الخليج / حياة الحويك عطية

نجح الفلسطينيون فيما لم ينجح به اللبنانيون، وهكذا سيذهب الوفد الفلسطيني موحداً الى القمة العربية بينما ينتظر الرئيس اللبناني حتى آخر لحظة كما قال، وينتظر الجميع ليروا ما اذا كان السنيورة سيستقل طائرة خاصة، ويلحق وحده بالاجتماع ليجلس بعيداً عن الوفد اللبناني الرئاسي، ويتدخل في المناقشات للمشاغبة على الرئيس، وعلى المقاومة الوطنية اللبنانية.

وإذا كان السؤال المحير الذي يسوقه هذا الافتراق الكبير بين الحالتين هو: هل إن الوضع اللبناني أشد تعقيدا من الوضع الفلسطيني؟ وهل أن قدرة مكة على جمع حماس وفتح اكبر من قدرتها على جمع أطراف المعارضة والسلطة في لبنان؟ أم ان الوضع الفلسطيني يتعلق ب”اسرائيل” وفلسطين، في حين ان الوضع اللبناني يتجاوز “اسرائيل” الى الولايات المتحدة مباشرة، ولذلك فإن واشنطن وتوابعها في المنطقة قد تركوا السعودية تتحرك وتنجز المصالحة الفلسطينية لأن انجاز شيء على الصعيد الفلسطيني بات المتنفس الوحيد المتكرر للسياسة الأمريكية في المنطقة كلما تأزم مأزقها في العراق، وفشلت خطة جديدة من خططها للسيطرة على الوضع هناك، أو كلما احتاجت لتمرير مؤامرة كبيرة من وزن قانون النفط العراقي الجديد؟

هذا في حين لا تسمح واشنطن وتوابعها بإنجاز شيء على الصعيد اللبناني كي يبقى لبنان منصة إطلاق وساحة بديلة لمشروع الشرق الأوسط الجديد؟ ولكن أليس العامل الحاسم هنا ايضا هو ان الحل في فلسطين قد جاء ليخفف من اشتعال المقاومة في حين ان أي حل يتحقق الآن في لبنان سيؤدي الى نصر جديد للمقاومة والحفاظ على قوتها؟ وهنا، أي في موضوع المقاومة، يكمن المعيار الأساسي للقبول أو للمنع لدى واشنطن. واذا كان لا بد لأي اتفاق من تنازلات متبادلة، فإن التنازل الرئيسي على المستوى التاريخي الاستراتيجي وعلى صعيد الخطة الأمريكية - “الإسرائيلية” للمنطقة، هو ما قدمته حماس في مكة. حتى ولو أن رئيس المكتب السياسي للحركة قد اعتبر في حديثه لقناة “الجزيرة” مساء الجمعة ان ما حصل هو: “تطور طبيعي لا تغيير” حيث إن “دورها اليوم هو غير دورها قبل سنوات”. وإذا كان من الواضح أن مشعل إنما يعني بذلك، الدور السياسي، فالمؤكد أيضا أن عملها في السابق لم يكن منفصلاً عن السياسة، وأبسط دليل أن صفة المتحدث انه رئيس المكتب السياسي، لكن ما اختلف في هذا الدور هو قرارها دخول الكوادر السياسية الرسمية للسلطة الوطنية الفلسطينية، بدءاً من الاشتراك في الانتخابات التشريعية حيث حصدت حماس ثمن المصداقية التي حققتها لدى الشعب الفلسطيني، ولكنه مكسب عززه أيضا ثمن نفاد صبر هذا الشعب من فساد السلطة القائمة وكوادرها.

ومن هنا فإن ثلاثة تحديات داخلية تفرض نفسها بإلحاح على حماس الآن: الأول الحفاظ على المصداقية التي اعتبرها مشعل الموسم الذي حصدته حماس بوفرة، لكنها لم تكن لتحصده لو لم تكن قد زرعت أمرين: الالتزام بالكفاح المسلح والثوابت الوطنية الفلسطينية، والبعد عن الفساد المالي (دون أن يعني هذا أننا نتجاهل الدور الديني خاصة في المرحلة المعنية). وإذا كان هذا التحدي أمرا سهلا على كل قوة تقف في موقع المعارضة، فإنه يصبح حقيقيا وصعبا عندما ينتقل الكائن البشري والمجموعة التي يمثلها إلى مواقع السلطة. أما التحدي الثاني، فهو تحدي الانتقال من مرحلة الطلاق إلى مرحلة الزواج، أو لنقل من العزوبية إلى الزواج، بمعنى أن ثمة طرفين كان كل منهما يتخذ قراراته ومواقفه وفق آرائه ورؤاه وتوافقاته وتوازنات مراكز القوى الداخلية لديه، بينما أصبح هذان الطرفان شريكيين في حكومة واحدة عليها أن تتخذ قرارا واحدا يتحكم به الجدل السياسي، والصراع أو الحوار بين رؤى مختلفة ومراكز قوى مختلفة.

وفي هذا السياق قال مشعل إن ثمة نمطين ديمقراطيين النمط الغربي القائم على حكومة الحزب الذي يحقق الأغلبية التشريعية، وينفرد بالحكم في حين ينتقل الآخر إلى صفوف المعارضة، وديمقراطية التوافق والشراكة. وإذا كانت الأولى على ما يبدو لا تناسب تجربة كالتجربة الفلسطينية فإن اختيار الثانية يفرض الاقتناع بأن “الإقصاء فلسفة خاطئة لأن الوطن يحتاجنا جميعاً في مرحلة احتلال ومقاومة، تجعل كل واحد بحاجة للآخر”. كلام يبدو منطقيا وواقعيا ويحمل من البراغماتية السياسية وجهها الإيجابي، لكن تطبيقه لابد وأن يقود إلى أرضية من التنازلات التي لا بد أن يقدمها الجانبان لتحقيق إمكان التعايش. وهنا يصل الأمر إلى التحدي الثالث والأصعب، فما حجم وطبيعة التنازلات التي قدمتها حماس، وسيكون عليها أن تقدمها لنجاح التجربة؟

مشعل تحدث عن مسؤولية سياسية تفرض اجتهادات، فما الاجتهادات التي يعنيها؟ وهل هي ما قدم حتى الآن أو ما سيتوجب تقديمه لاحقا، في ظل الضغوط الإقليمية والدولية؟ وهل سيكفي الفصل بين الحكومة والحركة كي تكون الثانية غير ملزمة بما تحدده الأولى والعكس؟ هل سيصل هذا الفصل حد حفاظ الحركة على قدرتها كقوة معارضة إذا ما اضطرت الحكومة التي تشارك فيها ويترأسها احد قيادييها إلى اتخاذ مواقف لا تنسجم مع المواقف التي منحتها المصداقية لدى الناس التي تباهى بها عن حق رئيس مكتبها السياسي؟

وإذا كان الرجل قد لخص العلاقة التاريخية بجملتين بليغتين: اختلفنا على أوسلو فوحدتنا الانتفاضة، فهل كان الخلاف والتوحد الحالي يقتصران على الانفراد بالسلطة أو تقاسمها، بما عبر عنه مشعل بلغة أكثر سياسية وذكاء: الديمقراطية الغربية، وديمقراطية الشراكة؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك بكثير لأن الخيار هو أكبر من مجرد شكل الحكم والتمثيل، بل هو خيار يعود في أساسه إلى نقطة الخلاف المصيرية الأولى سقف أوسلو أم سقف الانتفاضة؟

واذا كان لا بد لمتابع من السؤال: وهل كان هناك حل آخر في ظل حصار عربي وعالمي؟ بل ربما أفرز المبنى الجديد سقفا جديدا وأبواباً ونوافذ جديدة ينفذ منها الفلسطينيون الى تحقيق شيء ما، فإن المهم الا نغفل عن ان المقياس الحقيقي يظل قياس المنجز على صعيد الأمة كلها كي لا يكون فلس نكسبه في فلسطين غطاء لكنز نخسره في العراق أو في لبنان.