إن الأمم المتحدة بعيدة كل البعد عن السهر على احترام القانون الدولي ودعم عملية السلام , وتصبح بذلك عامل ظلم بالنسبة لمعاون السكرتير العام السابق في منظمة الأمم المتحدة "هانس كريستوف فان سبونك".

و هكذا فإن الأحكام التي نفذت ضد العراق و صدام حسين أثارت نكبة إنسانية . بينما استخدمت المعاهدات كتلك التي تخص حظر الأسلحة النووية لتمكين سيطرة البعض و تهديد أمن الآخرين . لقد حان الوقت لتغيير النظام بشكل كامل .

ولد الكونت هانس كريستوف فون سبونك في مدينة "بريم" في 1939 و عمل خلال 32 عاما في برنامج الأمم المتحدة للتطوير . عين في 1998 من قبل كوفي عنان في منصب المنظم الإنساني للأمم المتحدة في العراق بالإضافة إلى مكانته كمعاون السكرتير العام . و استقال في آذار 2000 تعبيرا عن احتجاجه على الأحكام التي أردت بالشعب العراقي للبؤس و المجاعة. و فيما يلي إجاباته على أسئلة سيلفيا كاتوري الخاصة بشبكة فولتير .

سيلفيا كاتوري : في كتابكم "نوع آخر من الحرب : نظام أحكام الأمم المتحدة ضد العراق" أنتم تتهمون مجلس الأمن بخيانة دستور الأمم المتحدة . هل تستطيعون إعطاء أمثلة محددة ، حيث أمانة سر الأمم المتحدة تصرفت بطريقة مدانة , حسب رأيكم ؟

هانس فون سبونك : يجب على مجلس الأمن أن يمتثل لدستور الأمم المتحدة , فعلى سبيل المثال : يجب عليه ألا ينسى الجمعية التأسيسية الراعية لحقوق الطفل كما المظاهر العامة لهذه الجمعية . فعندما يعرف مجلس الأمن أن الظروف في العراق غير إنسانية , و أن الناس في مختلف أعمارهم يعيشون في أسى عميق , ليس بسبب مضطهد ما , لكن بسبب سياسة مجلس الأمن الخاصة المواكبة في إطار برنامج "النفط مقابل الغذاء", و بسبب تجرده من الإنسانية , و لأنه يقرر عدم التصرف كما ينبغي لحماية الشعوب من نتائج سياسته. حينئذ نستطيع بكل سهولة التأكيد على أن مجلس الأمن ملام. و هو ملام بشكل خاص بسبب ارتفاع نسبة الوفيات في العراق بشكل هائل.

و كدليل على ذلك : أثبتت اليونيسيف أن 25/1000 من الأطفال تحت سن الخمس سنوات كانوا يموتون في العراق لأسباب متنوعة , في السنوات الأربع و عشرين في ظل حكومة صدام حسين . لكن خلال فترة تنفيذ الأحكام من 1990 إلى 2003 حصل تزايد سريع : فقد ارتفع عدد وفيات الأطفال تحت سن الخمس سنوات من 56/1000 في بداية التسعينات ليصل إلى 131/1000 في السنوات الأولى من القرن الحالي.

يستطيع كل واحد أن يدرك بسهولة أن تزايد عدد وفيات الأطفال هذا كان نتيجة تلك الأحكام, و مما لا شك فيه أن مجلس الأمن قد فضل تجاهل نتائج سياسته في العراق , تحت تأثير ضغوطات المتدخلين الرئيسيين المتمثلين بشكل خاص بالولايات المتحدة و المملكة المتحدة.

سيلفيا كاتوري : كيف استطاع مجلس الأمن أن يتغاضى عن تحمل مسؤولية النتائج الإنسانية للأحكام الصادرة ضد العراق, بقدر ما تبنى قرارات أخرى – على سبيل المثال القرار 1559 – مهدت لقصف شعوب مدنية ؟ و هل معنى القول أن مجلس الأمن و أمانة سر منظمة الأمم المتحدة أصبحا في هذه السنوات الأخيرة مسؤولان أساسيان عن الكوارث الإنسانية ؟

هانس فون سبونك: أود القول أن الجاهلين وحدهم أو أولئك الذين لا يستطيعون تقبل الهزيمة, يستمرون بالزعم أن المأساة البشرية في العراق غير مسندة إلى حد كبير لسياسة خرقاء أو لسياسة قصاصية. لقد عوقب الشعب العراقي ببساطة لأنه كان تحت إدارة حكومة بغداد, فكان هذا العقاب بالرغم من أنه في الواقع بريء بشكل كلي.

سيلفيا كاتوري: يعلم مسؤولونا السياسيون بشكل كامل أن لهذه الأحكام نتائج مدمرة كونهم حاضرين في كل السلطات الدولية. هل هذا يعني أن في سكوتهم قبول لواقع تجويع المدنيين ؟

هانس فون سبونك : لا يمكن أن ننسى أن هناك إما سكوتا أو تواطؤا أو دعما أو حتى جهدا متعمدا لخلق هذا النوع من الظروف التي تفشت في العراق خلال الأعوام الثلاثة عشرة لتنفيذ الأحكام. و نتيجة لذلك يوجد درجات مختلفة للمسؤوليات السياسية. فلا يمكن إلقاء المسؤولية على عاتق رئيس وزراء بريطانيا أو رئيس الولايات المتحدة و حكومتيهما فقط فهناك مسؤولين آخرين. فقد لعبت أسبانيا و إيطاليا دور الداعم مما جعل من حكومتيهما المعاصرتين مسؤولتين. و بصراحة شديدة إن السيد آزنار في مدريد و السيد بيرلوتشوني في إيطاليا مسؤولان بمشاركتهما في الدمار و في المأساة الإنسانية التي جرت في العراق . وهم بالتأكيد لن يقبلون بهذه المسؤولية لكن هذا الأمر واضح و بديهي .

سيلفيا كاتوري : إذا كان تلاعب الولايات المتحدة بمجلس الأمن هو المشكلة العظمى , و إذا استمر الأخيران بارتكاب الجرائم بحجة أنهما منتدبان من قبل الأمم المتحدة, فماذا يمكننا أن نفعل لتصحيح هذا الوضع ؟

هانس فون سبونك : أعتقد أن الأمر يتعلق بمسألة هامة جدا و ملحة بشكل خاص في إطار الحوار حول نوع منظمة الأمم المتحدة التي نحن بحاجة إليها لحماية المجتمع الدولي, و لحماية حكومات الدول الأعضاء (192) من المخاطر التي تشكلها بعض الحكومات , مستغلة نفوذها و معلوماتها و أموالها و سلطتها لخدمة مصالحها الخاصة على حساب مصالح السلام والعدل و الإنسانية .

إعدام صدام حسين
30/كانون الأول/2006

سيلفيا كاتوري : كيف تفاعلت حيال تنفيذ حكم إعدام صدام حسين و معاونيه المدانين, المحكومين بالإعدام من قبل محكمة شكلتها الولايات المتحدة ؟

هانس فون سبونك : بداية أود القول أن ذلك الخبر لم يفاجئني . لأنه كان الهدف النهائي لأولئك الذين يحكمون بغداد و لأولئك الذين يحتلون العراق . لا نستطيع الدفاع عن صدام حسين , لكن يمكننا الاحتجاج على واقع أنه لم تكن هناك محاكمة عادلة , بل مسرحية هزلية . لقد كانت محكمة تخفي تحت مظاهر الجدارة بالاحترام قرارا أعد سلفا للحكم على المتهمين بالإعدام . كان لصدام حسين حق الحصول على محاكمة عادلة , كأي إنسان آخر , لكنه لم يحظ بتلك المحاكمة مطلقا .

لذلك كنت منزعجا من حقيقة أنه بالرغم من امتلاكنا لقانون دولي , و بالرغم من أن الأمم الأوروبية و الولايات المتحدة و كندا , كما هي حال أمم أخرى , تزعم باستمرار رغبتها بالدفاع عن العدالة, لكنها في الحقيقة لا تحميها .

سيلفيا كاتوري : لقد تدخلت لطلب إطلاق سراح السيد طارق عزيز من جورج بوش . هل حصلت على رد ؟

هانس فون سبونكك : لم أحصل على أي رد . لقد كتبت تلك الرسالة لأنني عرفت السيد طارق عزيز . نظيري السابق و أنا نعتبره كشخص تربطنا به علاقة حميمة . كشخص حاول جاهدا الاهتمام بالشعب العراقي رغم كل ما قيل عنه في الصحف الرئيسية. شخص منظم و مخول لمراعاة اقتراحات رامية إلى جر تحسينات لبرنامج المعونة الإنسانية . من وجهة نظرنا , و من وجهة نظري , لقد كان رجلا مستقيما . لا أستطيع الحكم على ما فعل السيد طارق عزيز خارج مجال مسؤوليتي , لكن كل ما أطلبه هو أن شخصا مريضا يجب أن يعالج كما ينبغي , و ذلك ليس إلا لأسباب إنسانية . كان من المتوجب أن يجاز له الحصول على متابعة دوائية و أن يستحق محاكمة عادلة . فقد كان من حق السيد طارق عزيز , و ما زال من حقه , أن يعالج وفقا للقانون الدولي و طبقا لشروط لاهاي و جنيف , كما كانت الحال بالنسبة لصدام حسين. و أحتج على أنه حينئذ لم يجرّم و بقي في السجن بينما هو بأمس الحاجة للمتابعة الدوائية , و ذلك بعد أن سلم نفسه طواعية لقوات الاحتلال.

سيلفيا كاتوري : إن الوضع الذي خلقه الاحتلال في العراق مفزع , لكن المخاوف الأكبر هي من أن يستخدم القرار ضد إيران من قبل الولايات المتحدة لضرب هذا البلد. تموضعت البحرية الالمانية شكليا في شرقي البحر المتوسط بانتداب من منظمة الأمم المتحدة. هل طلبت في رسالة مفتوحة إلى السيدة ميركل رفض أي لجوء للقوة ضد إيران , لأنك تعلم جيدا حجم تورط بلدك في خطط حروب الولايات المتحدة ؟

هانس فون سبونك : هذا صحيح. أرى جيدا أن ألمانيا و بلدان أوروبية أخرى , مدفوعة تدريجيا للذهاب في اتجاه سياسة قوة محددة في واشنطن من قبل أناس متعطشين للسلطة .

و هذا يصبح أخطر بما أنهم غير قادرين على تنفيذ سياسة الهيمنة وحدهم , و لذلك يسعون للاعتماد على حكومات أخرى . و من جهة ثانية , يبدو أن هذه الحكومات الأخرى متمثلة بحكومات أوروبا الوسطى و أوروبا الشرقية , بين ليتوانيا و بريطانيا العظمى . و هم يسعون أيضا لتسييس منظمة حلف شمال الأطلسي لاستخدامها كأداة معتمدة مسبقا , و إلى حد كبير , في خدمة الولايات المتحدة. انطلاقا من هذا , و كأي فرد طبيعي من هذا العالم , لا أستطيع قبول المحاولات – التي تدعمها رئيسة القضاة السيدة ميركل خلال القمة الحالية لمنظمة حلف شمال الأطلسي – الرامية إلى إعطاء هذا التحالف العسكري مهمة سياسية . إن منظمة حلف شمال الأطلسي أداة للحرب الباردة , و هي تبحث لنفسها منذ سنوات طوال عن مهمة جديدة و عن دور جديد . و الشيء الوحيد الذي كان يعلمه ناصرو هذا التحالف هو أن منظمة حلف شمال الأطلسي كانت تمتلك مسؤولية عسكرية , لكن مع نهاية الحرب الباردة في أوروبا اضمحلت هذه المسؤولية و فقدت أهميتها . و هذا هو سبب بحثها الميؤوس منه عن دور جديد . أعتبر شخصيا أن من الخطر الشديد أن تطرح منظمة حلف شمال الأطلسي نفسها اليوم كأداة ديمقراطية في خدمة الديمقراطيين في الغرب , بينما هي في الحقيقة أداة في أيدي الولايات المتحدة لتنفيذ مشروع قرن أميركي جديد . و هذا المشروع هو ترجمة للاقتراح الشهير المصنوع على أيدي المحافظين الجدد في الولايات المتحدة في التسعينيات – و الذي حولته إدارة بوش إلى خطة وطنية أمنية عام 2000 و في الأعوام التالية له – و من المفروض أن تشارك في تحقيقه منظمة حلف شمال الأطلسي . و كان يجب على المسؤولين السياسيين المجتمعين حديثا في "مونيش" رفض هذه الفرضية .
لقد عبر السيد فلاديمير بوتين عن رأيه بصراحة قاسية , و وضح علانية ما يشعر به الكثير منا . و من الواضح جليا أن مقترحاته أهملت من قبل أولئك الذين يمتلكون جدول أعمال آخر . و من جهة أخرى إن ما قاله السيد بوتين مطابق للحقيقة . و أنا مقتنع أن خطوة كبيرة قد أجريت , بسبب هذا التسييس العسكري لمنظمة حلف شمال الأطلسي , ليس فقط نحو عودة للحرب الباردة بين القوى الرئيسية , و إنما نحو تزايد في النفقات اللازمة للدفاع أيضا في الصين و روسيا , مرفقة ببلدان أوروبا الغربية , و هنا تكمن المأساة . ارتفعت هذه النفقات بدرجة قصوى في عدة بلدان , مما لا يمكن إلا أن يساهم في تصاعد الاستقطاب بين مختلف المجموعات في العالم . و العالم , بعيدا عن أوروبا الوسطى و الولايات المتحدة , ليس مستعدا لقبول طريق غربي أحادى الاتجاه . و لا يقبل الشعب مطلقا بمطالب القوى السياسية و العسكرية في القرن الماضي . تلك الأيام ولت , و إذا لم نأخذ ذلك بالحسبان فإن الأمور ستستمر بالتفاقم .

إن الكلمة الجوهرية في اللحظة الراهنة بالنسبة لي هي : محادثات و دبلوماسية . يجب علينا أن نتبنى ذهنا متعدد الجوانب بصدق , و ليس ذهن القوى العظمى الذي لا يشكل جزءا منه , لا سياسيا , و لا اقتصاديا , ولا اجتماعيا , و لا حتى أخلاقيا حتى لا أقول أدبيا .
و حتى لو بقي في الولايات المتحدة أيضا القليل من قواها الخارقة بفضل القوة العسكرية , هذا لن يكفي لإنقاذ الإمبراطورية الأميركية . إن الإمبراطورية الأميركية هي شيء من الماضي , و سنعرف ذلك في أوروبا بأسرع وقت , و سريعا سنتحضر لتعاون متعدد الجوانب – هذا يعني بعيدا عن تعاون ثنائي الجانب أو نوع من منظمة حلف شمال الأطلسي – و سيكون هذا الأفضل .

سيلفيا كاتوري : تشارك منظمة حلف شمال الأطلسي في حروب الاحتلال – مما يتعارض مع قوانينها – و تقود مع الاستخبارات المركزية الأميركية عمليات إجرامية : و أذكر هنا عمليات خطف و ترحيل المشتبه بهم إلى سجون سرية . فإذا استمرت أوروبا في الاستسلام و قبول إدراج أنظمة مضادة للصواريخ من الولايات المتحدة في البلدان الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي , ألا يقود هذا إلى المواجهة , لا بل وحتى إلى العودة إلى أسوأ أيام الحرب الباردة ؟

هانس فون سبونك : هذا محال. فليس هناك ما نستطيع منعه , و حجة كوندوليزا رايس , و التي بموجبها ليس لروسيا أسبابا لتقلق من مسألة تركيب عشرة أنظمة مضادة للصواريخ متمو ضعة في بولونيا و في جمهورية التشيك , واهية تماما , لأنهم إذا وضعوا اليوم عشرة أنظمة سيمكنهم وضع عشرين في الغد . إن مجرد وضع هذه الأنظمة على حدود الاتحاد السوفييتي السابق , أو روسيا , يكفي الآن لتعزيز أسباب المواجهة بين روسيا و الغرب : دون الحديث عن الصين .

و نحن في طور خلق وتشكيل عدونا المستقبلي , أنا و آخرين كثر في العالم , لا نستطيع تقبل هذا التطور . لكننا مهمشين , لأننا ضعفاء , و يعتبروننا ساذجين أي "أصحاب العيون الزرقاء" حسب تعبير شعب الولايات المتحدة , فنحن لسنا معتبرين لنفهم الرؤية الإجمالية . فإن كنا نحيا في ديمقراطية , حينئذ امتلك الحق في فهم هذه الرؤية الإجمالية , لكن أحدا لم يحدثني عنها , و ما يطلب مني فقط هو أن أمتثل للغاية النبيلة و النوايا الحسنة لحكومة كحكومة واشنطن . من جهة أخرى أنا لا أستطيع ذلك و نحن جميعا لا نستطيع ذلك لأننا خدعنا مرات و مرات من قبل إعلامهم المشوه و عدم استقامتهم الفظة في سلطة سياسية تخدم فريقا واحدا .

أنا بعيد عن قبول كل هذا و انطلاقا من ذلك أعتبر هذه السياسة بمجملها , و الرامية لإقناع الحكومات التشيكية و البولونية باستضافة هذه الأنظمة المضادة للصواريخ , خطيرة و غير لائقة لأبعد الحدود . و هي ليست إلا سياسة عنيفة و وحشية لقوى نحن بغنى عنها و يجب علينا أن نحاربها . و هذا ليس ما يحتاجه السلام و المستقبل الدولي و تعزيز الأمم و التقدم في ذهن دستور الأمم المتحدة و القوانين الدولية الأخرى.

سيلفيا كاتوري : لقد كنت في شباط في كوالا لامبور للمشاركة في محاضرة تفضح الجرائم التي ترتكبها القوى العسكرية . و لا يوجد في وسائلنا الاعلامية مطلقا تغطية لهذا الحدث الهام . فإذا كانت اللقاءات المماثلة و التي تفضح انحرافات منظمة حلف شمال الأطلسي و انتهاكات دستور الأمم المتحدة , مجهولة , فماذا نفعل بحيث أن حوارا يستطيع افتتاح إعادة تشكيل هذه السلطات ؟ أليس لديك شعور من يعظ في الصحراء ؟

هانس فون سبونك : أنتم تعلمون جيدا أننا لا يجب أن نيأس من واقع أن وسائل الإعلام تتجاهلنا . فعندما يحاول المواطنون إقناع حكامهم بتغيير مسارهم , يتجاهلهم هؤلاء في أكثر الأحيان . حينئذ , هل من المتوجب أن يعلن هذا نهاية الجهد ؟ لا أعتقد ذلك . و واقع أن الناس , ليس المجانين منهم أو الحالمين التائهين , لكن الناس الواقعيين جدا , الذين يحظون برؤى واسعة عن العالم , و الذين يفهمون القضايا السياسية , يجتمعون ليقاوموا بجد شروط و تعسف السلطات , و هذا بحد ذاته دليل هام أن الوعي الدولي يقظ و أن الوعي الدولي موجود .

لم تبرز كوالا لامبور عناوينها الكبرى , لكن هوليوود أبرزتها : فانفعال بثمن رخيص و أحداث إعلامية ذات نوعية رديئة , كبرنامجBig Brother في لندن , تبرز عناوينها الكبرى .

من المؤسف أن حدثا كاجتماع خمسة آلاف شخص في كوالا لامبور لمناقشة الحرب كجريمة لم يبرز عناوينه الكبرى, على اللوحة الخلفية لكل هذه الآلام التي سببتها هذه الحروب الغير مشروعة , لكن هذا لا يجب أن يجعل الناس أقل رغبة بالتعبير عن أنفسهم . لقد كان هذا الحدث جديرا بأن يلاحظ و خاصة من قبل أولئك المعنيين بهذه الحروب . كل واحد منا لديه مسؤولية لينجزها كفرد. أنا على يقين أن اجتماع كوالا لامبور سمح بتطوير وعي أكبر في إطارات متعددة في العالم مما يتحول في النهاية إلى مقاومة كبرى ضد السياسات المضللة, الأنانية و أحادية الجانب , و التي يسعى الغرب لفرضها .
أنا لا أقف ضد الغرب فأنا منه , لكن هذا لا يعني أنني لا أستطيع أن أتأمل بعين ناقدة الطريق أحادي الاتجاه الذي تطور , الطريق أحادي الاتجاه الذي تسلكه السلطة الدولية و التجارة الدولية و الثقافة الدولية.

هذا , كما قلت سابقا , لن يستطيع المتابعة لأنه غير مقبول مطلقا , و قد جمعت كوالا لامبور أناسا قادمين من أنحاء العالم كله يتقاسمون هذا الاهتمام . و أنا على يقين أن هذا قد سمح بزيادة وعي و إرادة المساهمين لتكريس دائما قوى اكثر لتغيير الأشياء . و إن لم يقد ذلك إلى عناوين كبرى و تغيير مباشر , حينئذ سيتحقق في الغد , و إن لم يكن غدا ففي اليوم الذي يليه .

سيلفيا كاتوري : أصوات كصوت الرئيس جيمي كارتر و السيد جون دوغار تفضح جرائم إسرائيل في فلسطين , أصوات كصوت السيد دينيه هوليدي و صوتكم تكشف انحرافات منظمة الأمم المتحدة في العراق , كل هذه الأصوات تفرض احترامها على الجميع . و مع ذلك فهي أصوات نادرة بإمكان السلطات أن تهمشها .ألست خائب الأمل بسبب شبه غياب أشخاص في مستواكم يقتدون بكم و يتبنون موقفا ضد هذه الجرائم و أخطاء الدول ؟

هانس فون سبونك : من المؤكد أنني خائب الأمل . كما تعلمون , في وقتنا هذا , أنتظر يوميا بلهفة أن يقول لواء أمريكي مهم للغاية أو رجل سياسي أمريكي من الدرجة الأولى : كفى ! لن استمر في دعم هذا الجنون , لن أساند مخالفة القوانين , لن أؤيد السياسات التي أغرقتنا في صعوبات بالغة و خروقات عميقة لكل ما يجب على المواطن أن يدافع عنه . حتما نحن خائبو الأمل , لكن في ضوء ما حصل خلال العقود الأخيرة و خاصة خلال سنوات حكم جورج بوش , نحن لا نستطيع أن نسمح لأنفسنا بأن نكون غير فاعلين . إنه نداء يجب على المرء أن يقوم به للتحرك الدولي المعادي للحرب .

يجب على عملية السلام أن تسير في اتجاه تعاون أفضل , كشبكة مقاومة , في اتجاه جهود متضافرة , و دعوات مشتركة , حيث تتشابك أيدي أناس من كل بلدان العالم و يظهرون لأنفسهم و للشعب الأكبر أنهم يمتلكون إرادة صلبة لرفض كل ما قادنا إلى هنا : إلى عالم حيث الخندق فاغر بين أولئك الذين لا يمتلكون شيئا – و إنهم أغلبية عظمى واسعة , أكثر من مليار كائن بشري يقتاتون بأقل من دولار باليوم نسبة إلى ست مليارات و نصف المليار التي يحصيها كوكبنا – بينما ينعم العشرة بالمئة المترفين في بذخ و في رفاء متعذر تصوره .

هذا لن يدوم مطلقا . و إذا قال أناس يستمعون إلى محادثتنا : حقا إنه ساذج كبير , انظروا إنه شيوعي , هذا مفزع إنه يطالب بالمساواة للجميع , أقول لهم , لا لست كذلك . أولا لا أعتقد أنني ساذج , ثانيا لا أعتقد أنني شيوعي بالمعنى التقليدي . فأنا رجل تعلم خلال 32 سنة في الأمم المتحدة , و منذ ذلك الحين , التسليم بواقع أننا لسنا متساوين لكن كلنا يجب أن نحصل على نفس فرص الازدهار في إطار المشاركة في السلام . إنها ليست مسالة نقص مادي , يوجد كفاية من المال لكل واحد , لكن ما ينقصنا هي إرادة توزيع الموارد و إنجاز أكثر من الدعم فقط بالكلام لمجموعة الأدوات الرائعة التي خلقت بعد الحرب العالمية الثانية من قبل أناس محترمين و التي حاولت خلال ستين عام وضع مبادئ عدالة كبرى و تطور اجتماعي اقتصادي لكل فرد .

سيلفيا كاتوري : كل هذه الآمال التي تغذيها تجعلك تعاني بقدر ما أنت واع أن ما هو قادم أسوأ بالنسبة لشعوب الدين الإسلامي الذي تهينه القوى العظمى حاليا ؟

هانس فون سبونك : بالتأكيد . عندما تقرؤون و عندما ترون ما يجري في الشرق الأوسط , لا يمر يوم لا تشعرون به بالعار يملؤكم و لا تشعرون بضرورة التذلل التي من الممكن أن يكابدها المرء تجاه هؤلاء الناس المساكين الذين يتألمون بشدة , من فلسطين إلى العراق كما في مناطق أخرى من الشرق الأوسط . و اللغة البشرية عاجزة عن التعبير عن المشاعر التي أحسها على الأقل بالنسبة لحساسيتي . هذا مرعب . فأنا آت من بلد قد جرب ويلات الحرب العالمية الثانية و التي كان هو مسببها . لقد دامت خمس سنوات و ما زال الحديث عنها جار . فكيف الحال في العراق خلال سنوات و سنوات , ثلاثون عاما من الاضطهاد , ثلاثة عشرة عاما من العقوبات , ثلاث سنوات ونصف من الاحتلال ؟ كم يمكن للفرد أن يحتمل , كم يمكن للأمة أن تصبر ؟ أفكر هنا بالجامعات التي أعرفها في بغداد مثل جامعة المستنصرية , معهد بغداد و جامعة بغداد , فعندما ترون دور التربية هذه حيث شبابا بريئين يستقبلون الحياة مدمرين بالقنابل بينما في العراق عندما كنت أذهب لزيارة هؤلاء العراقيين الذين كانوا يحيون بسلام في حوار موحدة مختلف السكان , لم أسمع قط في تلك الآونة هذا النوع من المحادثات : " أنا شيعي, أنت سني و أنت تركماني "

بغداد هي أكبر مدينة كردية في العالم مع أكثر من مليون كردي , من المؤكد أنه كان يوجد مشاكل عديدة , مضطهد و قتلى سياسيين لكن بالمقارنة مع ما نراه اليوم , تلك المشاكل طفيفة . فهذه المواجهات الطائفية الموجودة الآن هي صنيعة حرب غير شرعية . و التهديدات الموجهة لحكومة المالكي تتجاوز عدم الاستقامة : "إذا لم تحققوا الأمن في العراق , حينئذ نحن الأمريكيون سنعيد النظر في إمكانية الاستمرار في دعمكم" ما هذا الهراء ؟ من خلق هذا النوع من الظروف ؟ من المسؤول عن الفوضى و عن المواجهة الطائفية الحالية ؟

سيلفيا كاتوري : البلدان في الغرب يدينون العراق بسبب قنبلة نووية لا تمتلكها مع أنها وقعت على معاهدة حظر الأسلحة النووية . و هم لا يدينون إسرائيل التي لم توقع على هذه المعاهدة و التي تمتلك أسلحة نووية . بين إسرائيل التي لا تخفي نواياها في التحضير لخوض حرب نووية وقائية , و إيران التي تود أن تزود نفسها بصناعة نووية لأغراض سلمية , أليست إسرائيل هي من يهدد حقا أمن العالم , و إيران هي الهدف ؟ كيف تتفاعلون مع إنكار العدل هذا ؟

هانس فون سبونك : ليس لدي إلا إجابة واحدة صريحة جدا , و للعلم إنها سياسة الكيل بمكيالين . هناك المطالبة بمنطقة خالية من الأسلحة النووية حسب قرار مجلس الأمن رقم 687 نيسان 1991 و الذي ينادي في فقرته 14 بمنطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط كله . لكن إسرائيل لم توقع على معاهدة حظر الأسلحة النووية . أما إيران فربما تمتلك نوايا مضادة للمصالح الدولية لكنها لم تتجاوز الخط الأحمر . لم يقل السيد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تجاوزت هذا الخط . و اكتفى بالقول إنها لم تبح بنواياها بشكل كامل و بأسلوب شفاف , و أنها وظفت وحدات طرد مركزي جديدة .
و يا له من استشهاد رائع بسياسة الكيل بمكيالين و التي تنحاز لإسرائيل حتى لا نضع إصبع الاتهام عليها وعلى بلدان أخرى ! فماذا بالنسبة لباكستان و ماذا بالنسبة للهند ؟ و الولايات المتحدة عينها التي تعمل علنا لخلق جيل جديد من الأسلحة النووية , في مخالفة تامة لمعاهدة حظر الأسلحة النووية و هم من بين مؤسسيها , لدينا هنا إذا انحياز و تفرقة مدمرين . لو كنت إيراني لقلت حينئذ : عذرا , طبقوا أنتم هذه المعاهدة لتكونوا نموذجا منضبطا , ومن ثم نناقش الأمر و نجلس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة و على نفس السوية .
أوافق الطلب الإيراني لإجراء حوار , و أعتقد أن هذا بالضبط هو التصرف السليم الممكن اتباعه . فقد قالت إيران : لديكم اعتراض , لنلتق , لكن لا تأتوا لتقولوا لنا أنه يجب علينا تنفيذ بعض القرارات تحت إشرافكم قبل المقابلة , نحن نأتي و نلتقي و نتحاور و نكشف أوراقنا على الطاولة . و ما نستنتجه في الحقيقة هو محاولة مرعبة لحماية أطراف على حساب أطراف أخرى .

سيلفيا كاتوري : أي رسالة تريدون أن تسمعوها لهؤلاء الحكام السياسيين الذين لا يقيمون وزنا لحقوق الإنسان و يقودون حروبا مخالفة للقانون الدولي ؟ و أي رسالة تودون توجيهها لهذه الشعوب التي تتعرض حاليا للاحتلال و الذعر من الدول ؟ و أي رسالة ترغبون تقديمها لكل أولئك الذين يواجهون هذه الحروب لكن لا يعرفون كيفية إيقافها و يتأسفون على تراخ الأحزاب ؟

هانس فون سبونك : لأولئك الذين يخالفون حقوق الإنسان , أود القول : يجب عليكم أن تعيشوا بضمير و بالنتيجة , كيف تستطيعون في ضوء كل هذه الخسائر الواضحة العيش بضمير ؟ ألا تعتقدون أن هناك وسائل أفضل لحماية مصالحكم بسماحكم للآخرين بالانتفاع من الفرص الحالية ؟ و لأولئك الذين هم ضحايا أولئك المحتلين , أقول : لا تستسلموا أبدا , افعلوا ما بوسعكم , كلنا , كأفراد بصحة جيدة , نمتلك الحرية لنقوم بمساهماتنا حتى و لو كانت بسيطة, فإذا تجمعنا لهذا الهدف , و إذا تعاونا , و وحدنا قوانا , وأعلمنا آراءنا لأولئك الذين يستلمون السلطة , و إذا استخدمنا حقوقنا بالاقتراع – لمن يعيشون في بلاد تعرف الانتخابات الحرة – و لم نصوت بطريقة آلية . فإن وضع بطاقة في صندوق الاقتراع هو تصرف مسؤول . و اذهبوا للقاء مرشحيكم و أرهقوهم بالأسئلة , و ألقوا عليهم المسؤولية , و تحققوا من أدائهم . و عندما تعود الانتخابات من جديد , إذا لم تكونوا راضين عنهم , شجعوا أولئك الذين استحقوا ثقتكم للتقدم لنيابة جديدة . ماذا يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك ؟