من الممكن الإطالة في الحديث عن الانتخابات القادمة، رغم انها في صورتها الحالية لا توحي بتبدل واضح في الأسماء أو حتى في المسائل التفصيلية الخاصة بعمل المرشحين، فالانتخابات التشريعية السورية تشكل حدثا على مستوى المرشحين فقط، فبعد أيام ستظهر "الخيم" أو المضافات، وعندها سنشهد حركة لن تتكرر يتبادل فيها المرشحون الزيارة. لكن هذا الأمر لا يشكل "حراكا" بالمعنى الحقيقي، فهو يعبر فقط عن مساحة في الحملات الانتخابية، يستخدمها المرشحون بدلا من البحث لإنتاج بيان انتخابي حقيقي، أو قابل للقياس خلال أربع سنوات من عمر مجلس الشعب السوري.

عمليا فإن "اللوائح" الانتخابية لا توحي فقط بان المرشحين الأكثر حضورا هم أصحاب الرساميل، أو ان الشريحة الأكبر من الذين يتنافسون هم عمليا اقتصاديون وهو امر يبدو طبيعي في ظل جملة التعديلات التي طرأت على الاقتصاد السوري، لكن ما يثير الدهشة أن التصور الاقتصادي المطروح من قبل هؤلاء المرشحين يتسم بالغموض والتعميم، فهم على ما يبدو يريدون الوصول إلى مجلس الشعب لدعم الواقع الاقتصادي، لكنهم لا يفصحون عن "الرؤيا" القادرة على دعم هذا الأمر، فاللوائح التي تجمع أبرز وجوه الاقتصاد السوري لا تحمل معها أي صورة تنافسية، إلا إذا اعتبرنا أن عدد الأصوات في النهاية يشكل العامل الخاص في التنافس.

كان من الممكن ان تصبح رغباتنا المشروعة في تمتين الاقتصاد أكثر حضورا لو أننا استطعنا معرفة ما يريدوه الاقتصاديون، على الأخص أن هذه المناسبة لاتتكرر، فرجال الأعمال يغيبون رغم حضور "منتجاتهم"، وربما يتجاهلون طرح رأيهم في ذروة "الحدث الاقتصادي"، وهذا ما لمسناه على سبيل المثال عندما تم طرح مشروع "اقتصاد السوق الاجتماعي".. فربما جاء التعليق على هذا الموضوع من الباحثين أو المحللين أو حتى السياسيين، لكن أصحاب الشأن بقوا خارج الموضوع.

والمشكلة كما تبدو اليوم هي في طبيعة الأدوار التي رسمها المرشحون لأنفسهم سلفا، في وقت لا يبدو فيه أن "النخب" قادرة على الضغط أو ممارسة دور خارج إطار التنظير احيانا أو التعامل "التقني" مع الحملات، مثل التخطيط الفني لها أو وضع الشعارات أو "تدبيج" بعض البيانات..
الانتخابات القادمة ستقدم صورة ثقافية بالدرجة الأولى، لأن كافة الحسابات الأخرى ستندرج تحت إطار ثقافتنا الاجتماعية في فهم "الانتخاب"، أو في قدرتنا على التعامل مع الالمرشح من كونه ممثلا لمصالحنا، وليس فقط معبرا عن قدرة انتخابية عالية، وهذا الأمر لا يرتبط فقط بالتصويت، بل أيضا بالتعامل مع المرشحين قبل يوم الانتخاب، لأننا في النهاية لا نستطيع حصر الدور التشريعي بعدد الأصوات فقط بل أيضا بالتفاعل ما بين المرشح والناخبين.