هي سمة فقط تحتاج لتحقيق، فعندما أبحث في الجمل الطويلة والصور والعناوين الفاقعة ألمس إعلام "المساحات الفارغة"، ورغم أنني أكره ابتداع المصطلحات لكن ما أحاول قراءته في "الإعلام" يحتاج لنبش حقيقة تفكيرنا بالمنتج الصحفي الذي نريده ونحاول أن نضعه أمامنا، لكن قدرة الإعلامي انتهت منذ اللحظة التي قرر فيها تبني "الحياد" في جغرافية اغتالت الحياد، أو ربما لا تتحمل الوقوف عند الحدود الوسطى.. فلا شيء وسطي باستثناء تفكيرنا بالإعلام..

وإعلام "المساحات الفارغة" هو امتلاكنا للأجوبة ثم قرارنا بأن نستنطق الآخرين بها، فنولد إعلاما خاصا أو رسميا لا يحتمل "إرادة التغير"، او تبديل زاوية النظر "الإعلامي" التي لا تحتمل سوى حالة تقنية.. وهي في النهاية متحررة من الموقف السياسي..
إعلام المساحات الفارغة اعتدت عليه كما اعتاده الآخرون يجابهني كل اليوم، بينما أحاول أن أكشف فيه عن إشارات الاستفهام وربما التعجب التي تخلقها الكلمات داخل فكري، أو في قلب ما أحاول أن أرسمه وأكتبه عندما أضطر إلى تصفح المجلات، ومشاهدة التحقيقات التي أجابت سلفا عن أسئلتها وقبل أن تبدأ بتفكيك ما تحاول معرفته..

والمساحات الفارغة أيضا شبكة تلتف حول رغبتي في إيجاد ما هو غير مألوف، وأنا أحاول أن أعيد صياغة الأسئلة "الخمس" الأساسية في الخبر، أو حتى في استخدام "القوالب" الجاهزة لكتابة التحقيقات.. فما أشهده أو نشهده هو مجرد صور داخل الإعلام ونحن نستهلك وكالات الأنباء التي تنهمر علينا في كل لحظات النهار.. فأصبحت حياتنا "إعلاما" لا يعرف أن التشويش يبدأ بنا وينتهي بمستقبل لم نرسم بعد صورته...

في إعلامنا لا فرق في نوعية الجنس.. ذكر أم انثى .. نقف في دهشة تسحبنا نحو "العنواين" وتغرق التفاصيل في حركة الحياة التي لا تنتهي. فما نراه "منتج" ينتمي لأشكال "الاصطناع" و "الارتجال" والرغبة في الهروب من التفكير من أجل صياغة مساحة فارغة لا يستطيع أحد أن يدخل إليها، لأنها بطبعها خالية من أي تغير، إو إرادة لـ"سلطة" رابعة وظيفتها في النهاية خارج إطار السياسة، بينما يحلم الجميع بصحافة وظيفتها تبدأ وتنتهي بالسياسية..

وربما يبدو الفارق هنا يقف ضمن جغرافية حرجة، لأن الوظيفة الإعلامية في النهاية تعيد كتابتنا أحيانا، فهي محاولات إبداع حتى ولو امتلكنا نفس التقنية.. أو تعلمنا الإعلام اكاديميا، أو ورثناه من رغبتنا في النجومية..
عندما نكسر التكلس الذي يلفنا ربما نستطيع إعادة تأسيس الحلم بإعلام لا يحمل "مساحات فارغة" .. أو يحمل الجميع على فتح الأسئلة بدلا إغلاقها...