الأخ الكريم "أبـو العـبـد " ؛
تحيـة فلسـطينية طيبـة وإحـتـرامـا فـائـقـا وبـعــد ؛
بـادئ ذي بـدء ، أرجـو أن تسمح لي بأن أقـدم إليك ، والى أعـضـاء الحـكـومـة الفلسطينية الجـديـدة ، أطيب التهاني وأخلص التبريكات . وعلى الرغـم من تحـفـظاتي على عدم وضوح البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية الحادية عشرة، وعلى الشروط التي حكمت تشكيلها، أقول بأعلى صـوتي: ألف مبروك على فـوز الحكومة بثـقـة المجلس التشريعي الفلسطيني يوم السبت الماضي .

غني عن البيان أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية خطوة إيجابية ويمكن أن تكون بداية صفحة جديدة في تاريخ شعبنا الفلسطيني وقضيتنا الوطنية.

لا يملك أي فلسطيني مخلص لشعبه وقضيته إلا أن يسجل لهـذه الحكومـة أنها أوقفت نزيف الاقتتال الفلسطيني الـدامي والاندفاع نحو حرب أهلية .

إن من يـقـرأ خطاب التكليف الذي شـُكلت الحكومـة على أسـاسـه يلاحظ أن هـذا الخطاب "حمّال أوجه" ، ويشكل نوعاً من محاولة الجمع والتعايش بين برنامجين مختلفين... فبينمـا يتحدث الرئيس محمود عباس عن "الالتزام بشروط اللجنة الرباعية" ويراهن على المفاوضات كـ "أسلوب وحيد" لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ، تعلن الحكومة الفلسطينية عن "احترام الاتفاقات الموقعة والشرعية الدولية"، وتؤكـد على حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف "باستخدام كافـة أشكال المقاومة."

ورغم أهمية التعايش بين البرنامجين الذي فرضته الظروف السياسية المعـقـدة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في الوطن المحتل ، إلا أنـه ـ في تـقـديري ـ لا يحل الخلافات العميقـة بينهما، ويـحـدّ من قـدرة الحكومـة على تحقيق الآمال الكبيرة التي يعلقها الفلسطينيون عليها.

نعرف جميعـا أن هـمـوم المواطن الفلسطيني تـبـدأ من حرصـه على تأمين لـقـمـة الخبز والعيش الكريم لأسرتـه ، ولا تنتهي بحـقـه في العيش بأمان ، وحق أطفـالـه في التعـليم والصحـة ، كـمـا أن مشاكله الاقـتـصـادية لا تقتصر على مواجهة الفقر والبطالة، وآمـالـه ـ بعـد 40 عـامـا من الاحتلال الإسرائيلي ـ لا تتوقف عـنـد المطالبـة بإطلاق سراح الأسرى، بل بالعمل على إنهاء الاحتلال قبل أن تستكمل إسرائيل مخططاتها الرامية لتهويد ما تبقى من فلسطين.

لـقـد قرأت برنامج الحكومة غير مرة ـ ولفت انتباهي أن هـذا البرنامج لم يـتضمن أية إشارة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقـلة ، وإنما اكتفى بالإشارة إلى "إنهاء الاحتلال"
أخي الكريم ،

لا يكـاد يمضي يوم واحـد دون أن يـُـتـحـفـنا إيـهـود أولمرت أو وزيرة خارجيته بتصريح بالإعلان عن استعـداد إسرائيل لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، واضعاً جملة من الشروط على رأسها "إسقاط حق العـودة " للاجئين الفلسطينيين (الذي أقـرته الجـمعيـة العـامة للأمـم المتحـدة في القرار 194 ) مع الاحتفاظ بالقدس المحتلة "عاصمة أبدية" للـدولة اليهـودية ، وكذلك بقاء المستوطنات ، كما ورد في رسالة جورج بوش الى رئيس الوزراء السابق ارئيل شارون، في إطار حل نهائي للقضية الفلسطينية يستهدف "إقامة دولة فلسطينية " منقوصة السيادة على أساس “خريطة الطريق”...
مـنـذ 59 عــامـا كانت "الدولة الفلسطينية" ، حلمـا يراود مخـيـلـة الشعب الفـلسطيني ومازال؛ ولكن ما هي الدولة الفلسطينية التي يقبل بها الفلسطينيون ، بسبب الفارق بين ما نريد، وما يمكن أن يتحقق لنا ، حسب الإمكانيات والمعطيات والمتغيرات العربية والدولية!؟‏ وما هي الأهداف التي تنشدها دولة يـقبل بها عشـرة ملايين فلسطيني ، ويقبلون عليها في وضع انتقالي وصولاً إلى وضع نهائي مقبول وإنجاز أهداف استراتيجية!؟‏

أريد أن أوضح ، بداية ، أنني كنت ـ ومازلت ـ من القائلين بإقامة دولة فلسطينية مستقلـة ذات سـيادة ولو على كيلومتر مربع من الأرض الفلسطينية المحررة، لنـتابع في ظلها موضوع التحرير، دولة ذات مرجعية نضالية وأهداف وطنية واضـحـة .‏
هناك عدة مرجعيات يمكن الإشارة إليها عـنـد الحـديث عن إقـامـة دولة فلسطينية مسـتقـلـة ، ومن أهـم تلك المرجعيات :
قرار الجمعية العامة للأمم المتحـدة رقم 181 لعام 1947 المعروف بقرار التقسيم، الذي كان مرجعـية شكلية للمنظمة الصهيونيـة العـالميـة لإقامة دولـة إسرائيل إلى جانب دولة فلسطينية...وهـو القرار الذي رفـضـتـه الـدول العربيـة في ظروف سياسية وتاريخية معروفـة .

وكان رفض العرب لقـرار التقسـيم آنذاك قرارا منطقياً ، لأنه رفض قـائـم على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في وطنـه فلسطين، وعلى عـدم أحقية الدولة التي تتمتع بالانـتـداب (بريطانيا) بالتصرف بحقوق الشعب والدولة الموضوعة تحت الانـتـداب ولا بأرضها، ولأنه بني أيضاً على البعـد القومي للقضية الفلسطينية كمرجعـية للقرار ...

ولأسباب عـديدة لم يتمكن الفلسطينيون من إقـامة دولتهـم المسـتقلـة وفـقـا لقرار التقسـيم ، وهو القرار الذي ترفضه إسرائيل ويؤكد إيـهـود أولمرت رفضه له ، تشاطره في ذلك كافـة الأحـزاب الإسرائيلية من اليمين إلى اليسار؛ ولا يريد أي منهم أن يُذكر القرار باعـتبـاره مرجعية سياسية وقـانونيـة من أي نوع ، لأنهم يرون أن ذلك القرار الذي رفضه العرب، "نقضته حروب وأسقطته مرجعيات أخرى"، ويؤكد الزعمـاء الإسرائيليون هذا القول في كل مناسبة .‏

ولكن القرار الآنف الـذكر لم يسقط من مرجعية الأمم المتحدة بوصفها مرجعية دولية - بلا أنياب ولا أظـافر- بل أخذت تضعـفه اليوم مزاحمات مرجعيات أخرى تطغى على المرجعية الدولية في هذا المجال، ومنها ، على سبيل المثـال لا الحصر ، مرجعية مؤتمر مدريد، ومرجعـية "خـارطـة الطريق" التي قـدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي يعـتقـد الكثير من الزعمـاء العرب أن "99%" من أوراق حل القضية الفلسطينية في يـدهـا...
في خطـابـه أمـام المجلس التشريعي الفلسطيني قال الرئيس محمود أنـه مسـتعـد للعـودة الى المفاوضـات "بـدون أي شروط" لإقامة "دولة فلسطينية" على أرضيـة "خـارطـة الطريق" ، بوصفها المرجعية التي تباركها الولايات المتحدة الأمـريكية؛ وهي عـنده تجبُّ مـا قبلـهـا من المرجعيات الأخرى.‏

أما المرجعية النضالية فلـم يذكرها محمـود عباس... كـمـا أن موضوع إقامة الدولة الفلسطينية المطروح حالياً لم يـتـأسس على مرجعية نضالية يكون هدف الدولة فيها تحرير الوطن، وانتزاع السيادة الكاملـة Total sovereignty على أراضيـه، وإنما يقوم على مرجعية تعتمد القبول بما يمكن أن"يُنتزَع" من العدو المحتل لأرض الوطن من مساحات تشغـلها "تجمعات بشرية" من الشعب الفلسطيني لممارسة السلطة عليها انطلاقاً من اتفاقية أوسلو التي لم تمنح سيادة على الأرض وإنما تركت الأمور لما يتم الاتفاق عليه بين العـدو الإسرائيلي وسلطة الحكم الذاتي، التي لا تملك أصلاً أية قـدرة تجعل مفاوضاتها تستند إلى أي نوع من التوازن؛ ومن ثم فإن كل مـا فعـلتـه هـذه السلطة العـتـيـدة هو تقديم التنازل تلو التنازل بما يرضي العـدو الذي لا نهاية لأطماعه.‏

غني عن البيـان أن المرجعية النضالية مفقودة، وقد غابت (أو ـ بالأحرى ـ غـُيّبت) بحكم غـلبة مرجعية أوسلو عليها، واتـفـاقيـة أوسلو هي التي أسفرت عن إعلان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بالعـدو الصهيوني، وبحقوق السيادة له على الأرض، والقـبـول بكل ما يسفر عنه الاتفاق الذي تقود إليه مفاوضات معه تقوم على أسس لا يوجد فيها أدنى درجة من درجات التكافؤ والتوازن: سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

وعليه فإن كل ما يتعلق بإعلان قيـام الدولة الفلسطينية، الذي تم في الجزائر في تشرين الثاني عـام 1988 ، استناداً إلى مرجعية نضالية يحكمها "الميثاق الوطني الفلسطيني" وأهدافه، التي يأتي في مقـدمتـهـا تحرير فلسطين، قد تم تغييبه والقفز فوقه، وكأنه لم يكن أصلاً.

ولم تعد العلاقات الدبلوماسية التي أقامتها "منظمة التحريرالفلسطينية" مع أربعـة وثمانين دولة في كافـة أرجـاء العالم ، لتساوي شيئاً على الصعيد الرسمي.‏ فـ "الدولة" التي لا يـمـل عباس من الـحـديث عنها لا تستند، ولو شكلياً، إلى القرار 181 ولا إلى مرجعية مـؤتمر مدريد، ولا إلى المرجعية النضالية، لأن" اتفـاقيـة أوسلو" تجاوزت كلاً منها بإقراره علناً بذلك وانطلاقه عملياً وواقعياً منه. وعلى هذا الأساس فإن النظر إلى"دولة سلطة الحكم الذاتي" يحتاج إلى وقفة متروية عند بعض المعطيات والتساؤلات :‏ ما هي جغرافيتها وحدودها وأطرها ومقوماتها؟!‏

أولاً: هذه"الدولة" بلا حدود مع دول الجوار العربية، وتحيط بها إسرائيل من كل جانب، ولا يسمح بالخروج منها أو بالدخول إليها إلاّ بـعـد الحصول على موافـقـتهـا المسـبقـة، ومن المنافذ التي تحددها وتنشئ لها سلطة فيها. وقـد أعلنت إسرائيل غير مرة أنها تملك السيادة على الأرض، وتمنح سلطة الحكم الذاتي "الإشراف على شؤون السكان"، وتخولها بتقديم الخدمات لهم. كما أن إسرائيل تتولى "الإشراف الكامل" على أمن الحدود التي تحددها بنهر الأردن شرقاً ، والحدود الدولية مع مصر ولبنان وسورية، ولا تسمح بتجاوز ذلك.‏

أمـا من الداخل فان هـذه "الدولـة" ممزقة ومخترقة بالعشرات من المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية ، أو بطرق التفافية يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويستـخـدمهـا المستوطنون الإسرائيليون ، وتوجد في كل منطقة استراتيجية، وهضبة مواقع للعدو، تجعل كل ما هو قريب منها بحكم الساقط في قبضتها عسكرياً.‏

أما بالنسبة للـقـدرة الاقتصـادية على البـقـاء Economic Viability للدولـة العـتيـدة فـان الموارد الطبيعية ، والمقومات الرئيسة للعيش والتنمية، وفي مقـدمتـهـا مصـادر المياه والثروات الطبيعية فهي تحت سيطرة العـدو الإسرائيلي وبتصرفه التام... كمـا أن قوة العمل الفلسطيني رهن بقبوله لاستخدامها.

ولا يحتاج المرء إلى ذكـاء خـارق ، أو عـبـقـريـة فـذة ، ليـدرك أن الرئيس يتـحـدث عـن "دولـة" هي أقرب ما تكون إلى "حـاضرة الفاتيكـان" منهـا إلى دولـة فلسطينية مستقلـة ذات سيادة كاملـة على أراضيهـا ومواردهـا الطبيعيـة والبشريـة ...
إنَّ الـ "دولة" التي يتحـدث عـنهـا محمـود عباس هي بلا سلطة روحية من أي نوع، وبلا سلطة سياسية وسيادية أيضاً، وبلا قداسة حتماً، فسلطة عـباس لا تتمتع بأية مرجعية دينية ، ولا تزعم أنها تملك ذلك أو تتطلع إليه، وقد فقدت الشرعية النضالية، وتخلت عنها يوم وقـعت اتفاقيـة أوسلو واتخذتها مرجعيتها النهائية. وكما أن الدخول إلى الفـاتيكان لا يـتـم إلا عبر أبواب‏ روما، فـان الـدخول إلى "فاتيكان" عباس لن يـتـم إلا عبر أبواب "أورشـليـم :العاصمة الأبـدية للشعب اليهودي" حصراً.‏
أما الكلام عن مؤسسات الدولة، فهو كلام منفوخ، أو يقصد منه الانتفاخ (أو ـ كما يقول الأخـوة السـوريون ـ "ضـارب حـالـه بحـجـر كبير" )!، لأنها مؤسسات حكم ذاتي محدود لها أن تعيش "وهم" الدولة. فـالدولة أساساً سيادة وقوة تحمي تلك السيادة.
من نـافلـة القـول أن القوات المسـلحـة (جيش ، شرطـة ، وحرس حـدود) في أي بلـد في العـالم هي مصدر كل قوة للـدفاع عن أمن البلـد وسلامة مواطنيـه. إنَّ أفراد شرطة الحكم الذاتي لا يملكون الحق في حمل سلاحهم الفردي إلاّ بموافقة الجيش الإسرائيلي ، الذي يرافقهم في دورياتهم ، التي تهدف إلى حماية أمن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين من الشعب الفلسطيني أكثر مما تهدف إلى حماية الشعب الفلسطيني ذاته.‏

وهؤلاء الشرطة لا تتوافر للموجودين منهم في مدينـة الخليل إلاّ بندقية لكل شرطيين، توضع في المراكز فقط؛ فإنهم بهذه الصفة والإمكانيات والقيود لا يشكلون قوة تحمي سيادة ، فضلاً عن أن مرجعية اتفـاقيـة أوسلو لا تسمح أصلاً بإنشاء جيش، وتكوين قوة من أي نوع.‏
إنَّ دولة لا تملـك السيطرة الفعلية على الأرض، وبلا أي شكل من أشـكال السيادة ، وبلا قـوات مسـلحـة تحمي السيادة أو تؤسس لها، وتسيطر على أمن مـعـابرهـا البرية والبحريـة والجـويـة قوات الاحتلال الاسرائيلي، هي "عـهـن منـفـوش" ... قد تزهـو ألوانه في ضوء الشمس إذا مـا نـُشر، ولكنه لا يشكل أكثر من رغـوة ضوئية قد تعجب الناظرين!.‏

ثانياً: إن من حق شعبنا الفلسطيني أن يقيم دولته المستقلـة، وأن يسعى إلى تكوين مؤسساتها، ويعمل من أجل تقويتها، ويؤسس من خلالها لوجود ذي أهداف ورؤية.‏ فهل هذه "الدولة" هي لعشـرة ملايين فلسطيني أم لجزء منهم؟!‏
بـعـبـارة أكثر وضـوحـا ، هل تستطيع أن تمنح هـذه "الدولة" حق المواطنة لكل فلسطيني وتتيح له ممارسة ذلك الحق بحرية واحترام، وتمكـنه من دخول أرض الوطن والإقامة فيها ، أم أنها لا تستطيع أن تمنح هذا الحق أصلاً إلا لمن توافق"إسرائيل" على منحه إياه ؟!‏

إن الـ "دولة" التي يتحـدث عنها عباس ليست دولة الفلسطينيين جميعاً، وإنما هي دولة من شملتهم اتفاقية أوسلو بالنص، وعليه فإن خمسة ملايين فلسطيني في دول الشتات (يشكلون نصف الشعب الفلسطيني) محرومون من حقوق المواطنة، ومن حق العـودة، ومن وطنهم. ولا يمكن لمثل هذه "الدولة" إلا أن تقوم بمهام أمنية لمصلحة العدو، وبمهام خدمية نيابة عنه .‏
كمـا أنـهـا تكرس الاعتراف بـ "حق" الحركة الصهيونية فيما اغتصبته من فلسطين، وبـ "حق" إسرائيل في السيادة الفعلية على أرض فلسطين التاريخية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط؛ ومقاومة كل فلسطيني يقول بتحرير فلسطين؛ لأنه إنما يمارس "إرهاباً" حسب المفهوم الإسرائيلي للإرهاب ، ويهدد "سلاماً" قامت بموجبه "دولة الحكم الذاتي"، ويعمل على سحب السـجادة الحـمراء العزيزة على نفس "الرئيس" في جولاته الكثيرة التي تشكل له "وهماً" رئاسياً على حساب آمال شعبه في العودة وإقـامة الدولـة المستقلة .

كمـا أن إقـامـة مثل هـذه الـدولـة يفتح الباب أمـام تسويق العـدو الصهيوني عربياً ودولياً، بوصفه "صانع سلام" وتـمـكـنـه من إقامة جسور تواصل مع العـالم العربي، وتحقق مصالحه وتحميها؛ بنوع من المباركة والضغط الفلسطيني أحياناً. ومن الجـدير بالـذكر أن اقـامـة عـلاقات بين قـطر وإسرائيل كان بتشجيع وضـغـط من رموز السلطة الفلسطينية ..‏
وبـنـاء على ما سبق ذكره ، واستناداً إلى مرجعـيتها، والرضا الأمريكي الذي تنشده ، وتعـلي شأنه فوق كل مصلحة وشأن، فإن كل ادعاء من قبلها بأنها تشكل "خطوة على طريق التحرير" هو تسويغ لا يملك مصداقية، ولا يقوم على أسس ، ولا يستند إلى معطيات واقعية وحقيقية يمكن أن تصمد للامتحان.‏

أخي الكريم ؛

لا يسـاورني أدنى شك في مصـداقية حركة المقـاومـة الإسلامية (حمـاس) ، وسلامة توجهها النضالي، وإخلاصها في الجهاد من أجل تحرير فلسطين... ولا أزعـم أنني على درايـة بمـا يفكر فيـه قـادة الحركة ، فـ "أهل مكة أدرى بشعابها" ، وأهل مكة يتباينون في درجة الدراية بشعابها، وفي كيفية سلوك تلك الشعاب.‏

لا أغـالي إذا قـلت أنـه ليس ثـمـة فلسطيني لا يرغب في إقـامـة دولـة فلسطينية مستقلـة على أرضية المرجعية النضالية و"الميثاق الوطني الفلسطيني"، و"حـق العـودة" وتقرير المصير...

إن آخر ما يـتـوقـعـه شعبنا هو قيـام دولـة مسـخ ، تعمـل على قمع الشعب الفلسطيني في الداخل، وتحقيق ما عجزت"إسرائيل" عن تحقيقه ، ومشاركة العـدو في ملاحقة مناضليه ، وإقصاء الشعب الفلسطيني في دول الشتات عن قضيته بمحاولة انتزاع المرجعية منه، وتشويه تلك المرجعية بتزويرها وتقـزيمها وإلحاقها بالعـدو تابعة ذليلة، راضية بما يمنّ به عليها من فتات...
سيحـاول البعض"تـزييـن" مثل هذا الدولة المسـخ ، وتقـديمـهـا لشعبنا الفلسطيني على أنهـا "انتصار تاريخي" تم انتزاعه من بين أنياب الوحش الإسرائيلي بقوة "جبارة" ذات "مهارة عاليـة" و"شطارة لا تـجـارى" و "فـهـلـوة" بامـتيـاز!!‏
إن كل ما يقوم بـه العـدو من مناورات مكشوفـة ينبغي ألاّ يترك إحباطاً من أي نوع في نفوسنا، بل ينبغي أن يدفعنا إلى مزيد من النضـال، والإيمان بحق شعبنا في الحياة الحرة الكريمـة .‏

وبـعــد ؛

إن شعبنا الفلسطيني ( "جمل المحامل" ، والعين التي تلاطم المخرز، والكف التي تلطم السيف) شعب صبور، طويل النفس، واثق الخطى ، مديد النظر‏... وهو لا يريد من "الأشقاء العرب" معـلقات مديح ، ولكنه فقط يود لو تكف خناجرهم عن طعـنه في الظهر..‏

في الأسطورة الكنعانية القديمة ، يحترق طائر العنقاء ويستحيل رماداً، ومن رماده ينبعث ‏من جديد... وفي أرض كنعان، اليوم، نسل لشعـب يتجدّد في النار، ولا يرضى بأقـل من حريـتـه‏.