لا خلاف على أن الحركة الوطنية الفلسطينية قد حققت انجازاً كبيراً بنجاحها في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مع أنه لم يكن هناك ثمة مسوغات موضوعية تستدعي التسويف والمماطلة التي حالت دون إنجاز هذا الهدف في وقت سابق. ولا شك في أن أهم مساهمة لتشكيل حكومة الوحدة تكمن في أنها منعت انزلاق المجتمع الفلسطيني نحو أتون الحرب الأهلية التي خيم شبحها على الضفة الغربية وقطاع غزة قبل اتفاق مكة، والتي كان نشوبها سيؤذن بتراجع القضية الوطنية الفلسطينية الى المربع الأول. ومع كل ذلك، فأن كل من يحاول جس نبض رجل الشارع الفلسطيني في هذه الأيام، فأنه يلمس لديه خوف من إمكانية فشل تجربة حكومة الوحدة وعجزها عن تحقيق طموحات الجمهور الفلسطيني، والعودة الى الأيام التي سبقت التوصل لاتفاق مكة. وللأسف الشديد فأن ما يعزز هذه المخاوف هي بعض مظاهر الأداء السياسي من قبل بعض الفرقاء في الساحة الفلسطينية التي لا توحي أنه قد تم استخلاص العبر المطلوبة من التجربة المريرة التي عاشها الفلسطينيون قبل التوصل لاتفاق مكة. من هنا، فأن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية مطالبة بمعالجة العديد من الملفات الهامة، وذلك لضمان تحقيق الرهانات على هذه الحكومة.

أولاً: يتوجب على الحكومة الجديدة أن تواصل الجهود لتكريس وتعميق مظاهر المصالحة الوطنية في الساحة الفلسطينية، سيما بين عناصر حركتي حماس وفتح؛ وذلك عبر العمل على التخلص من رواسب الماضي القاسية، مع كل ما يتطلبه ذلك من استعداد لدى الحكومة الجديدة لبذل كل جهد ولتجنيد كل امكانياتها من أجل انهاء هذا الملف. وفي هذا السياق يتوجب على الحكومة أن ترعى المصالحة ليس بين حماس وفتح فقط، بل وبين عائلات أعضاء هذين التنظيمين التي تضررت في الأحداث المؤسفة الأخيرة. فمع كل أسف أن جميع عمليات القتل التي وقعت بعد التوقيع على اتفاق مكة قامت بها عائلات ثأراً لإبنائها الذين قتلوا في الأحداث. صحيح أن هناك شكوك حول قيام جهات سياسية بتشجيع هذه العائلات على ذلك، لكن الإصلاح بين هذه العائلات، سيقطع الطريق على كل من يحاول الإصطياد في الماء العكر. ونظراً لأهمية هذا الملف، فأنه لن يكون من الخطأ أن تبادر الحكومة للمطالبة بمساعدات مالية من الدول العربية لدفع الدية لكل فلسطيني قتل في الأحداث. وعلى الصعيد التنظيمي يتوجب محاصرة وتعرية كل شخص يحاول استغلال موقعه في أي تنظيم فلسطيني من أجل التحريض على العودة الى مسلسل الدماء، وللأسف أن هناك من لم يرق له اتفاق مكة الذي حقن دماء الفلسطينيين.

ثانياً: على الحكومة أن تضع على رأس أولوياتها محاربة الفلتان الأمني عبر معالجة جذوره، والقضاء على البيئة التي تسمح بتواصله على هذا النحو المفزع، والذي بات يهدد بنية المجتمع الفلسطيني ومستقبل القضية. ولعل أهم متطلب سابق لإنجاز هذا الهدف هو أن تصل الفصائل الفلسطينية سواء المشاركة في الحكومة أو تلك التي خارجها الى قناعة راسخة بوجوب وضع حد لهذا السرطان الأمني والمجتمعي الخطير. وعلى الفصائل الفلسطينية أن تعلن بشكل واضح وصريح بأنها ستقوم برفع الغطاء التنظيمي عن كل عنصر من عناصرها يتجاوز القانون ويساهم في الفلتان الأمني. من ناحية ثانية يتوجب على الرئيس ابو مازن أن يقدم على الخطوة التي لا بد منها، وهي منح الحكومة الجديدة الحق في الإشراف على جميع الأجهزة الأمنية الفلسطينية بدون استثناء كما ينص على ذلك القانون الأساسي الفلسطيني وذلك من أجل تمكين الحكومة من إستخدام هذه الأجهزة في مواجهة هذا الفلتان. وعلى ابو مازن والحكومة أن يعملا على تحقيق بنود اتفاق مكة التي نصت على اعادة صياغة وبناء الأجهزة الأمنية بحيث تتم اعادة تشكيل هذه الأجهزة على أسس وطنية ومهنية، وليس على أسس تنظيمية، كما هو حاصل حالياً.

من ناحية ثانية،فأنه يتوجب أن يساهم قرار الرئيس ابو مازن باعادة تشكيل مجلس الأمن القومي في تحقيق هذه الهدف، وعلى ابو مازن أن يحرص على ألا يكون الهدف من هذا القرار هو العمل على مراعاة التوازنات السياسية في الساحة الفلسطينية. ومن نافلة القول أنه يتوجب قبل ذلك تطبيق القانون بكل قوة وحزم على الجميع وبدون محاباة ومراعاة لأحد.

ثالثاً: يتوجب على الحكومة أن تواصل حملتها الدبلوماسية والسياسية من أجل شرح اتفاق مكة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية، وذلك من أجل مواجهة الحملات الدعائية الإسرائيلية الهادفة الى اقناع دول العالم بمواصلة محاصرة الشعب الفلسطيني ومقاطعة حكومته. على رئيس الوزراء اسماعيل هنية وكبار وزرائه والناطقين باسم حكومته أن يجيدوا فن تسويق حكومتهم، وعليهم ألا يترددوا في عرض مواقف سياسية مرنة من ناحية ظاهرية، لأنه لا يوجد في إسرائيل من هو مستعد للتعاطي سياسياً مع أي طرف فلسطيني، وبالتالي يمكن للفلسطينيين تحميل إسرائيل المسؤولية عن الجمود في العملية السياسية. وهذا بكل تأكيد سيعمل على احداث مزيد من التصدعات والتشققات في جدار المقاطعة للحكومة الجديدة، وسيؤدي الى انهيار المقاطعة الظالمة على الشعب الفلسطيني. من ناحية ثانية على حكومة الوحدة والفصائل المشاركة فيها أن تحرص على اقناع الدول العربية، بعدم ابداء أي قدر من الاستعداد لتغيير أي بند من بنود المبادرة العربية كما تطالب إسرائيل وأمريكا. ففي حال وافقت الدول العربية على ادخال مثل هذا التغيير، فأن هذا يعني نقل الكرة مجدداً للساحة الفلسطينية وإعادة زمام المبادرة لإسرائيل، وهذا بالضرورة سيفرض مزيداً من القيود على الحكومة الجديدة، وقد يؤدي الى تفسخها بسبب الخلافات التي ستتفجر بين مركباتها المختلفة.

رابعاً: وواضح تماماً أن الفصائل الفلسطينية مطالبة بوضع استراتيجية جديدة للمقاومة ضد الاحتلال تراعي منع اسرائيل من استغلال عمليات المقاومة في تبرير إجراءاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. وضمن هذه الاستراتيجية يتوجب اخضاع عمليات المقاومة لعامل الزمان والمكان. فمثلاً يتوجب على حركات المقاومة تكثيف عمليات المقاومة في الضفة الغربية، لأن مثل هذه العمليات ستؤدي الى زعزعة الاجماع الصهيوني، ومن ناحية ثانية لا يستطيع أي طرف دولي لوم الفلسطينيين على ذلك.