في تطور بالغ الاهمية، أعلنت الأمم المتحدة امس أنها لا تعتزم فرض المحكمة ذات الطابع الدولي على لبنان، ودعت الحكومة والمعارضة في لبنان الى الانخراط في «حوار سياسي من دون إقصاء» بهدف «الخروج من مأزق إقامة هذه المحكمة»، مشيرة الى انها تريد مناقشة كل الاقتراحات مع كل الأطراف للتأكد من انها تحظى بدعم واسع في لبنان لتأسيس المحكمة.
وأعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون عقب مناقشة المسألة اللبنانية مع أعضاء مجلس الأمن في نيويورك، مساء أمس، أنه سيرسل مستشاره القانوني نيكولا ميشال الى بيروت يوم الثلاثاء المقبل «من أجل تقديم مساعدته القانونية الى الحكومة وإلى القادة السياسيين اللبنانيين» لمساعدتهم في التوصل الى اتفاق حول انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي و«إزالة كل بواعث القلق». وقد عبر بان عن أمله في «ان تكون هذه الزيارة مجدية»، داعيا الحكومة والمعارضة في لبنان الى الانخراط في «حوار سياسي من دون إقصاء» بهدف «الخروج من مأزق اقامة هذه المحكمة».

وفي ما يتعلق بإرسال بعثة لرصد الوضع على الحدود السورية اللبنانية، قال بان «آمل أن يتمكن (ميشال) أثناء زيارته من مناقشة جميع جوانب هذا الاتفاق لانشاء محكمة خاصة وآمل أن يساعد ذلك في توضيح جميع المخاوف التي يمكن أن يشعر بها المرء بشأن هذه القضايا». وأكد أنه شعر خلال مشاوراته ان أعضاء المجلس بصفة عامة يؤيدون هذا الوضع، مضيفا ان «المجلس بطبيعة الحال هو الذي سيتخذ قراره»، مشددا أنه ليس في وضع يسمح له أن يتحدث في الوقت الحالي عن اللجوء الى الفصل السابع.

بدوره، قال ميشال «نريد مساعدة اللبنانيين.. في أجواء حوار وطني ومصالحة»، مشيرا الى ان الأمم المتحدة لا تنوي البتة فرض المحكمة على لبنان، ومذكرا بأن تشكيلها كان مطلبا لبنانيا. وشدد على ان لا نية له للتورط في «السجال الداخلي» في لبنان، قائلا «انني ذاهب الى هناك لأعرض مساعي حميدة نيابة عن الأمين العام، ولأؤكد للأطراف (اللبنانية) انها عبرت عن رغبتها في إنشاء محكمة وأننا سنحاول التوصل الى ذلك بجدية خلال الوقت المطلوب.. هو جهد منفتح من أجل التوصل الى اتفاق جدي».

وردا على سؤال بشأن ما اذا كانت مهمته تمثل محاولة أخيرة لإنجاح العملية الدستورية اللبنانية قبل ان يستعيد مجلس الامن الملف، قال ميشال «الجميع يدرك ان الوقت عامل (مهم) في هذه العملية». وأكد «نحن نأمل ان يتمكن (اللبنانيون) من تصديق الاتفاقية. وهذا هو الخيار المفضل في هذه المرحلة». وقال دبلوماسي في نيويورك «انها نوعا ما مهمة الفرصة الاخيرة».

وتابع ميشال «نريد بكل بساطة التأكد من ان الجميع يحصل على فرصة للمشاركة باقتراحاته، والتأكد انه في نهاية الأمر لدينا الدعم الواسع في البلاد لتأسيس المحكمة». وأضاف «اذا كان هناك من حجج مقنعة جدا نستطيع تطويرها، عندها سنرى ما الذي يمكن ان نفعله، وهذا الأمر سيكون محور اهتمامي خلال وجودي في لبنان». وختم بالقول انه ينوي إطلاع مجلس الأمن على التطورات عندما يعود الى نيويورك، وأنه «سيكون من شأن أعضاء المجلس اتخاذ أي قرارات حول أي تحرك مستقبلي».

وقال مصدر دبلوماسي أوروبي واسع الاطلاع في بيروت لـ«السفير» ان نيكولا ميشال «سيحمل معه الى بيروت اسئلة تقنية ويريد أن يستمع الى أجوبة تقنية محددة وربما تكون لديه اقتراحات، على قاعدة أن الأمين العام للأمم المتحدة لم يفقد الأمل في امكان اقرار المحكمة وفق الآليات الدستورية اللبنانية».

وأشار المصدر الدبلوماسي نفسه الى أن قيادات الرابع عشر من آذار وخاصة النائب سعد الحريري أصبحوا في جو مهمة ميشال وتصور الأمين العام.

وقد عاد الحريري الى بيروت أمس واتصل بالرئيس نبيه بري، وذلك في أول اتصال بينهما منذ اجهاض الحوارات الثنائية.
باريس:

الاعتراض الروسي يؤخر البيان الرئاسي
في هذه الاثناء، لخص مراسل «السفير» في العاصمة الفرنسية محمد بلوط الأجواء في ما يخص زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والمحكمة الدولية في التقرير الآتي:

«أقرت مصادر فرنسية مطلعة أن اعتراضاً روسياً في مجلس الأمن لا يزال يؤخر صدور البيان الرئاسي المنتظر عن مجلس الامن الدولي، وقالت لـ«السفير» إن الاعتراض الروسي ينصب بشكل أساسي على الاقتراح الذي تقدم به بان كي مون في إطار العمل على ما اسماها «عملية مكافحة تسريب الأسلحة إلى لبنان»، والذي يدعو فيه «إلى إرسال لجنة خبراء مدنيين لتقييم ودرس الإجراءات التي تعتمدها الحكومة اللبنانية لمراقبة الحدود مع سوريا وفعاليتها في وقف عمليات تسرب الأسلحة إلى «حزب الله» في لبنان».

وأوضحت المصادر الفرنسية ان الاجتماعات مع الجانب الروسي في مجلس الامن لتذليل هذه العقبة قد تؤخر صدور البيان الرئاسي عدة أيام.

وعلم أن المندوب الروسي يطالب الأمين العام والدول التي وافقت على مشروع البيان، وخاصة الاميركيين والفرنسيين، بإيضاحات ضرورية حول طريقة تشكيل لجنة تقييم الاجراءات الحدودية بين لبنان وسوريا وطبيعة مهمتها وتحديد صلاحيتها. كما يطرح الروس تساؤلات عن الخطوات اللاحقة التي قد تترتب على توصياتها، بشأن الإجراءات التي يجب أن يتخذها لبنان في هذا الموضوع وما إذا كانت إلزامية، مع تشديد روسي على وجوب أن تكون خطواتها منسقة مع الجانب السوري حتى لا تتسبب بأزمة جديدة على صعيد العلاقات بين لبنان وسوريا.

وأشارت المصادر الفرنسية إلى أن الزيارة التي يعتزم القيام بها بان كي مون إلى دمشق في الرابع والعشرين من نيسان «تأتي بناء على ضغوط روسية وفي سياق تقديم ضمانات بحيادية عمل لجنة التقييم العتيدة».

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية شرقية في العاصمة الفرنسية ان زيارة نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف الى بيروت ودمشق في الاسبوع المقبل تصب في الاتجاه نفسه، وخاصة لجهة استطلاع موقف العاصمتين من المخارج الممكنة لقضية المحكمة الدولية ومسألة ضبط الحدود بين البلدين.

وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية جان ـ باتيست ماتيي إن «مشروع البيان الرئاسي قد نشر وقد أبدى البعض ملاحظات عليه، نحاول أن نأخذها في الاعتبار وعلينا التوصل إلى اتفاق الحد الأدنى حول البيان ونحن نواصل الاتصالات ونتوقع صدور البيان في صيغته النهائية خلال أيام وسنتابع المشاورات اليوم وخلال عطلة نهاية الأسبوع إذا ما لزم الأمر لكي يصدر بسرعة عن رئاسة مجلس الامن».

وأوضح ماتيي «إننا نحاول دراسة الملاحظات المقدمة، لكن لا يجب أن تؤدي بأي حال إلى تغيير طبيعة مشروع البيان الرئاسي أو أن تفرغه من جوهره»، منوها «بتمسك فرنسا ببعض الاستنتاجات المهمة التي خلص إليها هذا المشروع الذي يندرج في إطار متابعة وتقييم تطبيق القرار1701 وبناء على تقرير الأمين العام بان كي مون».
السنيورة يتلقى اتصالين من بان وموسى

وعشية وصول ميشال الى بيروت، بالتزامن مع وصول الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر سلطانوف، تلقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، مساء امس، اتصالا هاتفيا من بان كي مون، وضعه في اجواء مهمة موفده القانوني الى لبنان حيث سيجري مشاورات في شأن موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من أجل الاحاطة بالحيثيات اللبنانية وتحديد الاتجاهات اللاحقة في ضوء ما سيتوافر لديه من معطيات خلال زيارته الى بيروت.

كما تلقى رئيس الحكومة، الذي كان استقبل، امس، السفير السعودي عبد العزيز خوجة، اتصالا من الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى تباحثا خلاله في آخر المستجدات المحلية.

مصادر
السفير (لبنان)