصيلين، مما أدى إلى شل الحكومة بشكل كلي تقريباً!

وللخروج من مأزق عنق الزجاجة، قبلت "فتح" و"حماس" تلبية الدعوة السعودية ووقعتا على "اتفاق مكة" المكرمة، وهو الاتفاق الذي بلور خطوط اتفاق عام أفسحت المجال لتشكيل أول حكومة ائتلاف وطني فلسطينية، حظيت (أول أمس السبت) بثقة سهلة من جانب المجلس الوطني التشريعي الفلسطيني (البرلمان)، ونالت تأييداً عربياً، وبعض الترحيب الأوروبي.

تشكيلة الحكومة التي سلم هنية قائمتها إلى الرئيس عباس يوم الخميس الماضي، ثم عرضها على البرلمان يوم السبت حيث أقرها، ضمت 24 منصباً وزارياً، منها 11 حقيبة لحركة "حماس" و6 لحركة "فتح" و4 للمستقلين، و3 حقائب لـ"الجبهة الديمقراطية" و"حزب الشعب" وكتلة "الطريق الثالث".

ويلفت النظر في تركيبة الحكومة الجديدة، كونها أسندت ثلاث وزارات سيادية إلى المستقلين؛ هي الخارجية التي تولاها زياد عمرو، الأكاديمي والوزير السابق والنائب المستقل المقرب من الرئيس عباس، والذي تربطه علاقات مع الأميركيين والأوروبيين. والمالية التي أسندت إلى مقرب آخر من عباس هو سلام فياض الذي يعد وجهاً مقبولاً على المستوى الخارجي وقد سبق أن عمل في البنك وصندوق النقد الدوليين، كما شغل نفس الوزارة لبضع سنوات. أما الداخلية فتولاها مستقل آخر هو هاني القواسمه المقرب من "حماس" والذي كان مسؤول قطاع في الوزارة نفسها في الحكومة الحالية.

ويبدو ذلك أمراً مفهوماً تماماً بالنظر إلى أن خلافات الفصيلين تتركز في منطقة اختصاص الوزارات الثلاث المذكورة، ومن ثم أسندت إلى شخصيات مستقلة تفادياً لإثارة الخلاف مجدداً.

واتساقاً مع التشكيلة أعلاه، فقد أكد برنامج الحكومة الجديدة، على أن إدارة المفاوضات مع الإسرائيليين هي من مسؤولية "منظمة التحرير الفلسطينية" ورئيس السلطة الوطنية، وذلك طبقاً لـ"وثيقة الوفاق الوطني" (وثيقة الأسرى)، كما أن الحكومة "ستعمل على تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة".

وعدا عن ذلك فثمة قضايا عديدة تنتظر الحكومة الفلسطينية الجديدة، إذ عليها أن تحل مشاكل البطالة والفقر والحصار والفوضى الأمنية والانهيار الاقتصادي... أي المعاناة اليومية للمواطن الفلسطيني، وما أكثرها الآن... فهل تستطيع انتشاله منها وتحسين أوضاعه المزرية؟

يمثل استمرار المقاطعة الأميركية والحصار الإسرائيلي، تحدياً كبيراً للحكومة الجديدة، إذ أعلنت واشنطن أنها لن ترفع الحظر عن التعامل معها، مستثنية بعض الوزراء من خارج "حماس" وبصفتهم الشخصية فقط! أما إسرائيل فلازالت متمسكة باشتراطاتها السابقة، أي الرضوخ الكامل لشروط "اللجنة الرباعية"، قبل أي حديث عن تخفيف حصارها على الشعب الفلسطيني وحكومته!

ولاشك أن الحجز الإسرائيلي لأموال الضرائب والجمارك المحصلة للسلطة الفلسطينية، والقيود المصرفية التي تفرضها تل أبيب وواشنطن لمنع الدول المانحة من إرسال أموال للحكومة الفلسطينية... ستشل قدرة الحكومة الجديدة على العمل وعلى تحقيق تعهداتها، ومن ثم فستجد أنها تكرر تجربة الحكومة السابقة دون فرق كبير يذكر! لهذا يحذر سلام فياض، في أول تصريح له بعيد نيل الحكومة ثقة البرلمان، من أنها (أي الحكومة) تواجه أزمة مالية خطيرة جداً ستعرقل مهمتها، وأنها لن تتمكن من العمل لفترة طويلة بدون مساعدات المانحين المتوقفة بسبب العقوبات.

ومن غير المتوقع أن يحقق وزير الخارجية زياد عمرو، اختراقاً في جدار الحصار الخارجي، خاصة في غياب موقف عربي قادر على اتخاذ الخطوة الأولى نحو كسر الحصار وإنهاء العقوبات. أما وزير الداخلية بخبرته المحدودة، فسيواجه ملفات خلافية متراكمة بين "فتح" و"حماس"، خاصة لجهة تداخل الاختصاص بين الأجهزة الأمنية التابعة لوزارته وأجهزة أمن لرئاسة، علاوة على ملف "القوة التنفيذية" التي أنشأها سلفه سعيد صيام.

الحكومة الحالية إذن جاءت كترضية لـ"فتح"، أما الرابح الأساسي فهو الشعب الفلسطيني نفسه، إذ يتوقع أن تعيد تسوية الصراع الداخلي وما رافقه من إرباكات، الاهتمام مجدداً بقضية الاحتلال والجدار والمستوطنات والقدس واللاجئين والدولة الفلسطينية...

لكن أليس من المفارقة أن يناط نجاح الحكومة الائتلافية بين "حماس" و"فتح"، بشخصيات من خارج الفصيلين؟