ليست قسوة أو جلدا للذات، لكن الحفر المعرفي في ثقافتنا يضعني عند حدود غائبة؟، لا تنتقص من التراث شيئا، إلا إذا اعتبرنا أن مسيرتنا توقفت عنده، وهذه الأسئلة التي أحملها معي محاولة النفاذ لثقافتنا الاجتماعية تضعني أحيانا أمام صيغ العمل الجماعي، أو الطوعي، أو المدني بالتعبير المعاصر، فأسعى لمعرفة المساحات التي لم ندخلها بعد في هذا الموضوع الذي أعطانا سمة واحدة، وخلف كما من المقولات التي أصبحت أمثالا شعبية’ حول "المشاركة" أو الاشتراك".

ولا أستطيع الفصل ما بين العمل الجماعي أو الطوعي فهناك "مشاركة" لا يستطيع فرد القيام بها، لكن مسألة "الطوعي" تحمل أيضا معاني حداثية لا علاقة لها بـ"الصدقة" أو "العطف" أو "إغاثة الملهوف"، فهي شأن مترابط مع التركيب المعقد للمجتمع.. ولا تعني الطوعي الاستغناء عن "المصالح" بل تكريسها كمصالح جماعية تفاعلية.

في العمل الطوعي ربما علينا تكسير مجموعة من المفاهيم التي نحملها معنا وكأنها جزء من المقدس التراثي:

  فالعمل الطوعي لا يعني المجانية أو "التبرع"، لأنه مرتبط بفعل تعاوني ومؤسساتي، بينما التبرع عمل فردي.. وهو ليس مجاني لأنه يعبر عن مصلحة ما متبادلة بين عناصر المجتمع، حتى ولو كانت هذه المصلحة غير مباشرة.

  والعمل الطوعي لا يتعلق بتفكير "المجتمع السياسي"، لأنه في النهاية يعبر عن ثقافة عامة مهما كانت التيارات أو الأحزاب المنتشرة في المجتمع.

  والعمل الطوعي جماعي بالضرورة لأنه يتطلب بناء اجتماعي راق من جهة، ووعي للعلاقات القائمة داخل المجتمع وضرورة تطويرها.

وهل هناك ضرورة كي أعيد السؤال: هل نملك في تراثنا هذا الشكل الثقافي؟ ولست مهتمة بالإجابة مباشرة لأن المهم هو العمل بهذا الشكل الثقافي، وربما من المهم أيضا أن نخلق التمييز في عقلنا بأن الحداثة لا يمكنها أن تبدأ من التفكير وتنتهي به أيضا، لأنها إذا لم تنتج "ثقافة حداثة".. ومنتجا حداثيا ..وفعلا حداثيا.. فإنها ستبقى في إطار التراث والتقليد.