الفرنسيون لاهون بمعركتهم الرئاسية، كل الجدل والحوارات والأفكار والإعلام مشغول بالرئاسة، وفي الواقع مشغول بالتغيير الشامل الذي ينتظره المجتمع الفرنسي والحياة السياسية في هذا البلد، الأمر الذي شحذ العقول وأجج العواطف.

بالمقابل العرب لاهون بقمتهم وبهمومهم ودوامتهم وكل الحوارات والنقاشات المتلفزة تدور حول نفسها وحول حقيقة ما تريده غونزاليسا رايس وما لم تقله للجميع أو ما قالته للبعض وما فعلته بالبعض الأخر وهنا لا نرى العقول قد شحذت ولا العواطف تأججت بل الإصطفافات الغرائزية، على ما يبد، سادت.

لتأتي كلمة خادم الحرمين الشريفين في القمة تعبير واضح ودقيق عن الحالة العربية فانعدام الثقة المتبادل بين القيادات فيما بينها والقيادات وشعوبها مرض مستشر وسبب كل داء في هذا الجسم العربي المطروح من المحيط إلى الخليج.
وليس غريبا أن يجمع الحكام العرب على نجاح قمتهم ولكن علينا أن ننظر بدقة إلى فاعلية القمم العربية ومصير القرارات والبيانات الختامية لها، إذاك يمكننا أن نحدد النجاح أو الفشل. وفي القمة الأخيرة يبدو أن ظاهرتين إثنتين تشكلان مقياس النجاح الأول قدرة العرب على استعادة الثقة وإعادة بنائها بين الحكام والشعوب وبين الحكام فيما بينهم والثانية نتائج الغيظ الأمريكي من كلمة العاهل السعودي وأسبابه.

فالإدارة الأمريكية أبدت انزعاجها مما جاء في كلمة الملك عبد الله وتقول لأنه " اتهم " الأمريكيين باحتلال العراق ولأنه ألغى زيارة للبيت الأبيض في السابع عشر من شهر نيسان المقبل دون عذر مقنع.

فرغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية حرصت أن تواكب القمة العربية عن كثب وتجتمع بوزراء خارجية ما تسميهم الرباعية العربية ورؤساء الأجهزة الأمنية في هذه الرباعية وبحثت معهم كل التفاصيل الدبلوماسية والسياسية والأمنية الدقيقة إلا أنها فشلت في الوصول إلى غايتها. الإدارة الأمريكية تقول أنها فوجئت بالمنحى الذي اتخذته القمة والأجواء التي انعقدت بها، فالسيدة رايس الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية فوجئت كما فوجئت الإدارة الأمريكية بتفجيرات 11 سبتمبر. ولم تحصد من زيارتها عشية القمة سوى تأمين مشاركة وفدين للبنان بدل وفد واحد موحد وجامع وتأمين مشاركة رئيس الحكومة اللبنانية المتنازع حول شرعيتها في القمة وبعض أعضاء فريقها.

وتقول الدوائر الأمريكية أن الإدارة الأمريكية فشلت في الأمور التالية:

أولا- وقف مسار المصارحة والمصالحة السورية – السعودية وإجبار سوريا على تقديم تنازلات عن مواقفها المبدئية في القضايا العربية.

ثانيا- تعميق هوة الخلاف العربي- الإيراني عبر إعلان المجتمعين تخوفهم من المشروع الإيراني في المنطقة بل أكثر من ذلك إعلان كل من وزيري خارجية قطر والإمارات العربية المتحدة أن بلادهما لن تسمحا باستخدام أراضيهما لأعمال عدائية ضد إيران. وقيام الملك عبد الله بدعوة كل من إيران وتركيا للمشاركة في القمة العربية وكأنه بذلك أراد أن يعلن الشرق الأوسط الجديد لكن بغير المواصفات الأمريكية.

ثالثا- عجز من اعتمت عليهم لضمان تمرير مشروعها عن فرض شروطهم وإملاءاتهم على القمة.

فجهود رايس ذهبت هباء منثورا وشكلت القمة العربية، رمزيا، صفعة جديدة لسياسة واستراتيجيات المحافظين الجدد بعد صفعة اتفاقية مكة التي استطاعت إيقاف المشروع الأمريكي في الداخل الفلسطيني.

وقد تكون رايس قد أرادت أن تحول هذه القمة إلى قمة أمريكية بامتياز، لكن ليس كل ما تريده رايس يتحقق أو بالحري معظم ما تريده يتساقط وتجربة حربها على لبنان الصيف الماضي دليل فاقع كذلك تجربة انقلابها على هوية لبنان.

وبعد هزيمة مشروع السيدة رايس والمحافظين الجدد في العراق ومفاعيله في الداخل الأمريكي وهزيمة مشروعهم في شرق أوسط جديد يولد من حرب إسرائيلية على لبنان وتتالي هذه الهزائم باتت مخططات المحافظين الجدد جميعها على كف عفريت.
قمة الرياض العربية لم تطلق رصاصة الرحمة على مشروع المحافظين الجدد بل أرست قواعد المواجهة وقواعد بناء الثقة والمصداقية وهذا قد لا يعني أن العرب يريدون تعميم ثقافة الاجتثاث التي يروج لها المحافظون الجدد فليس المطلوب اجتثاث كل الذين ساروا وحملوا هذا المشروع ذو الأصول الصهيونية بل المطلوب عربيا أن لا يبقى هؤلاء يديرون وحدهم مصير الشعوب والدول ويتحكمون بها.

بالتأكيد أن الموقع والمكان والزمان الذي حصلت فيه القمة يشكل عاملا أساسيا للقول أنها قمة مفصلية فلا أحد ينكر دور ومكانة المملكة العربية السعودية في العالمين العربي والإسلامي اللذين شكلا أرض معركة المحافظين الجدد ومختبرهم. ولا أحد ينكر المفصل التاريخي الذي يمر به مشروع المحافظين الجدد ولا دقة الوضع في الخليج والطموحات الأمريكية فيه.

وإذا صح اعتبار ما حصل في القمة تحولا إلا أن المسؤولية الكبرى ستبقى على عاتق العاهل السعودي في وضعها موضع التنفيذ خلال عام رئاسته للقمة.

ويبدو أن الملك عبد الله يعرف هذه الحقيقة من هنا يصح القول أن اختيار دمشق عاصمة القمة المقبلة ليس خيارا جغرافيا ولا بروتوكوليا بل أنه يدخل ضمن الخيارات التاريخية والمفصلية ويشكل رسالة للعاملين على عزل بل واجتثاث دمشق من خارطة العرب السياسية والتاريخية والحضارية والداعين لاجتياحها.

هذا الكلام ليس برسم أحد لكنه يأتي في سياق مفهوم شامل للصراع وليس مفهوم النزاع على السلطة الذي يسير به بعض القادة الطائفيين وأمراء الحرب .....