نستعرض في هذه المساحة حدثين داخليين بريطانيين رئيسيين هما صفقة السلام الأيرلندية، وأصداء أزمة البحارة البريطانيين التي انتهت بإفراج إيران عنهم يوم أمس. أما خارجياً، فتابعت الصحف البريطانية، تصاعد المواجهة بين بوش والكونجرس، ثم تطورات الأزمة السياسية الأوكرانية.

توني بلير وصفقة السلام الأيرلندية

في مقال كتبه "أندرو روانسلي"، ونشرته صحيفة "الأوبزيرفر" الصادرة يوم الأحد الماضي، مجّد الكاتب الدور القيادي الذي اضطلع به رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، في إبرام صفقة السلام مع أيرلندا الشمالية. وقال الكاتب إن "أيان بيزلي" قد أدهش الجميع بإعلانه عن التوصل لاتفاق سلام مع "الشين فين" الجناح السياسي لـ"الجيش الجمهوري الأيرلندي". فما من أحد كان يتوقع صدور تلك الكلمات السبع باللغة الإنجليزية، من ذات الشفاه التي طالما أضرمت نيران حرب طائفية لا يزال أوارها مستعراً. وللدهشة أيضاً، فقد أعلن "جيري آدامز" ترحيبه بما قاله "بيزلي". وحسب الكاتب، فإن منتقدي بلير ومعارضيه، كثيراً ما حلا لهم رسم صورة كاريكاتيرية ساخرة عنه، تصوره كما لو كان سياسياً مخادعاً، أضاع سنواته العشر التي أمضاها في منصب رئاسة الوزراء، دون أن ينجز خلالها شيئاً واحداً يحسب له. لكن في الإمكان الزعم دائماً أن ظروفاً ما، لابد من توفرها من أجل تحقيق النجاح السياسي. وعلى سبيل المثال، فقد أصبح "المحافظون الجدد" في واشنطن، أكثر قناعة باستحالة انتصارهم على الإرهاب بأدوات العنف وحدها. وفي المقابل، فربما رأى الساسة "الوحدويون" في المملكة المتحدة، أنه لا سبيل إلى تجميد قضية أيرلندا الشمالية، مرة واحدة وإلى الأبد في دائرة الكراهية والحروب الطائفية الدينية المتبادلة بين أطرافها. وفي حال الإقرار بهذه الحقيقة، فإنه لا مناص من الاعتراف بأن صفقة السلام التي تحققت، ما كان ممكناً لها أن تتحقق، لولا مساهمة بلير البارزة فيها. وهذا هو أهم إنجاز سياسي يحسب له، في حل كبريات القضايا النزاعية الدامية، التي ظلت تؤرق المملكة المتحدة طوال الحقب الأخيرة الماضية.

أزمة البحارة وفرص التفاوض مع طهران

استبقت "الجارديان" انفراج أزمة البحارة البريطانيين التي انتهت يوم أمس بإطلاق سراحهم بمقال نشرته يوم الثلاثاء الماضي لـ"جوناثان فريدلاند"، كان قد خلص فيه إلى ضرورة أن يتسع التفاوض مع طهران بشأن إطلاق البحارة البريطانيين المحتجزين لديها (والذين أفرج عنهم أمس)، بحيث يشمل القضايا الأكبر والأكثر تعقيداً، وفي مقدمتها طموحات إيران النووية. وقال إن طهران قد استغلت أزمة البحارة هذه، لتظهر كما أنها لوت ذراع خصم تاريخي قديم لها، طالما اتهمته مؤخراً بمؤازرة عدوها التقليدي "الشيطان الأكبر". وإضافة إلى تمسكها ببرنامجها النووي، فقد أعطتها أزمة البحارة هذه، فرصة جديدة لتدير عينها الحمراء لكل من واشنطن ولندن. ثم إنها قصدت في الوقت ذاته، توجيه رسالة واضحة المضمون، لجيرانها الإقليميين، مفادها: انظروا... فإذا ما كانت هذه معاملتنا المهينة لحلفائكم الكبار في واشنطن ولندن، فلكم أن تتصوروا كيف سنعاملكم أنتم حين يأتي الدور عليكم!

بوش وحصار الكونجرس

"إن صح أن المواجهة، هي الشكل الأكثر تعبيراً عن الصداقة، كما قال الشاعر الإنجليزي الشهير ويليام بليك في إحدى قصائده، فإن ذلك لا يعني شيئاً آخر سوى أن الرئيس بوش، يعد من أكثر شخصيات القرن شهرة على الإطلاق". هكذا استهلت مجلة "ذي إيكونوميست" في عددها الصادر بتاريخ 29 مارس المنصرم، مقالها التحليلي الذي نشرته تحت عنوان "بوش والكونجرس". وقالت المجلة إن أسبوعاً واحداً قد مر على رفض مجلس النواب، التصديق على طلب ميزانية تكميلية قدرها 124 مليار دولار، تقدم به الرئيس بوش، بغرض تمويل قراره الخاص بزيادة عدد المقاتلين الأميركيين في العراق. وعلى رغم أن مجلس النواب لم يرفض التصديق على الطلب من حيث المبدأ، فإنه اشترط الموافقة عليه بانسحاب جميع القوات الأميركية المرابطة حالياً في العراق، خلال مدة أقصاها سبعة عشر شهراً من تاريخ التصديق. أما مجلس "الشيوخ"، فيرجح أن يتخذ موقفاً أكثر تشدداً مما فعل مجلس النواب، وذلك بمطالبته بانسحاب القوات خلال مدة عام واحد فحسب، من تاريخه. وأمام هذا الحصار البرلماني الذي ضرب عليه، فقد لجأ بوش إلى التهديد باستخدام حق النقض "الفيتو" على أي قرار يحاول لي ذراعه في حربه التي يخوضها في العراق. غير أن المشكلة التي يواجهها الآن، أن تطورات الأحداث والمواجهات على أرض الواقع العراقي –عقب بدء تنفيذ الاستراتيجية الأمنية الجديدة- لا تسند موقفه كثيراً، ولا تبرر مطالبته بميزانية إضافية لإهدار المزيد من الأموال والدماء هناك.

الأزمة الأوكرانية

تحت عنوان "متى تحل الأزمة؟" نشرت "الإندبندنت" يوم أمس الأربعاء افتتاحية أشارت خلالها إلى أن أوكرانيا دخلت الآن أزمتها السياسية الثالثة، على رغم الطموحات والآمال التي بشرت بها "الثورة البرتقالية" التي هزت البلاد وانتصرت للخيار الديمقراطي في ديسمبر من عام 2004. وليس ذلك فحسب، بل لقد عنت تلك الثورة بالنسبة للكثير من المراقبين والمحللين الغربيين، أنها وضعت أوكرانيا عملياً على طريق التحول باتجاه التنمية الحديثة الموالية للغرب. إلا أن ما حدث هو أن النزاعات الداخلية والخارجية قد عصفت بتماسك حكومة الرئيس فيكتور يوشينكو. وليس أدل على ذلك من الانشقاق الثلاثي الذي أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية التي أجريت العام الماضي، وتمخضت إثر أربعة أشهر من المفاوضات، عن تنصيب "فيكتور يانكوفيتش"، ألد خصوم ومنافسي الرئيس "يوشينكو"، رئيساً لوزرائها. وبالنتيجة وعلى رغم تعهد الخصمين بالتعاون فيما بينهما، فإن ما حدث في الجمع بين الرجلين في مركب واحد، كان وصفة للأزمة والغرق منذ بداية الأمر. فها هو "يوشينكو"، قد أعلن حل البرلمان، ودعا إلى عقد انتخابات برلمانية جديدة في شهر مايو المقبل. وهكذا أطلق عقال النزاعات الأوكرانية مجدداً.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)