بدأت الخطوات العملية في مسيرة الانتخابات للدورة البرلمانية التاسعة التي تتم في نيسان القادم، حيث فتحت ابواب الترشح للراغبين في دخول الانتخابات، وجرى تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات، فيما بدأ المرشحون بواكير حملاتهم الدعائية، ما يؤشر الى دورة برلمانية جديدة تستمر اربع سنوات، لا تتميز عن الدورات السابقة من حيث افقها السياسي، وإن تميزت في تفاصيل صغيرة مثل موضوع تحديد سقف الاموال التي يمكن للمرشح صرفها في حملته الانتخابية بحيث لا تتعدى مبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية، ومن حيث استخدام صناديق زجاجية مماثلة للصناديق المستخدمة في دول الاتحاد الأوروبي تمكن المنتخبين من رؤية ما بداخل الصندوق، إضافة لاستخدام مادة الحبر السري الذي تستخدمه اغلب الدول المتقدمة في عملياتها الانتخابية منعا لحدوث أي عملية اقتراع لأكثر من مرة، وهي تقنيات تستخدم لاول مرة في سوريا. لكن الجوهري، ان الانتخابات تتم وفق النظام الانتخابي السابق خلافاً لكل ما قيل عن اصدار قانون جديد للانتخابات من اوساط سورية رسمية، وما طالبت به جماعات المعارضة على مدار السنوات الماضية.

ووسط الاجواء السياسية القائمة في سوريا، وفي ظل عدم حدوث تبدل في القانون الانتخابي، فإن نتائج الانتخابات المقبلة، لن تكون مختلفة عن نتائج الانتخابات السابقة ما عدا تغييرات تطرأ على بعض الوجوه. فيجري احلال وجوه جديدة مكان النواب الذين توفوا او استهلكوا سياسياً، وكذلك محل الذين لم تثبت مقدرتهم في الحفاظ على مقاعدهم في المجلس لسبب او لآخر، وهذه النتيجة تؤشر الى انه لا تغييرات حقيقية في دور ومهام مجلس الشعب الذي لم يتورع كثير من السوريين في السلطة كما في المعارضة عن الاشارة تكراراً الى عدم فاعليته وتأثيره في الشأن العام السوري.

ولأن التقديرات المحيطة بمجلس الشعب المقبل تميل بهذا الاتجاه، فقد بدا من الطبيعي، ان تتجه جماعات المعارضة السياسية في سوريا الى مقاطعة انتخابات مجلس الشعب المقبلة، وهذه النزعة موجودة لدى اغلبية تحالف اعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي الذي يضم جماعات المعارضة الرئيسية في سوريا وبينها التجمع الوطني الديموقراطي واغلبية الاحزاب الكردية ولجان احياء المجتمع المدني، وقد صدرت تصريحات من بعض اركان اعلان دمشق تؤكد مقاطعة الانتخابات بانتظار صدور موقف واحد باسم الاعلان.

لكن فكرة مقاطعة الانتخابات تقابلها اعتراضات في اوساط معارضة من دون ان يعني ذلك انقساماً حاداً في صفوف المعارضين. واساس الاعتراض يكمن في امرين اثنين، الاول، انه لا يجوز مقاطعة الانتخابات من موقف مبدئي، حيث ان الانتخابات حجر الاساس في اية عملية ديموقراطية، ولا يجوز التخلي عنها بسبب ما يفرضه النظام الانتخابي الحالي من تقييدات وظروف غير ديموقراطية على الانتخابات ومسارها ونتائجها، وهو امر يتطلب بدلا من المقاطعة، ان يصار الى فضح وتعرية النظام الانتخابي الحالي والمطالبة بتغييره في اطار المطالب الوطنية الديموقراطية التي ترفعها المعارضة، اضافة الى تأكيد حق السوريين في ممارسة العملية الانتخابية لاختيار من يمثلهم في عضوية المؤسسة البرلمانية.

والامر الثاني، يتصل بالعملية الانتخابية وما يحيط بها من ظروف تفسح مجالا لحراك سياسي واجتماعي، ينبغي ان يشارك فيه السوريون جميعاً بمن في ذلك احزاب المعارضة وجماعاتها، لا ان يترك الميدان لحزب البعث الحاكم واحزاب الجبهة المتحالفة معه، من دون ان تمنع محدودية الحراك السياسي والاجتماعي المرتقب في الانتخابات المقبلة مشاركة المعارضة فيه، لان المشاركة ستساهم في اثارة وتوضيح كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلف عليها، كما سيثير الحراك كلاماً حول مجلس الشعب ودوره في الحياة العامة. ولا شك في ان لجوء المعارضة الى مقاطعة الانتخابات، سوف يجعلها خارج الحراك السياسي والاجتماعي، وخارج فرصة المشاركة في طرح ومناقشة الموضوعات والقضايا العامة، كما ان مقاطعة الانتخابات من جانب قوى المعارضة، تندرج في اطار موقف سلبي منسجم مع نهج سياسي قديم، لم يعد متناسباً مع نهج سياسي جديد، اعلنت المعارضة تبنيه، يقوم على العلنية وفكرة التغيير بالوسائل والاساليب الديموقراطية. وبالتالي فإن المقاطعة تبدو كأنها استقالة من عبء المهام التي اخذتها المعارضة على عاتقها، او انها عودة الى النهج القديم وتماثل معه في وجه آخر من وجوهها، وكلاهما امر لا تقبل المعارضة به.

ان فكرة المقاطعة بما تعنيه من موقف احتجاجي على ما يحيط بالعملية الانتخابية في سوريا من الناحيتين القانونية والاجرائية، ينبغي ان لا تأخذ المقاطعين بعيداً عن ضرورة ترسيخ فكرة الديموقراطية والدعوة اليها وممارستها في اصعب وادق الظروف. انها فرصة لتأكيد حق السوريين في الذهاب الى الصناديق واختيار من يرونه مناسباً لتمثيلهم في مجلس الشعب او اي مؤسسة تمثيلية اخرى، وإن لم يجدوا، فليس اسهل من ان تكون الورقة بيضاء.

مصادر
السفير (لبنان)