قد يلخص هذا العنوان سياسة وطريقة تفكير قادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حيال العالم الثالث وشعوبه؛ وهي سياسة قائمة على قاعدة " نهب الثروات " أو الحصول عليها بأبخس الأسعار، مقابل تصدير السلاح بأغلى الأسعار؛ بل وتوجيه هذه الأسلحة إلى صدور أبناء هذه الشعوب. اليوم لم تعد سياسة النهب أو سرقة الثروات وحدها، هي السياسة الرائجة. هناك نمط جديد من الانتهاك. إن أهم صادرات الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى العالم الثالث، وخصوصاً إلى المنطقة العربية( وبشكل أخص إلى العراق اليوم) لم تعد مجرد تصدير لقطع سلاح سرعان ما يتحول إلى " خردة " نتيجة عدم استعماله؛ بل أصبحت التجارة قائمة كلياً على إرسال المرتزقة والمأجورين، الذين راحوا يستبيحون الأرض والعرض والمال والحضارة. هؤلاء المرتزقة يجري تجنيدهم محلياً أو في الخارج من أجل أن يقاتلوا أو يشاركوا في النزاعات المسلحة والأعمال العدوانية، تحفز الواحد منهم مشاعر الاشتراك في إنجاز هذا النوع من الأعمال لصالح شركات أمنية متخصصة، ولتحقيق مغانم مالية شخصية والحصول على تعويضات كبيرة تتجاوز ما يحصل جنود قوات الاحتلال.

قد ينخرط هؤلاء في العمل لأغراض أيديولوجية ودينية، ولكنهم في الحقيقة مستأجرون من أجل المال. وهم لقاء القيام بأعمال قتالية أو شن الهجمات في بلد أو نزاع غير خاص بهم، إنما يؤدون مهمات قذرة لصالح شركات أمنية تقوم بتجنيدهم وإيفادهم.والفرد – من هؤلاء- يعتبر موفداً بمهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع، بوصفه عضواً في قواتها المسلحة. إن لحظة تفكير واحدة في أوضاع هؤلاء تبيّن لنا كيف أن آلافاً من المرتزقة باتوا يعيثون فساداً وقتلاً وتدميراً في بلدان العالم الثالث، ولاسيما في المناطق الساخنة منه كما هو الحال في العراق وفلسطين والصومال ولبنان والسودان ( دارفور) وأفغانستان وكل النقاط الملتهبة في المنطقة.وبالطبع لا يخجل قادة الولايات المتحدة الأمريكية من الأنباء التي تحملها كل يوم القنوات الفضائية عن الفظائع التي يرتكبها هؤلاء. وكانت فضائية الجزيرة بثت برنامجاً عن أعمال المرتزقة في العراق مساء يوم 2/12/2005 تضمن أشرطة وثائقية صادرة عن شركة N.GENS يؤكد أن هناك ما يزيد عن 150 ألف مرتزق في العراق لا يخضعون لأي قانون، وهم إما متعاقدون أو " مدنيون " قدموا من بلدان عدة، وعملوا على إخفاء هوياتهم الأصلية.ومن بين البلدان التي يتدفق منها هؤلاء صربيا وروسيا وأمريكا وبريطانيا وجنوب أفريقيا، ويتقاضى كل مرتزق نحو 1500 دولار يومياً، وهم يطلقون النار على المدنيين على أنغام موسيقى الفيس برسلي، بينما يرتجف الأطفال في الشوارع هلعاً وخوفاً من طريقتهم في ممارسة القتل.

إن الهدف من هذه الفظائع هو إلصاق التهمة بالمقاومة. إنهم ليسوا ظاهرة جديدة، بل وجدوا بأشكال متنوعة منذ زمن طويل، وكانت الدوال الاستعمارية تستخدمهم لقمع حركات التحرر الوطني، ولمنع الشعوب الرازحة تحت الهيمنة الاستعمارية من ممارسة حقها في النضال لطرد الغزاة. كما أن هؤلاء استخدموا لزعزعة الاستقرار وإضعاف الحكومات الوطنية أو المستقلة حديثاً؛ إذ كانوا في غالب الأحيان يقاتلون إلى جانب " جماعات مسلحة " تتخذ منهم حلفاء لها، ومابرحوا يرتبطون بشكل متزايد بصلات وثيقة مع جماعات ضالعة بتجارة المخدرات وتهريب السلاح وحتى بعصابات الاتجار بالبشر. ومن بين أهم العوامل التي تجتذب هؤلاء إلى بلد ما هناك ثلاثة عوامل مركزية:

الأول: وجود نزاع مسلح ( دولي أو داخلي على حد سواء)

الثاني: عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن الاقتصادي

الثالث: حاجة الأشخاص المتورطين في النزاعات إلى مليشيات شخصية، أو وجود حاجة لتأمين الحماية لبعض الشخصيات السياسية.

هؤلاء المرتزقة هم قوة الدعم الحقيقية لفرق الموت وللمليشيات الإجرامية في العراق.

لقد حان الوقت- وإنْ تأخر كثيراً- للكشف عن هؤلاء المأجورين الذين يرتكبون المجازر في العراق، وفضح جرائمهم ومن يساندهم والكشف عن جرائمهم ضد العلماء والفنانين والكتاب والصحفيين. هاهم المرتزقة في العراق الجريح يقبعون في سياراتهم يشاركون المليشيات الإجرامية في ارتكاب الأعمال الفظيعة في المناطق الشعبية ويستبيحون دماء الأطفال والشيوخ والنساء.على أن ما هو أشد إجراماً اليوم في العراق أن يقوم المرتزقة بنسب هذه الأعمال إلى مسلمين أو عرب- والإسلام والعرب منها براء-. إن أعمال الاغتصاب التي جرت مؤخراً هي لطخة عار في جبين المحتلين وأعوانهم من المرتزقة. فهل تغتصب نساؤنا ويقتل أطفالنا بأموالنا؟ ذلك هو شعار الغزاة : بأموالكم نقتلكم ونهتك أعراضكم. ولكن بشارة النصر تلوح برغم الظلام .