النهار

يتصاعد الجدل الروسي - الإيراني المستمر منذ أسابيع، ولا رواية واضحة عن حقيقة ما يحصل بين الجانبين، فهناك تقارير صحافية ومسؤولون اميركيون وأوروبيون يقولون إن روسيا تسحب خبراءها من محطة بوشهر. وفي المقابل، ينفي أكثر من مسؤول روسي تسييس القضية أو تحذير طهران من عدم تسليمها الوقود النووي لعدم تعاونها مع المجتمع الدولي، بينما يصف التلفزيون الإيراني الرسمي روسيا بأنها "شريك لا يعتمد عليه".
وكانت صحيفة "النيويورك تايمس" نسبت الى مسؤولين أميركيين وإيرانيين ان موسكو أبلغت إلى طهران انها لن تزود محطة بوشهر الكهروذرية بالوقود النووي ما لم توقف طهران تخصيب الأورانيوم التزاماً لقرارات مجلس الأمن.
وأوضحت أن الإنذار سلمه أمين مجلس الأمن القومي الروسي ايغور ايفانوف الى نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي حسيني تاش، بما يعكس إحباط موسكو من رفض طهران وقف تخصيب الأورانيوم في منشأة ناتانز النووية.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: "لسنا متأكدين من الدوافع السياسية والتجارية هنا، ولكن من الواضح ان الروس والإيرانيين يضغطون بعضهم على أعصاب البعض، وهذا ليس سيئا اطلاقا". ورأى مسؤول أوروبي كبير ان "هذا قرار مهم جداً من الروس. انه يظهر ان خلافنا معهم على أخطار البرنامج النووي الإيراني كان تكتيكياً. الروس لا يريدون ايران نووية". واعتبر آخر ان روسيا تحاول القول لإيران :"لن نسلمكم الوقود النووي قبل التزامكم قرار مجلس الأمن" 1737.
وكذلك ثمة معلومات عن أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أطلع بعض المسؤولين الأوروبيين الشهر الماضي على اتخاذ بلاده قراراً سياسياً بعدم تسليم الوقود النووي الى إيران، مبرراً بذلك بأن السبب مالي. ونسب تقرير "النيويورك تايمس" الى ديبلوماسي أوروبي ومسؤول اميركي في فيينا إن عدداً كبيراً من التقنيين والمهندسين والخبراء الروس غادروا بوشهر إلى بلادهم الأسبوع الماضي، بالتزامن مع فشل المسؤولين الروس والإيرانيين في تسوية الخلافات المالية في شأن إكمال بناء المحطة. واشار المسؤول الاميركي إلى أن "عدداً كبيراً منهم سافر أخيراً"، بينما أفاد الديبلوماسي الأوروبي إنهم عادوا إلى موسكو الأسبوع الماضي. كذلك أعلن الناطق باسم الوكالة الروسية للطاقة الذرية "روزاتوم" سيرغي نوفيكوف تدني عدد العاملين الروس في بوشهر نتيجة التأخير الإيراني في دفع المستحقات المالية، غير أن شركة "اتوم ستروي اكسبورت" التي تتولى مشروع بناء المحطة لم تؤكد سحب الخبراء.
وأُنجز العمل في المحطة بنسبة 95 في المئة، لكن روسيا تقول إن عدم دفع إيران المتوجبات المالية عليها منذ كانون الثاني ألحق أضراراً لا يمكن إصلاحها بالمشروع.

موسكو تنفي...

وفي نيويورك، صرح المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة السفير فيتالي تشوركين ان روسيا لم توجه اي تحذير الى ايران لرفضها وقف تخصيب الأورانيوم. وقال: "في وسعي القول ان المقالة (النيويورك تايمس) ليست صحيحة، وان أي تحذير روسي من اي نوع لم يوجه الى ايران. لا نزال نعتبر مشروع بوشهر خارج نطاق" قرارات مجلس الامن التي تفرض عقوبات. وأضاف :"لا نزال ننسق في اطار الدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) على قاعدة استراتيجيتنا المشتركة ولا نزال نأمل ان تستجيب طهران للعرض السخي الذي قدمته الدول الست ونواصل العمل في مشروع بوشهر الذي يشكل مشروعاً اقتصادياً لا علاقة له بقرارات مجلس الأمن، ولا نربطه بما يجري هنا في نيويورك". وسئل هل تحدثت بلاده إلى ايران عن تعليق تخصيب الأورانيوم، فأجاب ان "هذه ليست مسألة نتحدث فيها معهم"، ولكن "لدينا بعض أسباب القلق بالنسبة إلى البرنامج النووي، ونحن نتحدث بصراحة وانفتاح عنها معهم".
وأصدر مجلس الأمن القومي الروسي بياناً نفى فيه تقديم أي نوع من الإنذار الى إيران ووجود رابط بين حل المشكلة النووية وإكمال بناء محطة بوشهر. وفي وقت لاحق، استدعي السفير الايراني في موسكو إلى وزارة الخارجية الروسية حيث اكد له نائب لوزير الخارجية ان الخلاف مالي وليس سياسياً، وأن "لا داعي لأي تسييس غير مفيد".
في غضون ذلك، علق الوفد الروسي مفاوضاته المتعلقة بالخلاف المالي بشأن بوشهر في طهران وعاد الى موسكو بسبب بدء احتفالات السنه الايرانية الجديدة "النوروز".

... وطهران

وفي طهران، نفى علي حسيني تاش تلقيه أي إنذار من إيفانوف، موضحاً أن "العكس تماماً حصل، لقد جهد ايفانوف لاقناعنا بأن موضوع محطة بوشهر لا علاقة له بالمسألة النووية".
لكن التلفزيون الايراني شن حملة على روسيا، منتقداَ "المعايير المزدوجة التي تتبعها في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والتي تظهر أن الروس ليسوا شريكاً يعول عليه في حقل التعاون النووي". وأضاف تقرير التلفزيون انه "من غير الواضح ما إذا كانت روسيا أوقفت أعمال البناء في هذه المحطة تحت الضغط ولأسباب سياسية". وأشار إلى ان "ايران تحاول الانضمام في السنوات المقبلة إلى بلدان تملك التكنولوجيا المطلوبة لبناء مفاعلات نووية".
وهذه المرة الأولى ينضم التلفزيون الايراني إلى انتقادات وجهها أعضاء في مجلس الشورى الى روسيا.

مجلس الأمن

وعشية جلسة في مجلس الأمن لمناقشة مشروع القرار الجديد المتعلق بإيران، تتحرك جنوب افريقيا التي تتولى رئاسة مجلس الأمن هذا الشهر لإسقاط النقاط الرئيسية في مسودة القرار، وقد دعت إلى تعليق العقوبات 90 يوماً حتى يمكن معاودة جولة اخرى من المفاوضات السياسية مع طهران، وذلك في تبن لاقتراح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بتعليق متزامن للعقوبات والتخصيب.
وقال المندوب الافريقي لدى الأمم المتحدة دوميساني كومالو: "نحن نفعل ما يجب ان يفعله الاعضاء المنتخبون في مجلس الامن"، ذلك ان المسودة "ليست مرسلة من عند الله". كما ان "من الضروري عدم التسرع في تبني عقوبات عندما يكون ممكناً سلوك طرق اخرى لحل مشكلة ما بطريقة سلمية". وتتجاوز مسودة القرار الجديد المجال النووي باستهداف صادرات ايران من الاسلحة التقليدية إلى الخارج لجماعات مثل "حزب الله" في لبنان.
وفي برلين، أُعلن ان المستشارة الألمانية انغيلا ميركل تحدثت مع رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو الاثنين واتفقا على الحاجة الى موافقة سريعة على مسودة القرار. وأبدت إيطاليا استعدادها لالتزام العقوبات الجديدة على ايران.
وتمكن مفتشون تابعون للوكالة من تفقد منشأة ناتانز، ولم يعرف ما إذا كان الخلاف سوي في ما يتعلق بالجانب الواقع تحت الأرض.