ربما نضطر احيانا إلى تجاوز الحدث السياسي، على الأخص عندما تحاصرنا بعض الأسئلة التي تعبر عن عدم وضوح في عملية الاتصال التي بقي الأكاديميون يحللونها لأكثر من قرن ونصف.. فهذه العملية التي نراها مختصرة اليوم عبر "الوسائل الإعلامية"، متراكبة عمليا من مزيج علمي أولا واخيرا. وعندما ابتدع منظرو الإعلام الأسئلة الخمس الخاصة بكتابة الخبر (من، متى، أين، كيف، لماذا) لم يكونوا يبحثون فقط في "الخبر" كما نراه داخل الجرائد.. لأن الوصول إلى هذه الأسئلة هو نتاج ثقافي وليس مجرد ابتداع يمكن استخدامه بشكل تلقائي.

والأسئلة التي تأتي أحيانا حول "الهوية" الإعلامية، أو ربما تطرح بشكل يذكرنا باستخدام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما مزج "اللا" و "النعم" واخترع كلمة "لعم"، تجعل البعض يطالب بـ"اللاهوية" الإعلامية وهو في واقع الحال يبتدع هوية جديدة... إنه أشبه بالحالة التي تحدث عنها المفكر ناصيف نصار عندما اعتبر في آخر كتابة عن سقوط الإيديلوجيات ان تبني فكرة هذا السقوط هو بحد ذاته إيديلوجية.

عمليا فإم مسألة "اللاهوية" تحمل احتمالين:

  الأول تبني الفوضى وليس الحيادية.. لأن الحيادية على الأرض وفي الحياة، ونحن نتحدث هنا عن الدنيا وليس الماوراء، تنطلق من "الهوية" أساسا التي تقدم لنا المعيار لمعالجتنا الحدث، ولا حاجة هنا لدرس إعلامي حول طريقة "الحيادية" في أحداث شهيرة بدء من ظهور النازية وانتهاء بأحداث 11 أيلول. فعدم وجود "الهوية" ينسف المعايير وبالتالي فلا يمكن أن يقدم الإعلام مادة ممتعة أو متزنة.. فحتى الصحافة الصفراء ومجلات الإثارة تملك هويتها.

  الثاني هو الهروب من المهنية والحرفية في تحديد اولويات العمل الإعلامي، ابتداء من الغايات والأهداف وانتهاء بالجمهور المستهدف، أي تبني التعرض للرسالة الإعلامية بالصدفة.

وربما يطرح سؤال "اللاهوية" الإعلامية صورا للمراوغة، لكنه في واقع الحال يحكم مساحة واسعة من الفعل الإعلامي داخل منطقتنا، بحيث لا نستطيع تحديد لغة إعلامية، أو قراءة محتوى جريدة ما في فترة زمنية لتحليلها وفهم "رسالتها الإعلامية".. فهناك أكثر من المراوغة، لأن اللاهوية تعني بالدرجة الأولى عدم الفهم الواضح لحقيقة الإعلام كعلم بالدرجة الأولى وليس هواية يمكن لأي شخص أن يمارسها.