بعد استقالة وزراء « حزب الله « من الحكومة اللبنانية سألت وزير الطاقة اللبناني المستقيل محمد فنيش، هل تعتمدون في رفع سقف مطالبكم على انكم تملكون السلاح من دون الاخرين؟ فأجاب «لو تصرفنا على اساس اننا نملك السلاح فالمفروض يطلع لنا اكثر من هيك»، في تلك الفترة كان «حزب الله» يتصرف، ظاهرياً على الاقل، كحزب سياسي، يتحدث عن الحوار، والديموقراطية، اما اليوم فمن الواضح انه يسعى الى «اكثر من هيك»، يريد ان يكون له الحق في تشكيل الحياة السياسية. فقد اعلن صراحة على لسان امينه العام استبدال الاملاء بقوة السلاح بالحوار. ففي خطاب السيد حسن نصرالله يوم الاثنين الماضي كان واضحاً ان الرجل عازم على تجاوز الطرح السياسي الراهن على الساحة اللبنانية. فهو اغلق الباب امام الفرص التي جرى تداولها في المرحلة الماضية، وقال لخصومه السياسيين في شكل لا يقبل الجدل: اما القبول بشروط «حزب الله»، اوالاحتكام الى الفوضى. وشروط حزب الله التي قصدها السيد في خطابه لن تتوقف عند الغاء المحكمة، مع استحالة ذلك، أو ايجاد صيغة لاستيعاب سلاح الحزب ضمن شرعية الدولة، رغم ان قضية استيعاب السلاح كذبة اطلقها الحزب وصدقها الاخرون. فالشروط التي يقصدها السيد هنا ابعد من رفض «تفاصيل» التسوية الحكومية، انها باختصار تعني معاودة ترتيب حقوق الطوائف في الحياة السياسية في لبنان.

في خطابه ربط السد حسن نصرالله مصير لبنان بالتغيرات السياسية في المنطقة، من خلال استدعاء الوضع المتوتر بين واشنطن وطهران، والربط هنا لاينبغي النظر اليه من زاوية فك الاشتباك بين الاغلبية والمعارضه فحسب، او تأثيره على حماسة الاطراف الدولية، والولايات المتحدة تحديداً، وتراجع اهتمامها في البحث عن مخارج للمشكلة اللبنانية. فالسيد تكبر في خطابه على الازمة وتجاوزها الى الهدف الذي كان يسعى اليه من التسلح باسم التحرير، فاراد ان يوصل رسالة مفادها اننا صبرنا طويلاً لعلكم تفهمون ان موازين القوة بين الطوائف قد تغيرت، ليس في لبنان بل في المنطقة، لكنكم لم تدركوا ذلك، وها نحن نقرأ عليكم من آخر الصفحة، لبنان عاش منذ الاستقلال على نظام المحاصصة الطائفية، وحصتنا اليوم «اكثر من هيك»، فاذا كان الموارنة يحسون بالتهميش ويسعون الى استعادة دورهم، فنحن نشعر بالظلم لانه لم يكن لنا دور في الماضي، ولهذا عليكم الجلوس الى طاولة ليست مستديرة نجلس نحن على رأسها، ونعاود تصحيح القسمة من جديد قبل ان نتحدث عن «تفاصيل» المرحلة الماضية. وقد لمح الى شكل لبنان القادم من خلال تقرير مستقبل رئاسة الجمهورية، وتأكيده ان الرئيس اميل لحود باق باق حتى اخر يوم في ولايته، واصراره على اسقاط رئيس الحكومة، وفي الخطاب القادم سيكون السيد اكثر وضوحاً في املاء شروطه على الاغلبية.

لا شك في ان خطاب السيد حسن نصرالله يشبه، الى حد بعيد، البيان الاول لمواجهات عسكرية باتت شبه مؤكدة، فضلاً عن انه امتداد لموقف «حزب الله» الساعي الى تقويض الدولة اللبنانية بتركيبتها الراهنة، فالسيد اغلق في خطابه كل فرص الامل، وقال بلغة فوقية «ماي وي اور ذا هاي وي»، بمعنى «انا او الطوفان»، لكن فات السيد ان الاغلبية لا ترى فرقاً بين الخيارين. فتنفيذ جدول الاعمال الذي طرحه الامين العام في خطابه يفضي الى الطوفان، فاطلاق سراح المتهمين في جريمة اغتيال الحريري، والغاء المحكمة، والابقاء على «دولة» حزب الله داخل الدولة لن يمنح اللبنانيين السيادة، والحرية، والتعايش. وفاته ايضاً ان الطوفان لن يبقي مساحة لتحقيق حلم الدولة التي يريد.

الاكيد ان «حزب الله» الراهن ليس هو الحزب الذي عرفه اللبنانيون والعرب قبل حرب تموز (يوليو) الماضي، فحزب التحرير والمقاومة ورمز الكرامة، اصبح اليوم أداة سياسية وعسكرية لتحقيق الاهداف الخارجية التي يجري تنفيذها في المنطقة، وبأسف، يمكن القول ان «حزب الله يسعى بجهد لا حسد عليه الى تدمير صيغة التعايش الطائفي بين المسلمين والمسحيين، بل يذهب بعيدا في تكرار التجربة العراقية من خلال اذكاء الخلاف المذهبي بين المسلمين في لبنان، والاخطر ان «حزب المقاومة» اصبح يتحرك تبعاً لسخونة الموقف في جبهات الاخرين، فان زاد الضغط على طهران افتعل حرباً مع اسرائيل، واذا توتر الموقف الاميركي مع سورية رفع درجة التوتر على الساحة اللبنانية. لقد رهن الحزب لبنان لمصالح الاخرين باسم الممانعة للمشروع الاميركي تارة، وباسم التحرير تارة اخرى، والمثير للسخرية انه لايكف عن اتهام الاخرين بالارتهان للخارج.

يبدو ان لبنان على موعد مع حروب الصيف، فاذا كانت الحرب الماضية وقعت بالخطأ، او سوء التقدير، فانها هذه المرة ستقع بإصرار من «حزب الله»، فاسرائيل في ذمتها جولة اخرى ضد لبنان لتستعيد كرامتها، وحزب الله لم يقصر حتى الان، فالتصعيد الذي تعيشه الساحة اللبنانية سيسهّل مهمة جنرالات اسرائيل، و»حزب الله» يعتقد انه بالحرب الجديدة سيقفز على الاستحقاق الراهنة، او انه يتظاهر بهذا لخدمة اهداف ستظهر نتائجها في الصيف القادم.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)