الاتحاد / توماس فريدمان

في أفعال إدارة الرئيس بوش وما يكتبه مسؤولوها، هناك ما يقطع الأنفاس دهشة وخجلاً في بعض الأحيان، عند قراءة المرء لما يكتب. وبالنسبة لي، فقد كان ذلك المقال الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها ليوم 20 مارس الجاري، الذي تناول تلك الوثائق التفصيلية التي نشرتها لجنة تابعة لمجلس النواب للتو، بينت فيها ما يثبت مئات الحالات التي شارك فيها مسؤولون من البيت الأبيض، ممن كانت لهم علاقة سابقة بقطاع النفط، في تحرير وإعداد تقارير حكومية عن التغير المناخي، هدفت إلى إثارة الشكوك حول وجود أي دور أو مسؤولية بشرية فيما يتعلق بالتغير المناخي والإحماء الشامل، أو للتشكيك في وجود أدلة علمية على دور كهذا. من بين هؤلاء المسؤولين، "فيليب إيه كوني"، الذي غادر منصبه الحكومي في العام قبل الماضي 2005، بعد الكشف عن مخازيه هذه، في صحيفة "التايمز". وكما هو متوقع، فسرعان ما تلقفته شركة "إكسون موبيل". وقبل التحاقه بالعمل في البيت الأبيض، كان "كوني" رئيساً للفريق المناخي، بمعهد "أميركان بتروليوم" الذي يعد ذراع الضغط النفطي الرئيسي لذلك القطاع الصناعي. وذكر المقال الذي نشرته "التايمز" وكتبه كل من "أندرو ريفكين" و"ماتيو والد"، أن "كوني" قال إنه لا صلة لنشاطه السابق المعادي لفرض أية قيود على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فيما نظمه من حملات ضغط نيابة عن قطاع النفط، بوظيفته الحكومية في البيت الأبيض. وقد ورد على لسانه قوله في الشهادة التي أدلى بها في هذا الصدد: "ما أن وصلت إلى البيت الأبيض، حتى تحول ولائي كله للرئيس بوش وإدارته". ولكن ماذا عن الولاء للعلم ومصداقيته، أيها السيد "كوني"؟ رداً على هذا السؤال، اجترأ "كوني" الذي يفتقر إلى أدنى خلفية علمية، على القول: "لقد بنيت تحريري لتلك التقارير الحكومية، على قناعتي بأحدث الحجج العلمية التي يعتد بها اليوم في مجال المعرفة العلمية"!

ولنلقِ الآن نظرة متفحصة على هذه الوقائع. فمن بين جميع أفراد طاقم إدارة الرئيس بوش، لم يعهد بتحرير التقرير الرسمي الخاص برؤية الإدارة للتغير المناخي، إلا إلى شخص سبق له أن عمل نيابة عن قطاع النفط، في إنكار حقيقة التغير المناخي من أساسها، وعلى رغم افتقاره لأية خلفية علمية، ثم ما أن انكشف أمره، حتى عاد أدراجه إلى معاقله النفطية السابقة التي وصل منها إلى البيت الأبيض، بالتحاقه مباشرة بالعمل مع شركة "إكسون موبيل".. فهل من فساد فكري أبلغ وأكثر من هذا؟! وهل ثمة وضاعة أكثر من هذه، لأي سبب كان؟ إنني لأعجب كيف كان يمكن للسيد "كوني" أن يحرر مسودة ذلك التقرير الرسمي الأخير، الذي أعدته لجنة حكومية مشتركة، وشارك في مراجعته 1000 عالم مختص من مختلف أنحاء العالم، فيه علماء مختصون، وأعلنت نتائجه في مؤتمر دولي، تعاونت في عقده كل من جمعية الأرصاد الجوي الدولية، والأمم المتحدة. وقد شملت تلك النتائج، الإقرار بأن النشاط البشري، يعد المسؤول الأول عن ظاهرة الإحماء الشامل، وكذلك أن التغير المناخي قد بدأ يلقي بآثاره السالبة على النظم الطبيعية والبيئية في جميع قارات العالم.

وعلى رغم أنني لا أروِّج لأي حزب من الأحزاب هنا، إلا أن قراءة مخازٍ كهذه عن "كوني" وأمثاله من المسؤولين "الجمهوريين"، إنما تحمل المرء على أن يشكر الرب على عودة "الديمقراطيين" للهيمنة مجدداً على كل من مجلس الشيوخ والنواب. والسبب أن هذا السجل المخزي لمسؤولي الإدارة وممارساتهم في هذا الجانب، إنما يتطلب اليقظة والرقابة الدائمة التي لا تنام على أفعالهم وسلوكهم. غير أن عليَّ أن أشكر الرب أيضاً، على تمكن أرنولد شوارزينجر، حاكم ولاية كاليفورنيا، من إنشاء تحالف ثنائي حزبي في ولايته، من أجل التصدي لمشكلة التغير المناخي. وبمبادرته هذه، لا يسهم شوارزينجر في إنقاذ سمعة الحزب "الجمهوري" من عار سيطرة كبار معارضي سياسات موجهة التغير المناخي، من شاكلة السيناتور جيمس إنهوفي، و"كوني" فحسب، وإنما هو أيضاً يمضي في إنجاز عمل ثنائي حزبي خلاق في مناهضة التغير المناخي، سرعان ما يقابل بالترحيب والإشادة في واشنطن، ما أن تذهب إدارة بوش الحالية. وكنت قد ذهبت إلى "ساكرامنتو" قبل بضعة أسابيع، بغرض إجراء حوار صحفي مع حاكم الولاية. فقال لي شوارزينجر: لا وقت للحوار الآن. وأعني بهذا، كم يلزمنا من آلاف العلماء ليخبرونا اليوم عن إجرائهم لدراسة علمية مختصة بالإحماء الشامل؟ ومضى الحاكم قائلاً: إن أكثر ما يدهش شخصاً غير سياسي مثلي، أن يرتسم هذا الخط الدقيق الفاصل بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" فيما يتعلق بسياسات كليهما في مجال البيئة والتغير المناخي! لكن وعلى رغم ذلك، فها هو المزيد من "الجمهوريين" يشرع في الانخراط في صفوف العاملين من أجل حماية البيئة والتصدي لخطر التغير المناخي. بل إن ما يدعو إلى الغبطة حقاً، تعاون المزيد من "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" معاً في العمل المشترك في هذه القضايا. وذكر لي المتحدث أنه قال في كلمته الافتتاحية لتسلم منصبه كحاكم لولاية كاليفورنيا: "ليس هناك ما يمكن تسميته بالهواء الديمقراطي النقي، أو الهواء الجمهوري النقي.. فجميعنا يتنفس الهواء ذاته، بصرف النظر عن انتمائنا السياسي. ولذلك فإن علينا أن نتضافر معاً ونعمل سوياً على حل هذه المشكلة. ولنتعاون معاً كذلك في درء خطر الإحماء الشامل". وضمن تلك المبادرة، فقد وقع شوارزينجر على "قانون حلول الإحماء الشامل" لعام 2005، وهو القانون الذي يتوقع لولاية كاليفورنيا، خفض انبعاثاتها من غازات بيت الزجاج، بنسبة 25 في المئة، بحلول عام 2020. فهل يذهب بقية الحكام والمسؤولين الأميركيين، إلى ما ذهب إليه شوارزينجر في درء هذا الخطر القومي والعالمي؟