حلٌت الذكرى الرابعة على غزو العراق واندلاع الحرب وسقوط النظام العراقي السابق الذي أدى إلى إعدام بعض أركانه وأولهم رأس النظام الديكتاتور السابق صدام حسين وآخرهم وليس أخيرهم طه ياسين رمضان، بيد أن الثمن كان باهظاً تمثل بسقوط مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء وتهجير الملايين من خيرة أبناء الشعب العراقي وكوادره قسراً أو طوعاً إلى خارج العراق وكذلك التهجير ألقسري لآلاف العائلات التي تعيش ظروفاً حياتية بالغة القسوة والصعوبة . وهناك أكثر من 20% من أطفال العراق يعيشون حالة خطيرة من سوء التغذية وتفاقم الفقر وانهيار القدرة الشرائية لدى أغلب المواطنين في العراق من مختلف المناطق والانتماءات إلى جانب آلاف الأرامل والأيتام . الأرقام المنشورة عن مراكز الاستفتاء واستطلاع الرأي تثير الغثيان وكان آخرها ما نشرته محطة البي بي سي التفلزيونية البريطانية ومحطة الـ أ بي سي الأمريكية وبتاريخ 19 آذار / مارس 2007 للفترة المحصورة بين 25 شباط و 5 آذار والتي تقول أن 53% من العراقيين مستاءين من نوع وطبيعة وشكل وطريقة إدارة الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط النظام الصدامي بما فيهاالحكومة الحالية . وأن 18% فقط أبدوا ثقتهم بالقوات الأمريكية والقوات الأجنبية المتحالفة معها في بسط الأمن في حين أن 78% يعارضون وجودها على الأرض العراقية . وقال 26% ممن تم استطلاع آرائهم أنهم يشعرون بالأمن النسبي داخل أحيائهم السكنية وأن 74% لا يشعرون بالأمان في أي مكان في العراق عدا المنطقة الشمالية الهادئة نسبياً.وفي نفس الوقت لا يعتقد 56% من العراقيين بوجود حرب أهلية في العراق بل ما هي إلا صراعات سياسية ـ طائفية بين مختلف القوى السياسية المتناحرة والمتنافسة على الحكم. وأن 88% من العراقيين يصرحون بامتعاض أن الخدمات الضرورية غائبة أو معدومة أو سيئة للغاية وعلى رأسها الكهرباء والوقود وأن 69% يؤكدون صعوبة تزودهم بالماء الصالح للشرب إلى جانب عدم توفر الخدمات الصحيحة الضرورية ولكن أسوء وأخطر تبعة نجمت عن هذا التدهور والفوضى وضياع القيم هو فقدان حس المواطنة والشعور بالانتماء الوطني للوطن العراقي لدى غالبية من أبناء الشعب وتضاؤل الشعور بالتعايش المشترك الذي وسم انسجام الشعب العراقي لمئات من السنين. هذه هي الحصيلة غير النهائية في جانبها السلبي المتشائم فما هو الجانب الإيجابي المتفائل؟ لا يزال العراقيون يتشبثون بقشة من الأمل في أن تتحسن الأحوال وتنتصر الحكومة الحالية في استئصال الإرهاب والقتل العشوائي وتنجح في فرض الأمن والقانون وإنجاح الخطة الأمنية الدائرة حالياً إلاٌ أن هذه التشخيصات ما تزال حبيسة دائرة التمنيات والتوقعات لا أكثر. لقد مضى أكثر من شهر على بدء تنفيذ إستراتيجية الرئيس الأمريكي بوش الجديدة ـ القديمة في العراق والمراقبون يتساءلون هل هناك أسباب تدعو للتفاؤل؟ طرح هذا السؤال في واشنطن بمناسبة دخول الحرب عامها الخامس ورد الجمهوريون بأنهم حققوا بعض التقدم متناسين الصفعة التي تلقوها في الانتخابات التشريعية النصفية في نوفمبر 2006 وتعرضهم لهزيمة نكراء لكنهم مازالوا يراهنون على مستقبل مجهول كلاعبي البوكر ويصرخون بأنه ينبغي توفير الوقت والفرصة للقائد العسكري الجديد في العراق دافيد بيتراوس لتحقيق نتائج ميدانية إيجابية. لقد مارس الأمريكيون ضغوطاً دنيئة على الحكومة العراقية لسن قانون النفط الجديد الجائر بعجالة ودون تأني أو تروي وبعيداً عن رأي ومشورة الخبراء النفطيين العراقيين المخلصين وهو قانون يبدد ثروة العراق النفطية ويبيعها في المزاد العلني إذ أفادت مصادر دبلوماسية موثوقة أن واشنطن اشترطت لانسحابها المستقبلي من العراق تشريع قانون النفط بالمواصفات والشروط التي تضمن مصالحها الحيوية والاقتصادية والتي أملتها ومنعت المناقشة أو التفاوض بشأنها . وقد أشار نواب وسيناتورات جمهوريون في الكونغرس مؤخراً كتدعيم لتفاؤلهم إلى قانون النفط العراقي الجديد وتوزيع الثروات توزيعاً " عادلاً" بين مختلف مكونات الشعب العراقي وأن هناك اتفاق تم بين الأطراف السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية بهذا الصدد . كما استشهدوا باختفاء وتبخر ميليشيات جيش المهدي التي يقودها مقتدى الصدر المختفي عن الأنظار والذي يعتقد أنه لاجيء في إيران وأنه لاتوجد مخاطر في إدخال القوات الأمريكية إلى مدينة الصدر معقل مقتدى الصدر وميليشياه الخطيرة حسب قول الأمريكيين وأن هناك إمكانية لإيجاد قاعدة عسكرية ثابتة لتلك القوات تمنع عودة الميليشيات الخارجة على القانون. ولقد ذكر المتحدث الرسمي بإسم القوات الأمريكية في العراق الجنرال وليم كلادويل أن ضحايا فرق الموت قد انخفض كثيراً إلى أكثر من النصف منذ بدء تطبيق خطة أمن بغداد في 13 شباط الماضي. وتدعي الحكومة العراقية أن عدد الضحايا المدنيين انخفض هو الآخر من 1440 في الشهر إلى 265 هذا الشهر في حين ارتفع عدد الهجمات والتفجيرات بواسطة السيارات المفخخة خلال شهري شباط وآذار والحال أن تنظيم القاعدة الإرهابية ما يزال ينشط وينفذ العمليات الانتحارية الدامية ويأمل في تفجير الصراع والصدام الطائفي بين الشيعة والسنة بأي ثمن. وقد كان مؤشر معهد بروكينغز الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز متفائلاً نسبياً وقال أن هناك بصيص من أمل ولكن بغياب قرائن ودلائل عن تحقيق تحسن وتقدم ملموس في الملف الأمني حتى الوقت الحاضر. كما أعلنت قوات الجيش والشرط العراقية اعتقال مئات الإرهابيين والعثور على العديد من مخابئ الأسلحة و ورشات تفخيخ السيارات في أنحاء مختلف من العراق. وفي نفس الوقت صرح وزير الدفاع الأمريكي روبيرت غيتس :" أننا ما نزال في البداية ولكن التعهدات التي قطعناها على أنفسنا التزمنا بهاو بقي على الجانب العراقي أن يفي بتعهداته وبحصته من الاتفاق وينبغي انتظار فترة الصيف القادم للمس النتائج والحكم عليها" . ولقد اضطر الجمهوريون القبول بفكرة تنظيم حلقة نقاش حول الحرب في مجلس الشيوخ بعد أن رفضوا الفكرة في السابق وبشدة وأوصدوا الطريق أمام أي تصويت على سحب القوات العراقية من العراق الأمر الذي طالب به الديمقراطيون بإلحاح مستندين إلى التظاهرات الجماهيرية التي انطلقت في أمريكا وعواصم عالمية أخرى المنددة بالحرب والمطالبة بحسب القوات الأمريكية من العراق فوراً.

وفي الأمم المتحدة تمت مناقشة خطة لتنمية وتطوير العراق اقتصادياً في نيويورك في 16 آذار بمبادرة من الأمين العام للمنظمة الدولية الجديد بان كي مون بدعم وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية وبحضور ومشاركة 100 وفد من الدول الأعضاء ومنهم كل جيران العراق وبمشاركة المنظمات والمؤسسات المالية الدولية وتفعيل الاتفاقات السباقة للسنوات الخمس القادمة وبمشاركة العراق بشخص نائب رئيس الجمهورية العراقي الدكتور عادل عبد المهدي ولقد تعهدت بغداد بموجب هذا الاتفاق بمعاملة الجماعات العرقية والطائفية وكل مكونات الشعب العراقي على قدم المساواة وتوزيع الثروات النفطية بينها بعدالة وإنصاف وكذلك تعهدت بمحاربة ومكافحة الفساد وتبني الصرامة والتقشف في نفقات الميزانية العراقية ووقف الهدر والتبذير والسرقات بيد أن ذلك كله مازال في إطار الحسابات النظرية التي قد لا تتحقق على أرض الواقع إذا لم يخرج العراق من نفق الفوضى والدمار ولم يتم التوصل إلى أرضية سياسية عراقية مشتركة ومقبولة من قبل الجميع .

من هنا أتوجه إلى المسئولين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي الأستاذ نوري كامل المالكي كسياسي ومثقف وإعلامي عراقي يتألم ويشعر بجرح العراق ويشاطر أهله معاناتهم، وأتوسل إليهم إنهاء معاناة الشعب العراقي والعمل فوراً وبأسرع وقت ممكن على توفير الخدمات الأساسية للعراقيين وأهمها الكهرباء والوقود والبنزين والغاز وهذه ليست مطالب مستحيلة أو تعجيزية وهي الكفيلة بجعل المواطن العراقي يلمس لمس اليد ما سيتم من إنجازات تتعدى الوعود الكلامية المعسولة والعمل بجدية على توفير الدخل المناسب لكل مواطن لكي يعيش بكرامة بعيداً عن العوز الذي يدفعه للسقوط فريسة سهلة بين أيدي الإرهابيين والقوى المعادية التي تشتري كل شيء بالمال مستغلة حاجة المواطنين وعوزهم وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار الفاحش وانتعاش السوق السوداء . وأخيراً تحسين الخطاب الإعلامي الرسمي وإضفاء المصداقية عليه وجعله اقرب لقلوب الناس وأكثر قابلية على التأثير من خلال الصراحة والشفافية والحرية في التعبير والجرأة على قول الحقيقة.