اعتاد قادة العالم العربي مع مطلع القرن الحادي والعشرين أن يعقدوا قمة في شهر آذار – كل عام - . بعض العادات تكون سيئة ، إذا لم تقترن ممارستها بنتيجة إيجابية على الأقل ، وأن لا تكون مجرد عادة .

تسأل الناس في الشارع عن توقعاتهم للقمة المقبلة فيصدمك الجواب ... مثل سابقاتها ، جعجعة بلا طحن ..! أو – كل قمة أسوأ مما قبلها بسبب تقديم المزيد من التنازلات ... هل تذكر قمة بيروت 2002 ، عرض فيها العرب ما لم تطلبه قرارات مجلس الأمن منهم ، مع ذلك قال شارون : إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به ..!. اليوم وبعد سنوات خمس يرى فيها بعض القادة الصهاينة بعض الإيجابيات ، لكن العجوز بيريز يقول إن كل بنودها بحاجة للتفاوض ..!

الثعلب العجوز لا يقول كما قال شامير .. سأجعل المفاوضات تمتد إلى عشرات السنين ، .. فضح شامير نفسه ، وكأنه يتباهى ، خرج على المألوف عند الصهاينة وهو كتمان ما يضمرون ، بيريز أيضاً سيعمل على أن تمتد المفاوضات لمئة عام ، ليس مهماً ، فقادة العرب ليسوا مستعجلين ،.. القضية توفر لهم المزيد من ظروف الاستمرار وصفقات السلاح ،... و المزيد من السمسرة والعمولات ..! هل رأى أحدكم أو سمع عن بشر يسرقون أنفسهم ..؟.

قبل قمة العرب في بيروت ، زارني تابعي ( والتابع من الجن ) ، أخبرني الكثير عن القمة ، وعن القادة ، وجعلني أكتب متنبئاً ما سيقولون ويعلنون ، وبعض ما يضمرونه ،.. كتبت الكثير عن القمة تلك ، ونشرته جريدة المحرر العربي على حلقات ، كان آخرها قبل القمة بأيام فقط .

مناسبة الحديث أن القمة القادمة ستبحث في بنود مقررات القمة الماضية – قمة بيروت 2002 – بناء على اقتراح صهيوني ، أو أمريكي ، لا فرق ، مهمة الكثير من قادة الأنظمة العربية تلبية الرغبات الأمريكية ، استنزاف الوقت ، توفير المزيد من مواضيع الجدل السفسطائي ، طالما يتعلق الأمر بقرارات مجلس الأمن التي تتوجه نحو الصهاينة ، أربعون عاما ً ..! غير كافية لفهم مطالب الحق ، ولا طريقة توفيرها ، كل قرارات مجلس الأمر يتم تطبيقها بالحذاء العسكري الأمريكي على كل العالم ، عدا دولة الصهاينة ، فالقرارات يجب تطبيقها بالتراضي ، بالتوافق ، بالتفاوض ، وبمعونة داخلية ممن قامت الصهيو – أمريكية بتنصيبهم على رأس هرم السلطة في الممالك والأمارات ، والجمهوريات الوراثية حتى ، وحدهم أصحاب الحق يجب أن يرضخوا ، أو يموتوا جوعاً وحصاراً .

لم أكن متفائلاً في زمن مضى ، ولست متفائلاً في الحاضر من قمم العرب ، ولن أكون في المستقبل ، على العكس تماماً ، أنا أكثر تشاؤماً ممن يعلمون يقيناً أن الرفض الشكلي العربي المعلن لأي تعديل على مبادرة قمة بيروت ، هو لإسكات الشارع قبل القمة ، أضحك كثيراً من لفظة الشارع ، ولا أقصد به الشارع العربي النائم منذ سنوات طويلة ، ليس ذلك عيبه ، فقد تم تدجينه بالقوة المدعومة بالأخضر ، والأسود ، ربما أقصد شارع العالم ، شارع تقييم القادة ، إذ ومن باب الحفاظ على بعض ماء الوجه لا بد من إعلان موقف ينم عن بعض الجرأة ، استحياء من النفس على الأقل ، في النهاية سيجد جهابذة المستشارين الأسباب المبررة لتعديل هنا ، وتعديل هناك ، حتى ولو على حساب الأرض ... التي كما يقول اليهود : يملك العرب منها الكثير ، الأرض الخصبة التي لا يعرفون كيف يديرونها أو يستثمرونها ،.. الأرض التي يحتاجها العرب قريبة من الصحراء الواسعة ، فيها ملعب خيولهم وإبلهم ، وأغنامهم ، ولا حاجة للرعي فالتقنية الأمريكية – اليهودية توفر لهم العلف معلباً ، كأغذيتهم المستوردة ، أو أسلحتهم فاحشة الأسعار لأنها من التحف النادرة ، سيتضاعف ثمنها طالما حافظت على نظافتها ولم تستعمل .!.

في قمة بيروت ، راهن عالم العرب على دم الشباب ، أيضاً على روح العزة والإباء عند الوطنيين ، وحده قائد سوريا تحدث بشفافية بعيداً عن السياسة والمداورة ، ... قالوا لم يزل في بداية الطريق ، سيحاول القدماء " الحكماء " هدايته إلى الطريق القويم ،..! طريق العلاقة مع القوة العظمى ، ويعلمونه من أين تؤكل الكتف ... كتف الشعب ، أم كتف الحليف – العدو ..؟.

بعد سنوات ، لم يفلح التهديد ، ولا الوعيد ، ولا الترغيب ، ... لم ينفع حديث الرسل ، ولا الكبار ممن أتقنوا فــن السياسة الدولية ، ولا عشرات الرحلات المكوكية لمن يعتبرون دهاة السياسة العرب ،.. بقي عند موقفه ، وعلى ما نشأ وتربى عليه ، بقي يستمد صلابة الموقف ، من روحية الأمة ، من صلب مصالحها ، حتى بعد اجتياح عمقه الاستراتيجي ، وتلويحهم بالجوار البشع ، .. هل تذكرون لقب العسكري الأمريكي في عالم الجوار الأمريكي ... إنه الأمريكي البشــــع ، لقد أصبح جاراً لنا ، أو هكذا تخيل قادة أمريكا أنفسهم ، لم يخجلوا من إعلان النوايا ... على الأسد أن يدرك أننا أصبحنا على حدوده ..!.

الرئيس لحود ..، كان الصوت الآخر الذي أعلن وقوفه إلى جانب الحقيقة : لا حل على حساب الفلسطينيين ، أي لا حل على حساب أرض لبنان ... التوطين مرفوض ..! هناك من يراهن على التوطين من أمراء الحرب في لبنان ، سيقبضون ثمن الأرض ، لمجرد السكوت والموافقة تحت ذرائع، على عملية التوطين .

ستنعقد القمة قريباً ، لا أحد يراهن على إنجاز بسيط ، ولو بحجم الاتفاق على كلمة ... ، عدا عن موقف له حساب ، وحدهم قادة الكيان الصهيوني يحق لهم إعلان المقاطعة ، ووحدهم يعتبرون أن العالم يرفض إلى جانبهم ما يرفضون ، ألا يقول أولمرت : حكومتنا والمجتمع الدولي يرى أن الحكومة الفلسطينية لا تحقق شروط الرباعية ..! ويطالب المجتمع الدولي باستمرار فرض الحصار على الضحية ..! هل أصبحت شروط الرباعية هي القانون الدولي ..؟ وهل سقطت قرارات مجلس الأمن بالضربة القاضية ..، القرارات التي تمنع الاستيطان ، واكتساب الأرض بالقوة ، وأن أراضي الضفة الغربية ، وكل ماتم السيطرة عليه في حرب 1967 وما بعدها هي أراض محتلة ...هل تقيدت دولة الصهاينة بأي من ذلك ... مجرد مقارنة ..! وهل يجرؤ العرب ،.. بالمقابل على إعلان النية في المقاطعة ووقف العمل باتفاقيات لم يتم تطبيقها إلا على الجانب العربي . ( نحن لا نعترف بما يعترف به العرب من حق لوجود الصهاينة ).

مشكلة العرب أنهم لا يثارون ، أو تتحرك لديهم الحمية والنخوة إلا بعد تحريض طويل ، وأذكر أن أربعمائة عام من الاحتلال العثماني ... هكذا قرأت ، لم تثر في القادة العرب الشعور بضرورة الثورة إلا بعد تحريض فرنسي – بريطاني ، أوروبي طويل . هل يلزمنا الانتظار مئات السنين الأخرى ، على أن تتكفل بتحريضنا من جديد الصين أو الهند ، أو ربما دولة لم تولد بعد لاستعادة حقنا ، أو على الأقل الحفاظ على بعض منه ، أو ما سيبقى بعد تحقيق الصهيو – أمريكية لمخططاتها ، أم نقول على العرب السلام .

الذين يراهنون على صحوة عربية ، بوجود قيادات تقرأ اليوم في صفحات تاريخ مضى عليه أكثر من ثلاثة عشر قرنا ، هم واهمون ، لقد ابتلينا بأنظمة نمرودية ، نحن ( كشعوب ) تركناها تصل إلى واقعها الحالي ، استمرأت ركوب ظهورنا ، وأسلسنا لها قيادنا ، تتآمر علينا جهاراً نهاراً ، الأحرار في بلدان القيادات العدوة يعلنون سخطهم ويتظاهرون ، يشتمون قياداتهم بما هو فيها من ظلم وعدوان علينا ، وقيادات من قلب عالمنا العربي تعلن أن خروج المحتل سيوفر فرصة لانتصار مذهب على مذهب ..! لا يرون في خروج المحتل سوى الفوضى ، وتتجسد الفوضى بكل أشكالها المقيتة بوجود هذا المحتل ، عذرهم أنهم مرتبطون ، موظفون في خدمة مشروع كبير ، هم مجرد أدوات تنطق بما يملى ، هل من العيب أن نكرر أنهم صوت سيدهم ..؟.

أدفع من عمري ، أن يصدر عن القمة المرتقبة مجرد شرط يقول : إن لم يتم تطبيق قرارات مجلس الأمن على الصهاينة كما طبقتها أمريكا علينا ، فنحن براء من كل اتفاق مع حكومة الصهاينة ، وأول الغيث هو سحب السفراء ، يليه سحب الاعتراف بعد قطع كل أشكال الاتصال ..! هل يعتقد أحد من القراء أن شيئاً من هذا سيحصل ..؟.
يقول صاحبي : لو فعل قادة العرب شيئاً من هذا القبيل ، سأقول أن البشر بدأوا يسيرون على أيديهم ..!.

خوفنا العظيم ، أن تنقلب القمة القادمة بما تصدره من قرارات ، إلى قمقم يسجن فيه قادة العرب أنفسهم ، وقدراتهم ، وشعوبهم إلى أجل يعلمه الله . . . وهل نحن خارج القمقم ...؟ لست متأكداً .