قبل أقل من عام أقام معهد كارينغي في بيروت مؤتمرا صغيرا حول أزمة الأحزاب العلمانية في "الوطن العربي"، وانتهى المؤتمر قبل حرب تموز بيومين، وفي الجلسة الختامية تم الحديث عن قلق حيال العلمانية من ان تمر بتجربة مشابهة لما حدث للديمقراطية، التي أصبحت عنوانا سياسيا أتاح إحداث تبدلات عميقة لم تكن في صالح الديمقراطية أو حتى العلمانية.. وكان السؤال الأساسي: هل يعبر اهتمام مراكز البحث الأمريكية بموضوع العلمانية عن مرحلة سياسية جديدة؟

هذا السؤال يعاد طرحه اليوم مع حلقة أو "مؤتمر" صغير عقد في دمشق حول "العلمانية والمواطنة"، وأراد منظموه ان يكون مغلقا قدر الإمكان، ربما لإتاحة مجال أوسع للبحث، أو للتركيز على نقاط محددة، وهم بالفعل نجحوا في إيجاد مساحة أوسع للحديث، ولكن للضيوف الأجانب بالدرجة الأولى، وفي نفس الوقت وضع العلمانية في إطار واحد مرتبط بالتجربة التاريخية أو مشاكل النخب تجاهها...

في الجلسة الأولى لهذه الندوة ظهر نموذج واضح حول "عزل" العلمانية أو اعتبارها هما ثقافيا وليس اجتماعيا، فأحد المداخلين الذين وصلوا متأخرين، اعتذر لأنه جاء مباشرة من "مؤتمر" في برلين، ثم ألقى مداخلته بالفرنسية واعتذر بعدها لأنه كان عليه أن يحضرها بالإنكليزية.. وبعيدا عن الاستعراض اللغوي فإن المداخل نفسه تحدث عن اهتمام مركز دراسات سوري بتأهيل أئمة المساجد في أوروبا.

هذا النموذج يوحي بأن العلمانية لا تعنينا إلا بقدر كونها مادة حوارية مع الغرب، وبالطبع فإن هذا السياق يستمر مع عدد لا بأس به من المداخلين العرب، فالأجانب استعرضوا التجارب التاريخية والمسائل الحاضرة لدولهم، ولكن الحديث "السوري" في هذا المجال أخذ منحى باتجاه المواقف السياسية في بعض الأحيان، سواء حول التمييز او التمايز ما بين الديمقراطية والعلمانية، أو حتى ضمن الحديث عن السياق العام لهذا الموضوع ضمن النخب المثقفة.

الندوة مهما كانت ملاحظاتنا عليها لكنها ضرورية، على الأقل بالنسبة للمتابع العادي، لكنها في نفس الوقت تعود بنا لأزمة "العلمانية" التي تُطرح أحيانا من زوايا الأزمة الخاصة بها، وهذه الأزمة هي خلاصة تجارب النخب في احتكاكهم مع المؤسسات السياسية وليس مع الحركة الاجتماعية، حيث أغلق السجال في هذا الموضوع منذ نهاية الستينيات، بينما لا نعرف على وجه الدقة موقع هذا المصطلح من الثقافة الاجتماعية.. وعندما نتحدث عن "موقع المصطلح" فإننا بالفعل نطرح "المشروع البحثي" الذي يحاول سبر التغيرات المعرفية، إن حدثت، وليس فقط قراءة تجارب "المثقفين"... فبالملاحظة العامة يمكن أن نرى انحسار العلمانية والحداثة عموما، لكننا إذا أردنا أن نتعامل من جديد مع هذه المواضيع فربما علينا نقلها إلى المساحة الاجتماعية بدلا من السياسية، وإلى مجال المعرفة بلا من الخبرات الشخصية.