الاتحاد

بين فرص نجاح "المبادرة العربية"... وأهداف الأزمة البريطانية- الإيرانية


ما تقوله الآن مؤشرات استطلاعات الرأي حول فرص المترشحين لدخول قصر الأليزيه، وحظوظ وفرص نجاح مبادرة السلام العربية، ودلالات استمرار إيران في احتجاز البحَّارة البريطانيين، موضوعات ثلاثة نستعرضها أدناه من خلال قراءة سريعة في افتتاحيات الصحف الفرنسية.

حملة الرئاسيات الفرنسية في ذروتها: في مجلة الأكسبريس جاءت نتائج آخر استطلاع للرأي أجري أول من أمس مؤكدة تفوقاً طفيفاً لمرشح اليمين الفرنسي الحاكم نيكولا ساركوزي، بعد أن كان متساوياً تماماً مع المرشحة الاشتراكية سيجولين رويال، في استطلاع أجري قبل بسبوع. فقد حصل ساركوزي على 26% من أصوات الناخبين المنتظرين ضمن عينة الاستطلاع، في حين حصلت رويال على 24.5% منخفضة عن نسبتها منذ أسبوع بـ1.5%. هذا في حين هبط مرشح الوسط فرانسوا بايرو عن عتبة الـ20%، متحصلاً على 19.5% فقط، مقابل 15% لزعيم اليمين المتطرف جان ماري لوبن. وأما بقية المرشحين للرئاسة وخاصة من اليسار فقد كشف الاستطلاع عن ضآلة نسبهم ومنهم الزعيمة الشيوعية ماري جورج بيفيه 4%، وأوليفييه بيزانسنو 3%، والناشط اليساري جوزيه بوفيه 2%، وفيليب دوفيلييه 1.5%، ودومينيك فواينيه، وفريدريك نيهو لكل منهما 1%، في حين لم ينل جيرار شيفاردي سوى 0.5%. وفي صحيفة ليبراسيون كتب رينو ديلي افتتاحية أثار فيها خفوت الصوت البيئي في خطابة الحملة الرئاسية الفرنسية، هذا في وقت لم يعد يفصلنا فيه عن موعد استحقاق الدور الأول سوى ثلاثة أسابيع. وفي صحيفة لوموند جاءت افتتاحية نبَّهت إلى أن المسائل والقضايا الاجتماعية هي ما يكتسح خطاب الحملة الآن، وخاصة أن كل واحد من المترشحين يريد إقناع الفئات الأكثر تضرراً من النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم في فرنسا، بأنه هو القادر على الإتيان بأنجع الحلول للأزمة الاجتماعية الفرنسية المزمنة. أما في صحيفة لومانيتيه فقد كتب "بيير لوران" افتتاحية تهجَّم فيها على ما اعتبره إخفاقاً من قبل معظم الحالمين بدخول قصر الأليزيه في تقديم برنامج حقيقي للتغيير. وأما أصوات الـ44 مليون ناخب فرنسي التي يتهافت الجميع على استمالتها اليوم فلم يقدم لها حتى الآن برنامج مقنع خاصة من قبل اليمين الذي يتصدر استطلاعات الرأي. ونفس اللهجة الناقدة، وإن بشكل أكثر سخرية وحدَّة نجدها أيضاً في افتتاحية أخرى في "ليون ريبيبليك" كتبها "فيليب نوارو" وقال فيها إن ما يطلقه المترشحون للرئاسيات في سباقهم ضد عقارب ساعة اقتراع الدور الأول بلغ درجة من الديماغوجية والكذب الفج ومفارقة الواقع وصلت حد إطلاق الوعود التي لا يمكن الوفاء بها أصلاً من قبيل التعهد بتوزيع رزم النقود على قارعة الطريق! وتشغيل الشباب غير المؤهلين مهنياً، ودون قيد أو شرط!

قمة الرياض ومستقبل السلام: في صحيفة لوفيغارو كتب كبير محرري الشؤون الدولية "رينو جيرار" مقالاً تحليلياً بعنوان: "الحذر الإسرائيلي- الفلسطيني يفخِّخ خطة الجامعة العربية للسلام"، وقد استعرض فيه الخطوط العريضة لمبادرة السلام العربية التي أعاد العرب إطلاقها مجدداً، عبر رافعة قمة الرياض الأخيرة، مؤكداً أن العُقدة التي ظلت على الدوام تعوق أي تقدم في مسار عملية السلام الشرق أوسطية هي عدم وجود حد أدنى من الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذا تأملنا بنود مبادرة السلام العربية –يقول الكاتب- نجد أنها تنص على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في 1967، أي على قطاع غزة والضفة الغربية مع مدينة القدس الشرقية كعاصمة، مقابل إقامة سلام وعلاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل، وإذ يعتبر العرب أن هذا العرض سخي حيث ستقوم الدولة الفلسطينية المنتظرة فقط على 22% من أراضي فلسطين التاريخية، فإن سبب تردد الإسرائيليين، مكمنه أنهم يطمعون في ابتلاع أراضي ثلاث كتل استيطانية كبيرة في الضفة الغربية، وهي الكتل التي اقترح بشأنها مبدأ "مبادلة الأراضي" في مفاوضات طابا لسنة 2001. هذا إضافة إلى عقدة وجود حركة "حماس" في الحكومة الفلسطينية، خاصة أنها لم تشهر اعترافاً علنياً بإسرائيل، وبالطريقة التي تريدها تل أبيب تحديداً. على أن ثمة عُقدة أخرى أكبر وأهم وهي اشتراط المبادرة العربية إيجاد تسوية لقضية اللاجئين وفق القرار الدولي 194، فهذا الموضوع لا يريد الإسرائيليون سماع الحديث عنه أساساً لأنه حسب رأيهم يهدد مستقبل كون إسرائيل "دولة يهودية". ويخلص "جيرار" إلى القول إن فرص نجاح مبادرة السلام العربية تتوقف على إمكانية استعادة طرفي النزاع حداً أدنى من الثقة المتبادلة كذلك الذي توافر في أوسلو قبل 14 عاماً. وفي مجلة الأكسبريس نجد تغطية للموقف الإسرائيلي من المبادرة العربية وخاصة فيما ورد على لسان رئيس الوزراء أولمرت في مقابلة له يوم أول من أمس الجمعة، حيث أشار إلى إمكانية التوصل إلى تسوية نهائية لصراع الشرق الأوسط في ضوء المبادرة العربية خلال السنوات الخمس المقبلة، مع تشديد خاص على رفض مبدأ "عودة اللاجئين".

أزمة البحَّارة البريطانيين: في صحيفة لوفيغارو كتب ألكسيس بريزيه افتتاحية بعنوان: "إيران: كل شيء مع الإنجليز"، اعتبر فيها أن أزمة احتجاز البحارة البريطانيين تؤشر إلى خطورة حسابات طهران، أو بالأحرى حسابات الأجنحة الأكثر تشدداً في النظام الإيراني، وتحديداً "الحرس الثوري" و"الباسدران". فبغض النظر عن حقيقة المكان الذي احتجز فيه البحارة فإن إيران وظفت احتجازهم بشكل واضح لتحقيق غايات دعائية بتعريض رئيس الوزراء البريطاني لمزيد من غضب الرأي العام في بلاده، في مقابل تحقيق مكاسب سياسية داخلية لصالح الأجنحة المتشددة في طهران على مستوى الرأي العام الإيراني. وأيضاً لاستخدام البحارة كورقة ممكنة للتفاوض مع الغرب عموماً لإطلاق سراح من تقول طهران إنهم "دبلوماسيوها" المحتجزون في العراق، أو للحصول على معلومات عن خلفية اختفاء الجنرال الإيراني علي رضا أصغري في تركيا، وأيضاً ربما للرد على القرار الدولي 1747 الذي فرض بموجبه مجلس الأمن عقوبات موجهة ضد إيران، وإن كان احتجاز البحارة تم قبل صدور ذلك القرار بساعات. وإذا كانت حسابات الإيرانيين وطريقة توظيفهم للأزمة باتا مكشوفين، فإن رد فعل توني بلير –يقول بريزيه- بدا هادئاً ومحسوباً أيضاً بعناية، فإعلانه عن تجميد الاتصالات الدبلوماسية المباشرة مع طهران لم يصل حد استدعاء السفير البريطاني، أو حتى وقف التعاملات التجارية، وهو ما يوحي بأن بلير يريد تفويت فرصة الذهاب على سيناريو حافة الهاوية التي هي في غير صالحه الآن، على الأقل دعائياً. وفي "لا نوفل ربيبليك" كتب "هرفيه كانيه" افتتاحية في الموضوع نفسه، قال فيها: "إذا كانت الدعاية عادة سلاح مؤثر في فترات الحروب، فإنه يمكن القول إن إيران تخوض غمار حرب طاحنة الآن". ومع أنه لا أحد يعرف من أصدر الأمر في هرم القيادة الإيرانية باحتجاز الجنود البريطانيين، فإن ما هدف إليه ذلك الطرف قطعاً من غايات لاشك أنه دعائي بالدرجة الأولى، كما أن حساباته بُنيت على فرضية استحالة دخول الغرب في حرب كبيرة أخرى في المنطقة، إلى جانب المستنقع العراقي الدامي سلفاً. وأما الورقة الوحيدة المتوافرة في يد بلير الآن، فهي الانتظار فقط تجسيداً للمقولة الإنجليزية الشهيرة: Wait and see أي "لننتظر ولنرَ".