الاتحاد

تقييم للاتحاد الأوروبي في ذكراه الخمسين... وباكستان ركيزة للاستقرار العالمي

طغت على الصحف البريطانية، الصادرة هذا الأسبوع، عدة قضايا وموضوعات، اخترنا منها التغطية الواسعة للذكرى الخمسين لإنشاء الاتحاد الأوروبي، وفرنسا ما بعد شيراك، وأهمية باكستان بالنسبة للاستقرار العالمي، ثم أخيراً الاستراتيجية البريطانية البديلة إزاء العراق والشرق الأوسط.

الاتحاد الأوروبي في ذكراه الخمسين:

إذ يحتفل الاتحاد الأوروبي بالذكرى الخمسين لإنشائه في عطلة نهاية الأسبوع الحالي، فإنه يصعب جداً القول بخلو هذه التجربة من الكثير من الهنات ومواضع الضعف والزلل. فهناك تباعد مؤسساته ومظاهر الضعف الإداري داخله، وهناك المتاهات والتعقيدات البيروقراطية التي تعتريه، إضافة إلى ما يتردد بين الفينة والأخرى، من تعليقات عن نقص الممارسة الديمقراطية فيه. ولكل هذه العوامل مجتمعة –على حد تعليق صحيفة "ذي إندبندنت" في مقالها الافتتاحي ليوم أمس الحادي والعشرين من مارس- فإن هناك ما يبرر الدعوة إلى إعادة هيكلة الاتحاد وتعزيز وحدة مؤسساته وهياكله. غير أن الانتقادات الموجهة إلى هذه التجربة، لا تقلل مطلقاً من فرادتها أو عظمة إنجازها السياسي. فبفضلها أصبح ممكناً لمواطني الاتحاد، السفر والتنقل أينما شاءوا بين دوله، دون قيود أو تأشيرات دخول وخروج. وهناك ترتيبات أمنية تربط بين 15 دولة من دول الاتحاد، إضافة إلى 13 من دوله، تجمع بينها عملة موحدة الآن. وعلى رغم مظاهر الضعف الداخلي البادية، فإن الذكرى الخمسين هذه لتأسيس الاتحاد، لم تأتِ إلا بعد أن حقق فيها الاتحاد الأوروبي، مستوى من الوحدة والتماسك الأوروبيين، فاقا توقعات الكثيرين، وتحول بفضلهما الاتحاد إلى مثال عالمي يُحتذى ويعتد به على نطاق العالم كله. والنظر إلى الاتحاد الأوروبي من داخله، قد يكشف مظاهر الضعف الذاتي التي يعانيها، غير أن هذه المظاهر، يجب ألا تصرف النظر عما هو إيجابي فيه. وليس أدل على إيجابية تجربة الاتحاد الأوروبي هذه، من ذلك الصف الطويل من الدول التي تتدافع من أجل نيل عضويته والانضمام إليه.

فرنسا ما بعد شيراك:

في إحدى مقالاتها التحليلية بتاريخ 15 مارس، قالت مجلة "ذي إيكونوميست" إن جاك شيراك قد أعلن عن اعتزاله للنشاط السياسي، الذي كان قد بدأه بدخول البرلمان الفرنسي، منذ أن كان توني بلير لم يزل طالباً في المدرسة. وكان شيراك قد تولى منصب رئاسة الوزراء لأول مرة منذ 33 عاماً. وإلى جانب ثراء التجربة السياسية الطويلة لشيراك، فقد عرفت عنه شخصيته الساخرة المرحة. فما من شيء أحب لشيراك من أن يثير عدوى الضحك في غرفة مليئة بالمؤيدين والناخبين. كما تعرف عن شيراك كذلك، جرأته السياسية، وعدم تحرجه من الحديث الصريح عن عنصرية بلاده في مرحلة ما من مراحل تاريخها، بما فيه مشاركتها في عمليات ترحيل لليهود ذات يوم إلى ألمانيا النازية. وتشمل هذه الجرأة كذلك، مساندة فرنسا القوية لسعي تركيا للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. أما خيبة الأمل التي منيت بها سياسات حكومته، طوال دوراتها الثلاث الماضية، فهذه أصبحت مسألة متروك تقييمها للتاريخ، بينما يترك تقويمها لسياسات الحكومة الفرنسية الجديدة المرتقبة. ومهما يكن، فإن المؤكد أن تغييرات كبيرة وجوهرية سوف تطرأ على تلك السياسات، سواء على الصعيد المحلي الداخلي، أم على مستوى السياسات الخارجية.

باكستان ركيزة للاستقرار العالمي:

هذا هو ما ذهب إليه الكاتب "دنيس ماكشين"، في مقاله التحليلي الذي نشرته صحيفة "ذي أوبزيرفر" في عددها ليوم 18 مارس الجاري. وقال الكاتب إن باكستان أصبحت في أمسِّ الحاجة الآن، وهي تتأهب للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيسها، إلى مستقبل سياسي أقل اعتماداً على الجيش وعلى واشنطن، وعلى السطوة السياسية لرجال الدين فيها. وبدلاً من أن تكون باكستان حليفاً استراتيجياً مستقراً لحلف "الناتو" في جبهة المواجهة مع حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، فهي تعاني من زعزعة وقلاقل وانقسامات داخلية، تعد بما هو أسوأ مما نراه اليوم. وهي ليست بالديمقراطية ولا بالنظام الديمقراطي. فصحفها المحلية تعج بالنقد المباشر الموجه إلى حكومة الجنرال برويز مشرف، أكثر مما تفعل الصحف البريطانية في انتقادها لتوني بلير وحربه على العراق. وفي وسع الزعيمة ورئيسة الوزراء الباكستانية السابقة، بنازير بوتو، الدخول والخروج من البلاد كيفما تشاء. غير أن السلطة لا تزال باقية ومركزة بيد مشرف وجنرالاته في الجيش. ولذلك فهي أحوج ما تكون إلى العودة إلى النظام الديمقراطي المدني، وإلى الاستقرار الداخلي، حتى تسهم حقاً في تأمين العالم كله ضد خطر "الجبهة الشرقية"، التي أضحت مفرخة للإرهاب والإرهابيين.

العراق وضرورة الاعتراف بالهزيمة:

وفقاً للمقال الافتتاحي لصحيفة "الجارديان" ليوم أمس الأول الثلاثاء، فإنه لم يعد من خيار آخر أمام الحكومة البريطانية الجديدة المرتقبة، سوى قبول الهزيمة والسعي للتخفيف من وطأة الخسائر الناجمة عن حرب العراق. واعتماداً على هذه المقدمة، يصوغ المقال استنتاجه الرئيسي القائل إن تبني سياسات خارجية بديلة قابلة للتطبيق، إزاء العراق ومنطقة الشرق الأوسط كلها، إنما يعتمد في الأساس، على الاعتراف الصريح النزيه، بالهزيمة الشاملة التي منيت بها الاستراتيجية الأميركية البريطانية في العراق لعام 2003. وقد بنيت تلك الاستراتيجية، على جملة افتراضات سابقة لشن الحرب، ذهبت في مجملها إلى تحول العراق إلى نموذج ديمقراطي يحتذى إقليمياً وعربياً، في أعقاب الإطاحة بديكتاتورية صدام حسين، وذلك بدفعه لخطى الديمقراطية والتقدم والإصلاح السياسي في المنطقة. كما ذهبت تلك الفرضيات أيضاً، إلى أن التحول الديمقراطي الذي ستشهده المنطقة، هو الذي سيطفئ نيران الغضب الشعبي، التي تشكل الغذاء الرئيسي الذي يعتمد عليه الإرهاب في استقطاب جنوده ومقاتليه. ولكن ها هو الواقع وقد كذّب عملياً كل تلك الافتراضات ونفاها!