كان "الشرق الأوسط الجديد" تعبيرا يلاحقنا، لكنه أيضا حفر في ذاكرتنا ثلاث صور أساسية، الأولى إعادة مفهوم الاحتلال الذي اعتقدنا أنه انتهى بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور "المد القومي"، والصورة الثانية هي الثمن الديمقراطي الذي تعلمناه بالفعل من العراق وانتهي بلون مرعب سواء بحجم الدم والدمار أو بانحسار العلمانية وانتشار الأحزاب الدينية. أما الصورة الثالثة فكانت "مخاض" هذا الشرق الذي حاصرنا في تموز العام الماضي، راسما مساحات من الدم والموت في لبنان، وأعاد توزيع المواقف السياسية من جديد.

لكن "الولايات المتحدة" ليست مفهوما مرتبطا بهذا "الشرق الجديد"، فهي شأن أوسع من حصره بنتائج سياسية ساعدنا على ظهورها رغم الاعتراضات التي كانت تنفجر في كثيرمن الأحيان ضد هذا المفهوم. فهذه "الولايات" ارتبطت مع تاريخنا أيضا بأمرين:

  الأول حركة الهجرة التي شهدتها منطقتنا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فنحن كنا بشكلما جزءمن المكون الأمريكي المتحول والمتحرك.

  الثاني مبادئ ويلسون التي أعلنها في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 وشكلت دافعا لبحث وضع المنطقة.ورغم انهيار هذه المبادئ لاحقا لكنها بلا شك قدمت سابقة من قبل دولة لم تملك نفس التاريخ الاستعماري في الشرق لكل من فرنسا وبريطانيا.

الولايات المتحدة لا تترك نفس الانطباع العام عندكافة المجتمعات، فالسوريون ربما يحملون بعض روايات عن علاقتها بأول انقلاب عسكري شهده بلادهم نتيجة عقود "التبلاين"، لكنهم في نفس الوقت يملكون صورا اجتماعية اخرى بقيت بعيدة عن السياسية، وهي تملك أبعادا مختلفة لكنها تعبر عن امتداد تاريخي منذ موجات الهجرة نتيجة الاضطهاد العثماني وحتى اليوم.

وإذا كانت المسألة السياسية معقدة، وربما من الصعب خلق توازن فيها نتيجة العلاقة "الخاصة" بين واشنطن وتل أبيب، لكنها اليوم تملك زوايا مركبة إضافية، وهوأمر يعيد الصورة من جديد إلى مسألة المصالح التي تنتشر في الشرق الأوسط بشكل عشوائي، ودون وجود ضوابط لها بالنسبة لدول المنطقة... في وقت تكسرت الاستراتيجية الشرق أوسطية بوضوح بعد احتلال العراق... فهل يمكن للحوار أن يقفز فوق كل النتائج؟ إنه سؤال يسبح في مساحة العلاقة ما بين واشنطن ودمشق.. أو ما بين واشنطن وتحديد مصالحنا كدول في الشرق الأوسط، وليس كتجمعات لا يربطها بحداثة الدولة سوى الاسم والشكل...

مصادر
سورية الغد (دمشق)