لى ماذا تحتاج كي تطلق فضائية ؟ وماذا يحتاج الغاؤها ؟ في الحالين تحتاج الى توقيع … فأضخم وأقوى الفضائيات الناطقة بالعربية يمكن الغاؤها بجرة قلم من (ولي الأمر) حيث نكتشف اننا لم نغادر القرن العاشر .

مرة اخرى نواجه استحقاقات العولمة دون ان نعترف بالعولمة ذاتها ، لكن وفي كل الاحوال ماذا نستطيع القول في ما تقدمه هذه الفضائيات سوى زيادة العصاب الاجتماعي والتمترس وراء المواقف المرتجلة ، والتلاعب بالرأي العام عبر صياغة خبرية لا تمت الى البراءة بصلة .أكثر من 250 فضائية ناطقة بالعربية أكثر من نصفها حكومية او تدار بأموال حكومية في مقابل دعايات سياسية تقطع الطريق على كل من تسول له نفسه التفكير بالاعتماد على الحقيقة كما هي ، على الرغم من كل التنافس المعول عليه للوصول الى اداء اعلامي يخضع للمعايير التقنية المتعارف عليها في الاعلام غير الموجه .

من جهة اخرى تبدو الفضائيات ذات التوجه اللا اخباري معنية بزيادة مبيعاتها ( وهذا حقها )دون الألتفات الى المستهلك وهو يدور حولها كسلعة وحيدة وهي المقسومة الى اقصى يسار الانفتاح الصوري المتمثل بالكليبات ، واقصى يمين ( الزن ) في الاذنين والمتمثلة في قنوات الوعظ والتخويف وما لحق بها مؤخرا من قنوات العلاج بالجن والشعوذة .

كل هذه الضخامة العددية ، وهذا الازدحام بالصورة لم يزحزح السامعين بالعربية قيد انملة عن مواقفهم المعرفية المعروفة قبل الفضائيات بل ربما قامت بتثبيت وتبرير هذه المواقف ، فالعنف والطائفية والفساد والتخلف في بركة وازدياد وكأنها اكتشفت وسيلة جيدة لتعميمها ، وكذلك المواقف الاجتماعية المتشنجة من قضية هالة سرحان وبرنامجها عن فتيات الليل الى ملابس هيفاء وهبة الى الحلال والحرام شديدي التفصيل في كلامات الوعاظ الجدد .

من نافل القول ان الفضائيات لم تؤثر في الناطقين / السامعين بالعربية ولكن هذا التأثير بدا سلبيا وفصاميا ، ففي قضية هالة سرحان وفتيات الليل ظهرت المسألة وكأنها أعتداء على الحياء العام بغض النظر عن منشأ هذه النظرة يمينية او يسارية اعتمادا على التصنيف السابق ، حيث بدا ان الجميع يرفضون رفضا نفسيا عصابيا وجود فتيات الليل مع انهن موجودات في كل المجتمعات دون تفريق ، حيث بدا السباق الى تشريف الذات ولو وهميا غاية فضائية ، اي ان الفضائيات تعاكس نفسها من حيث ترتيب اولويات القيم التي يجب ان تكون متساوية ومتشابكة ، طبعا مثال هالة سرحان ينطبق على اكثر عناوين الاعلام الفضائي من حيث التناقض ، فالديموقراطية الفضائية مصابة بنفس الفصام ، وكذا المواقف السياسية ، والتغطيات الاعلامية بما في ذلك فضائيات الفيديو كليب ، لدرجة اصبحت معها المغنيات يدافعن عن الفضيلة مع انها اي الفضيلة خارج السؤال تماما ، فالفيديو كليب طرح فني ليس له علاقة ببنية الفنانة الاخلاقية ، ولكن التأثيرات المفترضة وهي تقييمات غير علمية وعامية ومرتجلة ، استطاعت توظيف هذا الفصام الفضائي كقضية اجتماعية واهية لتحل محا القضايا الحقيقية والساخنة .

بالنتيجة تبدو لغة الفضائيات وعلاقة المتفرج معها علاقة امية لم ترتق الى اي مستوى حداثي ، يناسب الآلية المعاصرة التي تستخدم في طرح موادها على الجمهور خصوصا جمهور المهجر الذي تورط في موقف أخلاقي عصابي يبرر لجوئه الى عدم الاندماج .