حق سوريا ان تبتهج بزيارة رئيسة مجلس النواب الاميركي نانسي بيلوسي لكونها ارفع شخصية "تخرق" العزلة التي يفرضها الرئيس جورج بوش عليها منذ 2004، تماما مثلما هو حق بوش ان يغضب للسبب عينه. لكن اي كلام يتجاوز هذا "التقاطع"، يحمّل الزيارة أكثر مما تحتمل.

فقد سمعنا مثلا وزير الاعلام السوري بلال محسن يقول قبل أيام للـ "بي بي سي" ان زيارة بيلوسي هي بمثابة انهيار للقطيعة بين واشنطن وسوريا.
هذا كلام يعبّر عن احد امرين: إما انه تمنيات او انه مبالغة مقصودة للاستهلاك الداخلي. والارجح انه كلاهما معا.

صحيح ان الزيارة في الشكل مكسب كبير لسوريا. بيلوسي هي ثالث اهم شخصية في اميركا بعد بوش ونائبه ريتشارد تشيني. وفدها كبير (سبعة نواب و21 مسؤولا) ويأتي كلجنة لتقصي الحقائق وفي اطار توصيات لجنة بايكر - هاملتون لفتح حوار مع سوريا. بل ان الزيارة "تتوج" انفتاحات اميركية متتالية: مؤتمر بغداد للجوار العراقي وزيارة مسؤولة اميركية لمناقشة اوضاع اللاجئين العراقيين في سوريا ووفد من ثلاثة نواب جمهوريين قبيل زيارة بيلوسي اكدوا انهم جاؤوا لانهم مقتنعون بوجود فرصة للحوار.

ومع ان قول بيلوسي في بيروت انها مدركة "ان حل بعض المشاكل يمر بدمشق" يدغدغ المسؤولين هناك، فان لا شيء جديدا في المواقف. زوار دمشق يريدون اقناعها بتغيير سلوكها لتكون جزءا من القوى الايجابية في المنطقة. والمواضيع معروفة: وقف السماح بعبور المقاتلين الى العراق ووقف دعم "حزب الله" و"حماس" والاعتراف باسرائيل والكف عن التدخل في شؤون لبنان وتأكيد أهمية اقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

هذه الرسالة في ظل المواجهة الاميركية الايرانية وفي ظل المواجهة الاميركية الداخلية بين ادارة بوش والكونغرس الديموقراطي المتمرد لا تفتح أي أفق لحوار بين البلدين. فلا أميركا مستعدة لاظهار مرونة حيث تريد دمشق وتحديدا في موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي ولا دمشق مستعدة لاظهار مرونة حيث تريد أميركا ما لم يكن المقابل في الموضوع اللبناني.
كل عند موقفه، لكن الزيارة مكسب مزدوج لدمشق ولبيلوسي. دمشق قادرة على استخدامها لإثبات فك عزلتها الاميركية والارجح انها تعزز اقتناعها بان الرهان على الوقت هو افضل سياسة. ذلك ان التراشق بين بوش وبيلوسي حول الزيارة لا يعكس بالنسبة الى طرف ثالث الا تخبطا اضافيا كفيلا بجعل سوريا تأمل في أن يتعمق ويشكل قيدا اضافيا لبوش في المنطقة وأن تخلفه ادارة ديموقراطية تكون أكثر تفهما لاوضاعها.
أما بيلوسي التي تعرف ان زيارتها لن تغير مواقف دمشق، فمكسبها انها تتنقل بمعركتها مع بوش من الداخل الى الخارج ومن العراق وافغانستان الى دمشق وانها تزيد الضغوط عليه لاظهار ضعفه، بينما يبلغ الكباش بينهما حول ربط تمويل الحرب على العراق بجدولة سحب القوات الاميركية ذروته.
باختصار، ان زيارة بيلوسي لدمشق هي حتى اشعار آخر مكسب داخلي للطرفين.

مصادر
النهار (لبنان)