رغم انحسار تناول وسائل الإعلام المحلية لظاهرة ارتفاع الأسعار، قياساً بالحملة الشديدة التي شنتها على الحكومة والقطاع الخاص خلال الشهرين الماضيين، إلا أن ذلك لم يكن ليجعل وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر لطفي في منأى عن النقد اللاذع الذي تعرض له خلال محاضرته الأخيرة في ندوة الثلاثاء الاقتصادي، ولدرجة جعلت البعض يتهمه بالمسؤولية المباشرة والشخصية عن حالة ما سمي بـ(الفلتان السعري)..

في واقع الأمر لم تغب ظاهرة ارتفاع أسعار السلع والمواد في السوق المحلية عن اهتمامات أي من القطاعات والفعاليات الرئيسية، إنما الإجراءات الحكومية التي اتخذت وسلطت عليها الأضواء والانفراج النسبي الذي حصل على بعض الأسعار أدى على تراجع الظاهرة في اهتمامات وأولويات العمل العام، أو في المناقشات والحوارات التي جرت وتجري في الندوات والمؤتمرات، هذا إضافة إلى النقص الحاد في دراسات الأسواق المستمرة والتي يمكن معها اقتراح إجراءات لمعالجة أي خلل في أسعار السوق عوضاً عن انتظار تفاقم هذا الخلل وتحوله لعامل ضغط، فالسائد حالياً أن وزارة الاقتصاد ترفع دورياً لرئاسة مجلس الوزراء عرضاً موجزاً لأسعار السوق قبل نحو 15-20 يوماً وأحياناً تكون الفترة أكثر من ذلك، فيما تكون نتائج دراسات المكتب المركزي للإحصاء المعتادة أكثر أهمية لمناقشة واقع إنفاق الأسرة ومقارنته بالسوق وأوضاعه.

تباين واضح:

واستمراراً للاهتمام بحالة الأسعار نستعرض هنا أبرز النتائج الأولية التي خرج بها المكتب المركزي للإحصاء من دراساته حول الأرقام القياسية لأسعار المستهلك خلال العام الماضي 2006 وخلال شهر كانون الثاني من العام الحالي..

يؤكد الدكتور إبراهيم العلي مدير المكتب المركزي للإحصاء، الذي يجد نفسه دوماً في موقف الدفاع عما يطرحه من بيانات وأرقام إحصائية، أن نتائج هذه الدراسة تمت من خلال شبكة مزدوي المكتب بحركة أسعار السلع والمواد في مختلف محافظات القطر والذين يصل عددهم لنحو 900 شخص، مشيراً إلى أن دراسة الرقم القياسي لأسعار المستهلك لأشهر عام 2006 تمت بعد اعتماد أسعار العام 2005 كأسعار أساس (الرقم القياسي عام 2005=100).

تتوزع سلة احتياجات المواطن من السلع والمواد ومجموعاتها الفرعية والرئيسية على نحو 39 خانة تتقدمها الأغذية والمشروبات غير الكحولية، المشروبات الكحولية والتبغ، الملابس والأحذية، السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، التجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية للبيوت، الصحة، النقل، الاتصالات، الترويج والثقافة، التعليم، المطاعم والفنادق.. الخ.

في قراءة لبيانات الأرقام القياسية لأسعار المستهلك لأشهر عام 2006 ومقارنتها بالأرقام القياسية لشهر كانون الثاني يلاحظ ما يلي:

 وجود فارق بين الأرقام القياسية لأسعار السلع والمواد سواء لجهة الارتفاع غالباً أو الانخفاض أحياناً، فالرقم القياسي لجميع السلع كان في العام الماضي 110.03 بينما وصل في شهر كانون الثاني لنحو 115.07 وهذا أمر يبدو طبيعياً في ظل ارتفاع الأسعار الذي شهده الشهر الأول من العام الحالي مع أن الدراسات والتوقعات غير الرسمية ترى أن الارتفاع كان أعلى من ذلك بكثير، ومن السلع والمواد التي ارتفع رقمها القياسي الأغذية والمشروبات غير الكحولية التي ارتفعت من 112.17 في العام الماضي إلى 123.80 في الشهر الأول من العام الحالي وكانت في الأغذية تحديداً ترتفع من 112.68 إلى 124.87، كذلك الأمر بالنسبة للبيض واللبن والجبن التي ارتفع رقمها القياسي بشكل كبير، فيما شهدت الملابس ارتفاعاً بسيطاً بحسب دراسة المكتب المركزي من 113.37 العام الماضي على 115.75 في كانون الثاني الماضي، وهو حال إيجارات السكن والنقل والمطاعم والفنادق، فيما شهدت سلع ومواد أخرى انخفاضا كالزيوت والدهون التي كانت في العام الماضي تسجل رقما قياسا قدره 105.07 وفي شهر كانون الثاني الماضي انخفض الرقم لنحو 93.52، الترويج والثقافة كانت في العام الماضي 104.14 وفي كانون الثاني الماضي أصبح الرقم لأسعار المستهلك لهذه السلعة 99.66.. الخ.

لكنه بسيط!

 يلاحظ أن التغير الذي طرأ على الأرقام القياسية لأسعار المستهلك بين أشهر العام الماضي كاملاً أو بين الرقم القياسي المسجل خلال كانون الأول الماضي،وبين الرقم القياسي لأسعار المستهلك في شهر كانون الثاني الماضي هو تغير بسيط ولا يرقى إلى مستوى الارتفاع الذي شهدته الأسواق السورية خلال الفترة السابقة، ومع الأخذ بعين الاعتبار آلية حساب الأرقام القياسية، لكن يمكن الاطلاع على قراءة أخرى لتطور أسعار المستهلك لأهم السلع والمواد في السوق المحلية من خلال دراسة لوزارة الاقتصاد والتي تؤكد بشكل واضح وجود ارتفاع في أسعار المستهلك خلال الأعوام الأخيرة، فمثلاً بين العامين الأخيرين 2005 و2006 نجد أن بعض السلع ارتفعت أسعارها بشكل كبير، فمادة السكر ارتفع سعرها إلى نحو 33 ليرة العام الماضي، كذلك مادة الرز زاد سعرها من 30 ليرة إلى نحو 35 ليرة، البيض من 90 ليرة في العام 2005 إلى نحو 130 ليرة في العام الماضي، اللحوم من 425 ليرة إلى 500 ليرة.. الخ.

 اعتماد العام 2005 كسنة أساس في دراسة الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال العام 2006 يطمس جزءاً من التغيير الذي طرأ على السوق المحلية خلال السنوات الأخيرة ويفتح المجال لتقديم نتائج محدودة، وكان يمكن تلمس حجم التغير الذي طرأ على أسعار المستهلك في السوق المحلية في ظل ما شهده بداية العام الحالي فيما لو تم استمرار اعتماد المكتب المركزي للإحصاء العام 2000 كسنة أساس.. وهكذا سترتاح الحكومة من أي نقد يوجه لها بخصوص ارتفاع الأسعار خلال السنوات الأخيرة، وسيكون لها حجة تدفع فيها.. فعندما يرتفع الرقم القياسي من 110 إلى نحو 115 هو بنظرها ارتفاع طبيعي في ظل عدة عوامل أبرزها تحسن مستوى المعيشة؟!!

وفي المحافظات:

أما فيما يتعلق بوضع الأرقام القياسية لأسعار المستهلك حسب المحافظات، فإن هناك تفاوتاً بين المحافظات لجهة الرقم القياسي لمختلف المواد والسلع وذلك تبعاً لعدة أسباب أبرزها حجم الاستهلاك والإنتاج في كل منها ووتيرة النشاط الاقتصادي والتجاري فيها، ففي جانب جميع السلع تتصدر ريف دمشق المحافظات لجهة الرقم القياسي خلال شهر كانون الثاني الماضي تليها مدينة دمشق، وأقل رقم كان في السويداء..

وبالنسبة لوضع الرقم القياسي للسلع في المحافظات، ففي الأغذية كانت اللاذقية تسجل أعلى رقم ثم تليها دمشق، في خانة الملابس سجلت محافظة درعا أعلى رقم، فيما كانت محافظة الرقة تسجل أدنى رقم قياسي بإيجارات السكن الفعلية والمحتسبة ودمشق الأعلى..

بالمحصلة.. مستوى الأسعار للسلع والمواد ارتفع بشكل واضح خلال السنوات الأربع الماضية رغم حالة الانفتاح التي شهدتها البلاد والمزايا والتسهيلات التي منحت، والتي قد يقول البعض من القطاع الخاص أنها غير كافية أو لم تطبق كاملة ونحن نتفق مع ذلك، إلا أنه أيضاً يجب النظر إلى تلك التسهيلات من منظور ما كان سائد وما أصبح عليه الوسط التجاري والصناعي في الوقت الراهن.. إذا ما سبب ذلك؟

والأهم أن تعكس الدراسات التي تجرى لأسعار السوق من الجهات المعنية الواقع الحقيقي بشفافيته، لأنه بقدر شفافية عكس ذلك الواقع بقدر ما يأتي العلاج صحيحاً بعيداً عن أي عجز أو ثغرات قد تحدث.. أو بالأحرى حدثت!!