أعتادت الصحافة الأجنبية ـ من آن لآخر ـ وخز النظام السعودي بشوكة العلاقات السرية التي تجمعه والكيان الصهيوني، بما تتمتع به هذه الصحافة من مصادر وما يصلها من تسريبات عبر أجهزة الإستخبارات لسبب أو لآخر، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالملف الإسرائيلي الشائك شديد الحساسية للعالم العربي والإسلامي. ومؤخراً رددت وسائل الإعلام نبأ اللقاء الذي جمع بين عادل الجبير ـ سفير السعودية الجديد في واشنطن ـ ونائب وزير الدفاع الإسرائيلي، افرايم سنيه، ضمن لقائات ثلاثية منفصلة (سعودية وأمريكية وإسرائيلية) حول "مبادرة السلام" مع إسرائيل التي طرحتها المملكة، وذلك قبيل انعقاد القمة العربية المقررة في الرياض نهاية الشهر الحالي.

وبينما سارعت الرياض إلى نفي الخبر رسمياً، قائلة إن تلك التقارير : "لا أساس لها من الصحة"، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" : أن رواق "ديفيد وولش" ـ رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية ـ جمع الرجلين وتبادلا الحديث معاً، وحسب الصحيفة : توجه سنيه إلى الجبير ـ الذى يعد من أشد المقربين للملك السعودي ـ وصافحه قائلاً : "أنا سعيد بلقائك وجهاً لوجه.. ماذا يحدث من المشاكل في منطقتنا؟". وأجاب الجبير : "آمل أن نصعد في الأسابيع المقبلة إلى مسار إيجابي".

ولم يكن هذا اللقاء هو باكورة التلاقي السعودي بالإسرائيليين، بل سبقه لقاءات عدة غلفت بغير قليل من دواعي السرية التي لم تفلح في الحيلولة دون تطاير أنبائها إلى الرأي العام العربي والإسلامي، ففي يناير الماضي، حضر الأمير تركي الفيصل ـ السفير السعودي المستقيل في الولايات المتحدة ـ حفل استقبال في واشنطن برعاية المنظمات اليهودية الأمريكية. وكان ظهور الدبلوماسي السعودي حدث غير مسبوق، بحسب وصف "ويليام داروف" مدير مكتب واشنطن للتجمعات اليهودية المتحدة، الذي نظّم الحفل. وفي سبتمبر من العام الماضي، أفاضت الصحف العربية والأجنبية في الحديث عن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، أيهود أولمرت، ومستشار الأمن القومي السعودي، بندر بن سلطان، في العاصمة الأردنية، كجزء من جهود جورج بوش لدعم أولمرت بعد كارثة إسرائيل في حربها أمام حزب الله، وبحسب دانيال آيالون، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن : فإنه اللقاء السعودي ـ الإسرائيلي الأعلى مستوى، حسب علمه.

وفي أعقاب هجمات الـ 11 من سبتمبر، سعى عادل الجبير إلى تنظيم رحلة لوفد من اليهود الأمريكيين الأعضاء في الكونجرس، إلى الأراضي السعودية، حتى تتوقف هجمات اللوبي اليهودي ضد المملكة على خلفية الهجمات. ونجح الجبير ـ بحسب "جيروسيلم بوست" ـ في إقناع الملك عبد الله، بتوجيه الدعوة لتوماس فريدمان ـ الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط بالواشنطن بوست, ورئيس مكتبها في إسرائيل لعشر سنوات ـ بزيارة السعودية لإجراء مقابلة صحفية مع ولي العهد السعودي آنذاك, وفي هذه المقابلة طرح الأمير عبد الله, على فريدمان ـ كانفراد صحفي ـ المبادرة السعودية التي تحدثت لأول مرة عن الاعتراف بإسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات معها, بشرط انسحابها إلى حدود عام 1967, وهي المبادرة التي تم إقرارها بقمة بيروت2002م، لتصبح المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل. وبسبب ما تمتع به الجبير من قدرة في العلاقات العامة، أوكلت إليه (الجبير) مهمة الاتصال بالجماعات اليهودية والإسرائيلية والتنسيق معها، وحول هذا الدور قالت صحيفة "جيروسيلم بوست": إن عادل ظل ـ منذ بداية التسعينات ـ على اتصال وتنسيق مع الجماعات اليهودية بما فيها منظمة اللوبي الصهيوني الأمريكي "إيباك" وسبق أن التقى بـ (يوسسي بيلين) حينما كان وزيراً في حكومة العمل الإسرائيلية.

نشرت مجلة "نيويوركر" في 5/3/2007م، تقريراً لسيمور هيرش، تحت عنوان "إعادة التوجيه" أماط فيه الصحافي الشهير اللثام عن خفايا الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة الأشد التهاباً في العالم، وطبيعة المهمات التي تضطلع به حكومات عربية حليفة لواشنطن، وعلاقتها بالدولة العبرية، سنقتطف منه فقرات متعلّقة بالسعودية، حيث يقول : إن التحول في السياسة دفع السعودية و(إسرائيل) إلى ما يشبه (العناق الاستراتيجي الجديد)، لا سيما أن كلا البلدين ينظران إلى إيران على أنها تهديد وجودي. وقد دخلوا (السعوديون والإسرائيليون) في محادثات مباشرة، حيث يعتقد السعوديون أن استقراراً أوسع في (إسرائيل) وفلسطين سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة، ومن ثم أصبحوا أكثر تدخلاً في المفاوضات العربية الإسرائيلية. وخلال العام الماضي، توصل السعوديون والإسرائيليون وإدارة بوش إلى سلسلة من الاتفاقات ـ غير الرسمية ـ حول توجههم الإستراتيجي الجديد، وقد شمل هذا الأمر عناصر (أهمها) : طمأنة إسرائيل إلى أن أمنها هو الأمر الأسمى، وأن واشنطن والسعودية والدول الخليجية الأخرى تشاركها قلقها حول إيران.

فلقد بدأت الرياض اتصالاتها مع الإسرائيليين والجمعات اليهودية المؤيّدة للدولة الصهيونية في الولايات المتحدة، منذ أكثر من عقد، وهو تقارب حظي بمباركة الإدارة الأمريكية على طول الخط، ولكنه لم يكن علنياً بل ظل مقتصراً على القنوات الدبلوماسية المفتوحة بين الجهتين، وكان مهندس هذه القنوات الأمير بندر بن سلطان ـ السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن ـ الذي اعتبرته الصحف الإسرائيلية "صلة الوصل بين الدولة الصهيونية وجيرانها. وكان لبندر اتصالاته القديمة مع الإسرائيليين، وفي ذلك يقدّم الكاتب الأمريكي nospmiS mailliW ـ كاتب سيرة حياة الأمير السعودي ـ تلميحات إلى الطريقة التي أسس بها بندر روابطه مع الإسرائليين. ففي ربيع 1990، هدّد صدام حسين بحرق نصف إسرائيل. وكان الملك فهد قلقاً حول احتمال اندلاع حرب إقليمية، فأوفد الأمير بندر إلى بغداد، حيث أبلغه صدام بأنه لن يقوم بمهاجمة إسرائيل، فأسرع بندر إلى نقل الرسالة جورج بوش الأب وتلقى وعداً إسرائيلياً تعهدت فيه تل أبيب بعدم القيام بهجوم استباقي. وفي المقابل، رأى بندر أن صدام ربما استعمله لتأمين جانبه ضد أي هجوم والبدء باحتلال الكويت في أغسطس 1990. وفي الوقت نفسه، أعلن بأن السعودية حصلت على صواريخ صينية الصنع بر ـ بر. وبحسب الكاتب أيضاً، فإن بندر كان ناجحاً في طمأنة إسرائيل عبر اتصالاته الأمريكية بأن الصورايخ لن توجّه إليها، ووفي المقابل تلقى وعوداً بأن اسرائيل لن تهاجم مطار تبوك.

وبعد حرب الخليج سنة 1991، أطلق الأمريكيون عملية سلام بدأت بقمة مدريد، شارك فيها السعوديون ولكن حضورهم كان ضعيفاً، فقد كانت المملكة متحفظة بشأن علاقاتها مع إسرائيل ولم تجعلها رسمية كما فعلت بعض دول الخليج المجاورة، وكان للأمير بندر، ارتباط مباشر بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن أيام اتفاق أوسلو، وقد عقد محادثات غير رسمية مع السفير الإسرائيلي "هكتيفونيبار راماتي" ، وخلال محادثات السلام التي أجراها إيهود باراك، أصبح دور الأمير شديد الأهمية على المسار السوري. وفي أواخر سنة 2000 تركزت الجهود على المسار الفلسطيني، فبعد فشل "كامب ديفيد" واندلاع الانتفاضة حاول بندر الضغط على ياسر عرفات لقبول مبادرة كلينتون.