وزير الإعلام الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي، في أوّل جولاته، أبلى بلاءً حسناً، وتحديداً يوم السبت 24 الجاري حين عقد مؤتمراً صحفيّاً تمّ فيه توزيع شريطين على الصحفيين، يفضحان أحدث جرائم الاحتلال ممثّلين بجنوده وكلابه .

أحد الشريطين سجّل اعتداء كلب (إسرائيلي)عسكري على امرأة فلسطينيّة من بلدة (العبيديّة )، وهي من قرى عرب السواحرة القريبة من بيت لحم ...

هل رأى العالم المشهد الطويل لاعتداء ذلك الكلب المجنّد في جيش ( الدفاع)، والمحقون بكراهيّة الفلسطينيين، وهو يعّض المرأة الفلسطينيّة، وهي تقاوم بكّل طاقتها لافتكاك يدها من فمه الشرس، أمام لامبالاة الجنود، وعدم جدّيتهم في إصدار أمر له بترك يّد السيّدة، وإذ تنجح في انتزاع يدها من بين أشداقه، فإنه يهجم على يدها الأخرى، بينما زميله الجندي المشدود وإيّاه برباط واحد، يجذبه بوّد حتى لا يزعجه ويجرح مشاعره !

كان الصحفي الراحل مصطفى أمين يعتبر أنه أحدث ثورة في عالم الصحافة ، بتغييره لمفهوم الإثارة ، فهو بدّل مفهوم الخبر من : عّض كلب رجلاً ..إلى :عّض رجل كلباً !

الفلسطينيّون يعيدون بمعاناتهم الخبر إلى جوهره، فالكلب هو الذي يعّض الرجال والنساء والأطفال في فلسطين .
الدكتور مصطفى البرغوثي شاهدته قبل أيّام على فضائية الجزيرة في(جولة) مع أحد أركان وزارة الخارجيّة الأمريكيّة في برنامج (وراء الخبر) ، وقد أبلى بلاءً حسناً في ردوده الحاسمة على انحياز الإدارة الأميركية ( لإسرائيل)، ونطقها بلسانها لا بلسان أمريكي!

ورفض تمييز الإدارة الأمريكيّة بين أعضاء الوزارة الفلسطينيّة الواحدة، بين وزراء حماس وفتح والمستقلين، لأن الوزارة واحدة وممثلة لشعب واحد .

المؤتمر الصحفي الذي عقده الدكتور البرغوثي في رام الله، وشاهدنا وقائعه على الجزيرة والذي أدان فيه رئيس وزراء الكيان الصهيوني (أولمرت)، ووزير دفاعه، وحمّلهما مسؤولية جريمتي اعتداء الكلب على السيدة الفلسطينيّة، والاعتداء بالضرب من عدّة جنود على شاب فلسطيني على حاجز حوّاره قرب نابلس، هو الخطاب الإعلامي و..السياسي الذي افتقدناه منذ فترة غير قصيرة.

لقد ساد النفاق، والمجاملة، وهيمنت الحسابات الشخصيّة على تفكير المسؤولين الفلسطينيين الذين لا يريدون أن يخسروا(علاقاتهم) الشخصيّة مع(الإسرائيليين) والأمريكان، حتى لا يرفضوهم، ويقاطعوهم، ويحرموهم من نعمة القبول بهم كمفاوضين معتدلين!

لغة الشجب الفارغ، والتعميم، وميوعة الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني ينبغي أن تنتهي ، وأن ينتقل الجميع مع شعبهم إلى خطاب حازم في وجه الاعتداءات ( الإسرائيليّة ) اليوميّة على أرضنا، وشعبنا، لنستعيد روح المقاومة ووضوحها في توحيد طاقاتنا، والتوجّه لأمتنا، وفضح حقيقة دور الكيان الصهيوني ككلب حراسة في منطقتنا .
ألم تفضح تصريحات سفير الولايات المتحدة الأمريكيّة السابق في الأمم المتّحدة الصلف والعدواني جون بولتون لموقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإلكتروني، دور(إسرائيل) في منطقتنا العربيّة ككلب حراسة، وهو يعترف بعرقلة أمريكيّة لتمرير قرار أممي بوقف إطلاق النار_ الحرب المدبّرة أمريكيّاً على لبنان _قبل أن تبلغ(إسرائيل) هدفها المكلّفة به تدمير حزب الله ؟!

تصريحات بولتون تكملها شهادة شمعون بيرس أمام لجنة فينوغراد التي قال فيها بأنه لو كان الأمر بيده لما وافق على حرب تموّز !

وزير الإعلام الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي مؤهّل لتقديم خطاب إعلامي فلسطيني ينقل معاناة الفلسطينيين ومطالبهم الوطنيّة للعالم، ولكن الأمر لا يعود لشخصه فهو لا يمثّل نفسه، والخطاب يفترض أن يحمل بدقّة وأمانة صوت الوزارة الواحدة المعبّرة عن رؤية واحدة لا نشاز فيها !

إذا كان الخطاب الإعلامي يبدأ قويّاً، فإنني أرى أن الخطاب السياسي يبدأ باللعب، فتصريحات وزير الخارجيّة الدكتور زياد أبوعمرو حول ما سيجري في مؤتمر قمّة الرياض لا تبشّر بخير: ستبحث في تنفيذ آليات المبادرة العربيّة ... !
عن أية آليات يتحدّث الوزير الفلسطيني؟ آليات الالتفاف على حّق العودة استجابة لأوامر كونداليسا رايس والإدارة الأمريكيّة، وخضوعاً لمطالب ليفني وأولمرت قمّة الرياض بتعديلات على المبادرة لتصير مقبولة، وخّاصة حّق العودة الذي يجب أن يلغى بآليات تفسيريّة، كأن ينّص على حّق عودة الفلسطينيين إلى دولتهم، والتعويض على من لا يريد العودة ، وتوطين من يريد أن يتوطّن حيث يقيم في بلد عربي ما؟!

الصحافة ( الإسرائيلية) سرّبت نبأً عن لقاءات (إسرائيليّة ) مع مسؤول سعودي رفيع المستوى ..والأمر فضحته ( القدس العربي) ، وكشفت عن الشخصيّة السعوديّة وهو بندر بن سلطان شخصيّاً !

خطاب إعلامي قوي نريده أن يمثّل كل الوزراء، وعزيمة شعبنا وجاهزيته للمقاومة، وخطاب سياسي لوزير الخارجيّة لا يمثّلنا، ونريده أن يختفي من حياتنا، فهذا الخطاب التبريري هو امتداد لخطاب وتفكير ونهج أوصلنا إلى ما نحن فيه !
ترى : هل سنكون أمام خطابين ، خطاب إعلامي يقول ولا يفعل _ تأكد لي أن وزير الإعلام البرغوثي ليس من صلاحياته الإشراف على وكالة وفا، ولا على الإذاعة والتلفزيون ، يعني وزير بلا أجهزة إعلاميّة !_ وخطاب سياسي يقود إلى الوهم، والرهانات الخاسرة، وتفكيك الصفوف، والضياع وراء السراب ...

الأيام القليلة القادمة ستكشف آليات التحايل والتمويه والالتفاف على المبادرة العربيّة لإفراغها من أي عناصر إيجابيّة فيها، ووضعها كلّها في خدمة الإدارة الأمريكيّة والكيان الصهيوني، حتى لا تبقى حاجزاً يعترض المخططات الأمريكيّة العدوانيّة سواء في العراق، أو الحصار والعدوان على إيران وسوريّة ، والتآمر على لبنان ومقاومته ...