يعتبر البروفيسور برنارد لويس من الباحثين الغربيين القلائل الذين يحظون باهتمام وتقدير جماعة المحافظين الذين يديرون الحكم في البيت الأبيض باعتباره من المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية، والمستشار دائماً في قضايا الإسلام والأصولية والعقلية العربية.. إلخ.

وبعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 صار لويس من المقربين من السياسيين في البيت الأبيض وأفكاره وأطروحاته من العرب والمسلمين لا تذهب إلى سلة المهملات، بل إنها المسوغ في ما قامت به الولايات المتحدة من الحروب التي حدثت في أفغانستان وفي العراق.

ويقول الكاتبان ستيفان هالبر وجوناثان كلارك في كتابهما الصادر حديثاً (لماذا تفشل السياسة الخارجية الأمريكية) ونشرت “الخليج” بعض فصوله مؤخراً إن برنارد لويس حرّض الإدارة الحالية على استخدام القوة في أفغانستان وفي العراق، ومما قاله لويس: “إني لا أشك في أن هجمات 11/9 كانت أول الغيث في المعركة النهائية” وقال فيما بعد لشبكة “سي. سبان التلفزيونية” بمعنى ما.. “ظلوا يكرهوننا على مدى قرون.. فهنالك هذا التنافس الألفي بين دينين عالميين، والآن من وجهة نظرهم، هاهو الدين الخاطئ يفوز في تلك المنافسة” وقال: إن لدى أمريكا خيارين: “إما أن تبدي الحزم والصرامة، وإما أن تخرج”.

بعد ثمانية أيام فقط من وقوع هجمات 11/9 يرى لويس، أن اللجوء إلى إبداء الحزم والصرامة، وحده هو الذي سيؤدي إلى تفادي وقوع إرهاب أسوأ ضد أمريكا في المستقبل. وكانت توصية هذا المفكر لديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي صريحة وواضحة: “امضوا في اللجوء إلى القوة، ولا تترددوا”.

ويضيف المؤلفان: وسرعان ما غدا برنارد لويس نجماً إعلامياً، تجرى معه المقابلات التلفزيونية بانتظام، وينشر مقالات بعناوين مثل: “حرب العزيمة والتصميم” و”حان وقت الإطاحة بالأنظمة” وهو في كل ذلك، يؤكد أن الجذور العميقة الغور لأحداث 11/،9 تكمن في الصراع الهائل بين المسيحية والإسلام.وبذلك ارتفع برنارد لويس، كما يقول المؤلفان إلى مرتبة حكيم الأمة، المطلق العنان في الترويج من دون اعتراض من أحد، للفكرة القائلة إنه يجب على أمريكا أن تعمل على تحويل الشرق الأوسط إذا كانت ترغب في العيش بأمان، وأن إطاحة نظام صدام حسين (بصرف النظر عن كونه أكثر أنظمة الشرق الأوسط العربية علمانية) هي أيسر السبل في هذه العملية، وأن الغربيين سوف يُستقبلون استقبال المحررين.

وكان لويس يردد قائلاً: “كثيراً ما يقال لنا، إننا إذا نجحنا في قلب أنظمة الدول التي دعاها بوش محقاً بوصف “محور الشر” فسوف تفوق مظاهر البهجة في مدنها، ما شهدناه، بعد تحرير كابول، كما قال لويس محذراً، إنه إذا بدا تغيير الأنظمة محفوفاً بالخطر، فإن “مخاطر الركون إلى الكسل أعظم من مخاطر الفعل والتصرف”. وهذه الكراهية للعرب والمسلمين قديمة من لويس، ففي دراسته الشهيرة البذرة الأولى في الكراهية والتعصب والداعية لصراع الحضارات (جذور الغضب الإسلامي) يقول لويس “هناك شيء ما في الثقافة الدينية الإسلامية” وهذا الشيء كما يقول لويس خاصة في “حالة الجيشان والتمزق حينما يثور الغضب الوسيلة لخليط ممزوج من الكراهية والمقت” الذي يدفع حتى الحكومات العريقة والمتحضرة، وحتى المتحدثين باسم ذلك الدين العظيم ليناصروا أعمال الخطف والاغتيال ويحاولوا أن يجدوا في سيرة نبيّهم استحساناً وسوابق لأعمال كهذه. إن غريزة الجماهير الفطرية في عزو المنابع الجوهرية لهذه التغييرات العنيفة والمفاجئة إلى الغرب، وفي عزو سبب تمزق حياتهم القديمة إلى الهيمنة الغربية والتأثير الغربي والمثال والقدرة الغربيين، هذه الغريزة ليست بالتأكيد أمراً زائفاً”.

ولم يتوقف برنارد لويس عند هذا الحد في جعل العنف لصيقاً بالثقافة الإسلامية، بل أن لويس قال في الفقرات التالية لتلك الدراسة، مما هو أكثر تعصباً وتحريفاً للإسلام والفكر الإسلامي: “إذا كان المقاتلون في سبيل الإسلام الحرب المقدسة في سبيل الله يقاتلون من أجل الله، فإن ذلك يستتبع القول إن خصومهم يقاتلون ضد الله. وبما أن الله هو المهيمن ومصدر السلطات من حيث المبدأ، وهو أيضاً القائد العلوي للدولة الإسلامية، والنبي (وخلفاؤه من بعده) وكلاء مباشرون عنه، فإن الله إذن هو راعي الجيش وقائده. الجيش هو جيش الله، والأعداء هم أعداء الله، فواجب جنود الله إذن هو إرسال أعداء الله بأقصى سرعة ممكنة إلى حيث سيتولى الله بنفسه معاقبتهم وتأديبهم، أي إلى الآخرة”.

ويعرف لويس وان لم يكن منصفاً أن الحرب في الإسلام دفاعية وليست هجومية والجهاد في الإسلام هو للدفاع عن الدين وليس فرض الدين على الناس أو إجبارهم لدخول الإسلام كما يقول لويس آنفاً!!

والدليل الذي نؤكده أن اليهود والمسيحيين بقوا في ديار الإسلام منذ انبثاق الدعوة إلى الآن ولم يجبرهم أحد على الدخول في هذا الدين أو محاربتهم وهناك الكثير من الوقائع التي تشهد للمسلمين انهم اكثر تسامحا وانفتاحا من الغرب نفسه في مواقف كثيرة، وهذا يعني أن لويس يحرّف الحقائق ويشوّه الوقائع للوصول إلى مآربه، وهي معروفة سلفاً.

وعندما يتطرق لويس إلى التسامح الإسلامي في هذه الدراسة، فإنه يقول ب “التسامح النظري” وهي عبارة ماكرة، ومعنى ذلك أن هذا التسامح في الأقوال لا في الأفعال والمواقف!!

لم أقرأ لباحث أو كاتب أشار بارتياح إلى كتابات برنارد لويس، وإنما كانت كل الكتابات تتحدث عن آرائه المتعصبة وغير المنصفة تجاه العرب والمسلمين وعلى رأس هؤلاء إدوارد سعيد، د. طه عبد الرحمن، د. رضوان السيد،محمد عابد الجابري، فخري صالح، وعشرات من الكتاب والباحثين الآخرين من كل الاتجاهات الفكرية ومنهم بعض الكتاب الغربيين.

ما قدمه برنارد لويس من استشارات للولايات المتحدة دافعة للحروب، يثبت أن الرجل لا يحمل فكرا عقلانيا ودراية عميقة بالعرب والمسلمين، بل يحمل أحقادا دفينة، وهي التي يقاسي الشعب الأمريكي تبعاتها وآثارها. ولله في خلقه شؤون.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)