الاتحاد / توماس فريدمان

هل بدأت المملكة العربية السعودية تؤدي اليوم الدور الذي كانت تضطلع به مصر إقليمياً ذات يوم؟ ذلك هو السؤال الذي طالما رددته الدوائر والأوساط العربية، مع ما يرى من نشاط دبلوماسي ملحوظ للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مقارنة بتراجع الدور الدبلوماسي المصري، مع العلم بأن مصر كانت هي القيادة التقليدية للعالم العربي. فخلال الأشهر القليلة الماضية، رأينا الملك عبدالله وهو يعنّف "حزب الله" علناً، لشنه حرباً لا مبرر لها على إسرائيل. كما رأيناه وهو يعقد صفقة لوقف إطلاق النار بين حركتي "حماس" و"فتح" في قطاع غزة. بل رأينا كيف سعى العاهل السعودي خلال الفترة نفسها، لترويض النمر الإيراني محمود أحمدي نجاد، إضافة إلى ما سرى من شائعات حول لقاء تم بين مسؤول سعودي رفيع المستوى، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. وفيما لو حدث ذلك اللقاء بالفعل، فإنه جاء على الأرجح، في إطار خطوة تمهيدية سابقة لقمة الرياض، والتي ستنعقد في الفترة بين يومي 28 و29 مارس الجاري. ويتوقع أن يستضيف الملك عبدالله هذه القمة، إحياءً لمبادرة السلام التي كان قد تقدّم بها في فبراير 2002، مع العلم بأنها المبادرة التي وعدت إسرائيل بتطبيع عربي كامل، مقابل انسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة.

وطالما أن مصر تبدو كما لو أن المد قد جرفها حالياً، بينما تطفو السعودية فوق سطح بحر من العائدات النفطية الهائلة، فليس ثمة ما يستدعي الدهشة، من تأكيد هذه الأخيرة لدورها على هذا النحو، متقدمةً الصف العربي. وبالنظر إلى مكانة المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي، فإن دوراً قيادياً كهذا من جانبها، يمكنه أن يؤتي ثماره للمنطقة بأسرها، لكن شريطة أن يقوم العاهل السعودي بما سبقه إليه الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أي السعي الجاد لإبرام صفقة سلام مع إسرائيل.

وفي اعتقادي أن أكثر ما تحتاجه بِركة المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية الآن، هو أن يلقى فيها حجر عاطفي يحرك مياهها الآسنة. ولذلك فمن الوهم أن نتوقع أن يحرك مياه هذه البركة، مجرد تأكيد ثانٍ لتلك المبادرة التي كان قد تقدم بها الملك عبدالله عام 2002. وفيما لو قرر العاهل السعودي الأخذ بزمام المبادرة، وهو له من الاستقامة والمصداقية ما يؤهله لذلك، فإنه بحاجة إلى الإقلاع من قمة الرياض المرتقبة، مباشرة إلى تل أبيب، كي يعرض شخصياً مبادرته السلمية للشعب الإسرائيلي. تلك هي الخطوة التي خطاها القائد العربي الراحل أنور السادات، عندما عقد العزم على إبرام صفقة للسلام. وتساورني قناعة لا تهتز، بأنه فيما لو أقدم العاهل السعودي على هذه الخطوة، فسيكون بوسعه وضع حد نهائي وشامل للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.

وإنني لأتقدم باقتراح متواضع للعاهل السعودي، أدعوه فيه إلى التوقف خلال رحلته هذه، في أربع محطات. أقترح أن تكون أولاها في المسجد الأقصى بالقدس الشرقية. فبصفته خادم الحرمين الشريفين، فباستطاعته انتزاع ذلك المطلب العربي الإسلامي بالمسجد الأقصى، فيما لو أدى الصلاة فيه. ومن هناك يمكنه التوجه إلى رام الله، وإلقاء خطبة في البرلمان الفلسطيني، يوضح فيها أن مبادرته إنما ترمي لتمكين الفلسطينيين وإعلاء يدهم في إبرام صفقة سلام شاملة مع إسرائيل، شريطة انسحاب الأخيرة من كامل أراضيهم التي احتلتها. وفي إمكانه أن يضيف أيضاً أن العالم العربي على استعداد لدعم أية صفقة يتوصل إليها الفلسطينيون مع تل أبيب، سواء تعلقت بحق اللاجئين في العودة، أم بتبادل الأراضي، فإنها يمكن أن تتضمن إمكانية بقاء بعض المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مقابل حصول الفلسطينيين على ما يعادلها من "الأراضي الإسرائيلية". أما المحطة الثالثة، فيمكن أن تكون "ياد فاشيم" وهي موقع تذكاري لستة ملايين يهودي قتلوا فيما يعرف بجرائم "الهولوكوست" النازية. ذلك أن لزيارة كهذه أثراً سحرياً خاصاً على قلوب اليهود، فضلاً عن أنها تؤكد لهم رفض العالم الإسلامي لإنكار الرئيس الإيراني المتشدد، أحمدي نجاد، لتلك الواقعة التاريخية المؤسفة، فوق قدرتها على وضع ختم نهائي على صفقة السلام المأمولة. ثم ينتهي به المطاف أخيراً إلى الكنيست الإسرائيلي، حيث يمكنه عرض مبادرته السلمية.

وأرجو ألا يحسبنّ أحد أنني واهم أو حالم فيما أقول. وإلا فهل تبز أوهامي طوباوية أولئك الذين يعتقدون أن في إمكان المراوحة التي نراها الآن في حل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، أن تفضي إلى أي اتجاه كان؟ ذلك هو الوهم بعينه. وإني لأعلم أن تنظيم "القاعدة" لن يرضى عن مبادرة سعودية كهذه، ولكن ما الجديد في هذا الأمر أصلاً؟

وكان الملك عبدالله قد كشف عن مبادرته التي تبنتها قمة بيروت، للمرة الأولى خلال حوار صحفي أجريته معه في منزله بمدينة الرياض عام 2002. وما أن جلسنا معاً، حتى بادرني بالقول: "إن دافعي وراء اقتراح مبادرة سلام شامل مع إسرائيل، مقابل انسحابها الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، هو أن أبرهن للشعب الإسرائيلي، على حقيقة أن العرب لا يحتقرونهم أو ينبذونهم كشعب، إنما هم يحتقرون وينبذون ما تفعله قيادتهم وحكومتهم بحق الفلسطينيين، من أعمال قمعية ولا إنسانية. وقد عنَّ لي أن في إشارة كهذه، مغزى قابلاً لأن يتفهمه الشعب الإسرائيلي". لكن ها قد حانت اللحظة التي أضحى لزاماً علينا فيها تجاوز الإشارات والرموز، إلى حيز الممارسة والفعل. فإذا ما كان في خاطر العاهل السعودي، مجرد كسب مزيد من الأرصدة السياسية الدبلوماسية، إقليمياً وعالمياً، فإن في وسعه عقد قمة الرياض المرتقبة، وإعادة إطلاق مبادرته السابقة مجدداً، ثم يغادر مكان القمة، لينام هانئاً قرير العين بما أنجز. أما إن أراد أن يكتب التاريخ ويسجل اسمه بأحرف من نور في مسار عملية السلام المتعثرة الكسيحة، فعليه ألا يكتفي بمجرد إعادة إطلاق مبادرته تلك فحسب، وإنما أن يحملها ويبشر بها شخصياً.