ما هي الرؤية التي يمكن أن نبنيها عندما يواجهنا استطلاع للرأي يجمع على أن مجلس الشعب لا يمثل هموم الناس؟!! وسواء استوفى الإحصاء الشروط العلمية أم أسقط بعضها، لكن تكرار الأجوبة يشكل نقطة بداية لفهم أزمة (العملية التفاعلية) في (التمثيل) أو (التشريع) أو الانتخابات بشكل عام.

وعندما قامت (أبيض وأسود) باستبيان سريع لآراء الشباب حول الانتخابات المقبلة، فإنها لم تكن تريد تأكيد الأجوبة المسبقة، لأن الحياة العامة مليئة بالتكرار الذي قاد في النهاية إلى نوع من (اللامبالاة) أو الحيادية تجاه الحدث.. لكن الهم الأساسي هو هل يمكن معرفة (ما يريده) الشباب بدلاً من توجيه الانتقاد؟ وهل الصورة واضحة لتكوين رأي عام بكل المواصفات كي يصبح (الدور التشريعي) منسجماً مع المستقبل.

بالطبع فإن الرأي العام بالنسبة للشباب كان مليئا بالتفاصيل، وربما بطرح أشكالاً من الحلول لا نعرف على وجه الدقة موقعها من العملية الانتخابية.. فهل حقاً يمكن للمحكمة الدستورية العليا كما طرح البعض أن (تقوّم) العملية الانتخابية؟!! أم أن وجود (قانون أحزاب عصري) يمكن أن يشكل مرحلة جديدة داخل مجلس الشعب؟!! والأهم هل تكفي هذه الإجراءات لإعادة الحيوية الاجتماعية داخل الانتخابات؟!!

بالطبع فإن الإجراءات القانونية شأن أولي، لكنها في نفس الوقت متشابكة إلى حد كبير مع البنية الاجتماعية والثقافة التي تفرض نفسها لتجعل من (الانتخابات) أقرب لحالة التمثيل (العائلي) أحياناً، والعشائري في بعض المناطق السورية. هذه الصورة المشوشة لا تلغي ضرورة (الوضوح) في تحديد (الخارطة) الانتخابية على أساس من التشريعات الحديثة، أو حتى التعامل مع (الحريات العامة) بشكل جديد، وفي نفس الوقت فهم التوجه الاجتماعي الذي يضع مجلس الشعب في إطار ما يريده فقط، وليس في (الأشكال الدستورية) التي تنظم العلاقة ما بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية.

قبل أكثر من أربع سنوات نشط البعض في إعادة قراءة الأدوار داخل جملة المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وفي تلك المرحلة طرح البعض حدود السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وطالب البعض بمبدأ فصل السلطات.. لكن هذه الدراسات لم تدخل في طبيعة (التحول) الذي يمكن أن تدخله سوريا بفعل الكثير من القوانين التي أقرها مجلس الشعب نفسه.. فاقتصاد (السوق الاجتماعي) على سبيل المثال يحتاج لبنية اجتماعية – سياسية جديدة.. وهو أمر خلق نوعاً من الافتراق ما بين القوانين ورؤية المواطنين، فظهر الخلط الذي يمكن ملاحظته بشكل سريع عند أي استبيان ليس للشباب فقط بل لأي شريحة اجتماعية.
التحول الذي شهدته سوريا لم يكن بطيئاً حسب تعبير البعض.. ربما يكون بطيئاً في مجال التشريعات السياسية، لكن الأخطر أن التحول الاقتصادي أنتج قطاعات جديدة اقتصادية واجتماعية. وأكثر من ذلك فإن الاحتياجات لدى المواطنين تطورت بشكل سريع مع تضخم بعض القطاعات، مثل الاتصالات، وهو أمر جعل من بعض (المصطلحات) تطفو على سطح الحياة العامة وتصبح ضمن دائرة الضوء، مثل البطالة. لأننا اليوم نتعامل مع نتائجها الملموسة وربما (الفاقعة). فهذا التحول الذي لا ينفصل عنه أي تفصيل آخر، مثل نمو رغبات المواطنين في الاستهلاك، يبدو واضحاً أكثر على مستوى الشباب والساحة التعليمية فالتشعبات في التعليم الجامعي أنتجت أيضاً (جمهوراً) من الشباب لم يكن موجوداً قبل ظهور الجامعات الخاصة والتعليم المفتوح والتعليم الموازي. هذا الجمهور مازال يقف في رؤيته (للتشريع) عند حدود ما طرح قبل عدة سنوات، بينما يعيش حياة مختلفة بالكامل، في مظهرها على الأقل.

(المسألة) ليست (مطالب) كما يطرحها الشباب، أو حتى مواقف سياسية كما تخدمها (النخب)، فأعضاء مجلس الشعب اليوم ربما يحتاجون أكثر من أي وقت مضى لرؤية مساحة التحول على الصعيد الاجتماعي، لمعرفة (الطريق) الجديد الذي يمكن أن يسلكه التشريع، وربما إعادة صياغة التفاعل المعطل ما بين المجتمع والتشريعات.

ماذا نتج عن هذا التحول؟!! إنه السؤال الذي لا نستطيع الإجابة عنه لكننا نرى ملامحه في الأجوبة التي تنهمر علينا في أي استبيان يمكن أن نقوم به بشكل سريع .. وخارج الضوابط الأكاديمية..