يستطيع الرئيس الأمريكي التحدث كيفما يشاء.. لأن المسألة بالنسبة لنا على الأقل هي مسرح الموت الذي تم ابتكاره في العراق، فسحب كل أزماتنا تجاهه، وربما لخص لنا قضية وجودنا المعاصر.. فمهما كان عدد القتلى الأمريكيين، لكننا في النهاية أمام جريمة حرب من الطراز الذي ابتدعه "هولاكو" ولكن بتسميات جديدة.. والفارق أن هولاكو لم يقتل الأحلام فهو جاء غازيا وليس "محررا".. ولم يحلم أهل العراق مع قدوم التتر بـ"الديمقراطية"... ولم تتكسر مساحات الحياة على امتداد أربع سنوات..

"المحافظون الجدد" ليسوا مجرمين بامتياز، بل هم "مرابون" على الصيغة الشائعة في القرون الوسطى، يسرقون الحلم قبل القتل أو انتهاك الجسد.. والمسألة تتعدى مساحة الأغلاط السياسية أو الخروقات الاستراتيجية، لأنهم أنهوا من تاريخنا المعاصر أي "طموح" لحداثة الدولة وديمقراطيتها، وخلقوا بالفعل "الفوضى" التي شتت جغرافيتنا.. فهم ليسوا مجرمين بل "مرابون" قادرون على الحصول على ما يريدون والتعامل مع الجميع رغم الكره الذي ينتاب الناس تجاههم.

واليوم لا نستطيع الحديث في تحليل سياسي، لأن ما حدث في العراق يفوق مساحة الخيال أو حجم "تضخيم المؤامرة".. فالمسألة باتت نوعا من عبثية الخيارات .. فضاقت كل الاحتمالات ولم يعد أمامنا سوى النظرة البلهاء ونحن نستمع لتصريحات "المالكي" بانتهاء العنف الطائفي.. فما حاجة العراق إليه بعد ان اعتصمت الطوائف بمواقعها.. وما فائدة الإطاحة بصدام عندما يصبح الحقد "قبلي"، فتتساوى التصريحات سواء صدرت من البيت الأبيض او من "تورا بورا" سابقا أو من أي حي عراقي يعتصم فيه "القتلة الملتحون" وهم يبنون على مقاس القرن الرابع "دولة القرامطة" أو "ثورة الزنج" أو "دولة العراق الإسلامية" على امتداد حي واحد.

بعد أربع سنوات لم يسقط الحلم بالمؤسسات والديمقراطية وحقوق الإنسان.. ولم يتهاوى بناء الحداثة والعلمانية.. ما حدث كان اكثر من تصفية لاحتمالات انتعاش الحضارة، لأنه كان يقيس مساحات العراق على طريقة "المرابين" ولكن باسلوب أكثر عنجهية..

ما حصل في العراق لم يكن شأنا عراقيا لأنه اعادنا لنقطة الصفر.. أعادنا للخوف الذي أوجدنا عندما قررنا البدء في رؤية بلادنا على شاكلتنا، فحاصرنا القمع.. والان يصفينا الاحتلال... إنها أربع سنوات نسأل فيها على العراق .. نسأل فيها عن انفسنا.