تعقد في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، يومي الـ28 والـ29 من آذار 2007 قمة عربية وصفت سابقاً بأنها (قمة القمم)، إشارة إلى أهمية القرارات التي قد تتخذها.

القمة الجديدة تأتي بعد سلسلة من الأحداث (القمة) سياسياً على الصعد العربية والإسلامية، وحتى الدولية ذات الصلة. وإذ يشار إلى (قمة مكة) (8/2/2007) التي جمعت بين قادة حركتي فتح وحماس لإنهاء مسلسل من الأحداث الدامية في الضفة والقطاع، وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أملاً بكسر الحصار الذي فرض على الفلسطينيين بعد أن مارسوا عقوقهم الديمقراطي فجاءت الرياح، التي وضعت حداً لما عرف في العلاقات الدولية بـ(مبدأ ترومان) على عكس ما تشتهيه السفن، فإن اجتماعاً للرباعية الدولية عقد في واشنطن يوم الـ2 من شباط الماضي، أي قبل 6 أيام من اجتماع مكة، طرحت خلاله وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس مبادرة أمريكية جديدة لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، و(طريقة المضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية).

وإذ لابد من التوقف عند مؤتمر إسلام آباد الذي ضم وزراء خارجية سبع دول عربية وإسلامية، فإنه لابد من الإشارة إلى مؤتمر بغداد (10/3/2007) الذي ضم مندوبين عن دول الجوار العراقي وآخرين يمثلون أطرافاً دولية معنية بالمأزق العراقي، وهو المؤتمر الذي وصفه جون هيوز مساعد وزير الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي ريغان بأنه (مؤتمر كسر الجليد)، في العلاقات الأمريكية- السورية، والأمريكية- الإيرانية.

أما مؤتمر إسلام آباد (25/2/2007) الذي ضم وزراء خارجية باكستان والسعودية والأردن ومصر وتركيا وماليزيا وأندونيسيا، ولم تدع إليه سوريا وإيران لأسباب لا يعرفها إلا الضالعون بالعلم، وإن كان ليس من العسير التكهن بها، في سياق الأجواء المصاحبة لولادة مصطلح هو (الاعتداليون) و(المتطرفون) العرب، فإن المؤتمرين دعوا إلى (حل الأزمة – الخطيرة) – المتمثلة ببرنامج إيران النووي عبر الطرق الدبلوماسية، في حين طالبت إسلام آباد بـ(ضرورة اتخاذ مبادرة جديدة لتسوية نزاعات) الشرق الأوسط. وبعد أن أكد المشاركون في الاجتماع (مركزية) القضية الفلسطينية التي (لابد من حلها دون تأجيل)، قال وزير خارجية باكستان، وفي عبارة لافتة من حيث البناء، تنبئ بمحورية مقاصد الاجتماع.. (طالما أن الجانب الآخر – وهو يقصد إسرائيل- لم يتعاطَ إيجابياً مع مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز، فإننا لن نترك الأمور على ما هي عليه) (الحياة 26/2/2007).

مبادرة العاهل السعودي أو (مبادرة السلام السعودية) التي أقرتها القمة العربية الرابعة عشرة التي عقدت في بيروت في آذار 2002، سبقها كلمة لولي العهد السعودي (آنذاك)، ليس فيها من ذكر لـ(حق العودة)، إنما ورد في نص المبادرة أن الدولة العربية تطالب إسرائيل بـ(التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يُتفق عليه، وفقاً لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة ذي الرقم 194) (السفير 19/3/2007). وهذا يعني أن الدول العربية تدعو إسرائيل إلى قبول حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين لا يقوم على هذا القرار، وإنما على ما يُتفق عليه من أساليب ووسائل وطرائق يسمح الأخذ بها بالادعاء بأن القرار الدولي قد نفذ، وانتهت بالتالي كل شرعية للمطالبة بتنفيذه. فأي تعديل للقرار 194 أو تجاوزه ولو بالتراضي يعني إلغاءً له. وإذ يذكرنا هذا بإلغاء القرار الدولي الذي (يساوي بين الصهيونية والعنصرية) بعد أن كان إصداره أكبر إنجاز تم تحقيقه في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني، فإنه يذكرنا أيضاً بـ(الإلغاء بالتعديل) الذي تعرض له ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية يوم 24 نيسان 1996.

الهدف الكامن في أي تعديل قد تتعرض له المبادرة العربية لعام 2002 قد يأذن بعودة جزء ضئيل من اللاجئين الفلسطينيين، لأسباب إنسانية، إلى حيث كانوا قبل تهجيرهم من هناك. وإذا ما أخذنا بالشروط الخاصة بالسماح لعدد ضئيل من اللاجئين والتي وضعها يوسي بيلين، أحد عرابي اتفاق أوسلو، إثر توقيع اتفاق وادي عربه، فإن التطبيق العملي لها يعني أن (لا عودة لأي لاجئ). ذلك أن الشروط المشار إليها كانت تقضي بعودة (الأصول) لا (الفروع) الذين يفترض أن يكونوا على قيد الحياة بعد هذه السنوات الطويلة من اللجوء، بمعنى أنه لا عودة لمن ولد من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ذلك أنهم، حسب أحدث دراسة وضعها مركز بيغين- السادات التابع لجامعة بارإيلان (2/3/2007)، (ليسوا فلسطينيين، وإنما هم مواطنون في الدول التي يقيمون فيها). أي يتعين توطينهم حيث هم. أو تفتح لهم أبواب الهجرة إلى كندا وأستراليا.

وإذا كان من عودة للاجئين فلتكن، وفقاً لما ذهبت إليه أدبيات أوسلو ومشتقاتها من مبادرة جنيف (بيلين- عبدربه) ومبادرة الاستفتاء الشعبي (نسيبه- أيالون) إلى (الدولة الفلسطينية الموعودة). وهذا ما تطالب به وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني، وهي تدغدغ أوهاماً في حديثها عن مبادرة خاصة بها تقر بـ(حق العودة) للاجئين إلى دولتهم الفلسطينية. التي قالت إنها ستكون وطناً قومياً لهم، يقابله اعترافهم بأن (إسرائيل وطن قومي لليهود)، أي الاعتراف بـ(يهودية) الدولة العبرية. وحتى يستقيم للصهاينة هذا التوجه، فإن ديموغرافييهم مثل أرنون سوفير، وسرجيو ديلافيرغولا، يرون في رعب الداخل قنبلة موقوتة ينبغي التخلص منها. لم يقل هذا بنيامين نتنياهو فقط وهو يتحدث عن المناعة القومية للدولة العبرية أمام مؤتمر هرتسيليا الثالث، بل تبناه رئيس جهاز الشاباك بوفال ديسكين الذي رأى في أحدث تقرير (مرعب للإسرائيليين) أن عرب الداخل يمثلون (خطراً استراتيجياً حقيقياً للمدى البعيد) على الطابع اليهودي للدولة العبرية، وعلى مجرد وجود إسرائيل كدولة يهودية، كما قال (معريف 13/3/2007).

وإذ يعتبر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس أن إقامة دولتين: فلسطينية وإسرائيلية هو الحل الذي يكتسي (عنصر العدالة) فإنه يقول إن (ثمة حلين آخرين هما: إما أن يطرد اليهود كل العرب عبر النهر (الأردن)، أو أن يرمي العرب كل اليهود في البحر (المتوسط).. ولست متأكداً من أن أحدثهما لن يحدث. فالمشكلة التي نشأت في العام 1947 (ولادة قضية اللاجئين الفلسطينيين- وضعها كتاباً بهذا العنوان عام 1987) لاتزال قائمة.. العرب لن يرضوا بوجود إسرائيل.. لابد من تغيير جذري في الفكر من أجل أن يحل السلام) (السفير 12/3/2007 نقلاً عن واشنطن بوست).

الفكر الذي تحدث عنه بيني موريس، وقد تاب عن انتقاده للصهيونية عندما كان رائداً في ظاهرة (المؤرخين الجدد)، عبّرت عنه ليفني في خطابها أمام المؤتمر السنوي للجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، إذ دعت العرب إلى أن (لا تنتظروا حلول السلام قبل أن تطبعوا العلاقات. عليكم الشروع بتطبيع العلاقات منذ الآن). وخاطبت الاعتداليين العرب قائلة (إنكم تملكون القوة لتغيير الواقع. وإذا اهتممتم بتطبيع العلاقات فإن هذا سيزيد فرص تحقيق السلام). وإذ تضع ليفني التطبيع أولاً قبل السلام، فإنها تنطلق من موقف (أمني) قالت إنه غير قابل للمساومة عليه، كما أنها ورئيس الحكومة إيهود أولمرت يتعاملان مع المبادرة العربية بانتقائية كونها تتضمن (عناصر إيجابية يمكن التعامل معها بجدية)، رغم أنها (المبادرة) جعلت في المضمون (ما احتل عام 1948/ 1949 مقابل ما احتل عام 1967).

إن ما تسعى إليه إسرائيل هو إحداث تعديلات في مضمون المبادرة العربية تتعلق بقضيتي الحدود واللاجئين: أي الإقرار بألا عودة إلى حدود عام 1967، ولتثبيت ما يعرف بـ(الحقائق على الأرض) فقد ضمت منطقة الأغوار، وتراجعت عما عرف بـ(خطة الانطواء) في الضفة الغربية، الشبيهة بخطة شارون (الانفصال) عن قطاع غزة.

إن إسرائيل التي تضع العربة أمام الحصان، تطالب العرب في قمتهم القادمة إدخال ما ترغب من تعديلات على مبادرتهم التي وصفها بمبادرة (الحد الأدنى) والقبول بالحقائق التي أقامتها على الأرض، قبل الدخول في مفاوضات سلام تتناول قضايا الحل الدائم. فإن قبل العرب بهذه الشروط، عندها (يمكن أن تكون المبادرة العربية في صيغتها الجديدة قاعدة لعملية سياسية جديدة مع الفلسطينيين). فإن فعلوا وفّروا ما يصفه ألوف بن الكاتب السياسي في صحيفة هآرتس (13/3/2007) بـ(الأوكسجين السياسي) لرئيس حكومة تقلص التأييد الشعبي له، وهل يمدون حبل النجاة لرئيس حكومة يترنح تحت تداعيات الحرب الأمريكية- الإسرائيلية على لبنان؟

عشية القمة العربية وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة والتقت يوم السبت 24 آذار 2007 نظراءها في الرباعية العربية (مصر والأردن والسعودية والإمارات) في القاهرة، تحت ستار (إعادة تفعيل مبادرة السلام العربية) التي أقرتها قمة بيروت، رغم أن الرباعية العربية أبلغت الإدارة الأمريكية عبر الملك عبد الله ملك الأردن رسالة مفادها أنه (ليس بوسعهم الدخول في خطوة مع إسرائيل قبل أن يدخل أولمرت في خطوة مع عباس)، وأنه (ليس عليها (الإدارة الأمريكية) انتظار أن تقدم القمة العربية في الرياض بشرى كبيرة) (السفير 12/3/2007). فهل تصمد البراغماتية العربية أمام الضغط الأمريكي؟