أخير تمت الزيارة المنتظرة طويلا للدكتور ابراهيم سليمان، الأميركي من أصل سوري، الى إسرائيل للقاء اعضاء لجنة الأمن والشؤون الخارجية بالكنيست. وتمت هذه الزيارة على خلفية ما سرب للصحافة من لقاءات اسرائيلية سورية غير رسمية والتوصل الى صفقة شاملة. ولعدم وجود رواية اسرائيلية رسمية واحدة أرادت هذه اللجنة الاستماع الى رواية ابراهيم سليمان الذي قام بإجراء 8 جولات من المباحثات مع ألون ليئيل، مدير عام سابق لوزارة الخارجية الاسرائيلية.

المثير أن كلا من الحكومتين السورية والاسرائيلية تتنصل من هذه المحادثات ولا تعترف بها. ولا أعرف لماذا تتنصل سورية منها، بخاصة أنّ ابراهيم سليمان يؤكد استعداد سورية الجدي للسلام. بمعنى ان اعتراف سورية بموافقتها على المباحثات غير الرسمية وتنسيقها مع ابراهيم سليمان يساعدها على الظهور بمظهر من يريد السلام ويحقق اختراقا آخر بعد زيارة نانسي بيلوسي لدمشق. وقد تحدى ابراهيم سليمان الاسرائيليين في ان يستجيب اولمرت للإشارات الصادرة عن سورية ويجلس مع بشار الاسد، اذ يتوقع أن السلام سيحدث خلال ستة أشهر.

هذه يقودنا للحديث عن حقيقة الموقف الاسرائيلي من الجولان. يدرك جميع الاسرائيليين أن السلام مع سورية يعني، وباستخدام اللغة الأمنية التوراتية، النزول (يريدا) عن الجولان. الموقف الرسمي الاسرائيلي ممثلا بحكومة اولمرت يصر على ان سورية لا تريد السلام، لأنها تدعم "الارهاب"، وأن سورية تريد الظهور بمظهر من يريد السلام للخروج من عزلتها، ولتخفيف الضغط عليها في ملف الحريري والمحكمة الدولية. بمعنى ان سورية تستخدم المحادثات كوسيلة في السياسة الخارجية لتحقيق مكاسب على جبهات اخرى. والموقف الرسمي الاسرائيلي يعاني من عدم وجود هامش مناورة لوجود فيتو اميركي على اي محادثات مع سورية بالتحديد. فالأميركيون يريدون عزل سورية اكثر فأكثر. ومن هنا جاء سخط البيت الابيض ضد زيارة نانسي بيلوسي للرئيس الاسد.

كما أن اسرائيل دولة لا تتخذ قرارات بسرعة، ويؤثر في موقف حكومتها الاعتبارات الداخلية. ومع ان حزب الطريق الثالث، بقيادة كهلاني، والذي مثل مصالح المستوطنين في الجولان، قد اختفى الا ان لوبي الجولان ما زال موجودا وله تأثير كبير، بخاصة عند الاجهزة الامنية مثل آمان. والقيد الآخر هو - كما يبين مقياس السلام الصادر عن مركز تامي- أنه لا توجد اغلبية يهودية داخل اسرائيل تؤيد الانسحاب من الجولان او عقد صفقة سلام مع سورية على اساس الارض مقابل السلام.

علينا ان ننتبه ان قادة اسرائيل استخدموا لعبة المسارات منذ مدريد، ويتم الحديث عن المسار السوري للتهرب من المسار الفلسطيني، ولانتزاع تنازلات من الفلسطينيين. ولكن لعدم وجود عملية سياسية بالأساس، فأولمرت لا يلعب لعبة المسارات على الاطلاق.

ويجب أن نقرأ الموقف الرسمي في اطار التغيرات التي حدثت في اسرئيل عقب حرب تموز في لبنان. والتغير الرئيس والمؤثر في العقل الجمعي الاسرائيلي ان اولمرت لا يمكن ان يقود - ولا يمكن له بالفعل تقديم تنازلات لأي طرف. ويعترف اولمرت بأنه لا يمتلك أجندة وبالتالي يدير كل حركات السياسة الخارجية من اجل التمكن من الاحتفاظ بمنصبه. وهي لعبة بقاء سياسي من الدرجة الأولى. والحقيقة الاخرى ان اسرائيل رفضت كل العروض السورية تاريخيا، وما علينا الا قراءة آفي شلايم عن عروض حسني الزعيم وموقف بن غوريون.

مايزال الحديث عن سورية في اسرائيل حديثا نخبويا، ويدور حول مدرستين او اتجاهين: الاول يعتقد ان بشار ضعيف وسورية معزولة، وهي بحاجة الغرب. وعليه فإن اسرائيل تستطيع ان تنتزع تنازلات لقاء صفقة سلام وتسلخ سورية عن ايران. أهم المنادين بهذا المنطق الجيوستراتيجي هو آفي دختر. الاتجاه الآخر هو ان سورية غير جدية في موضوع السلام وهي ما لا تزال تدعم "الارهاب" وحزب الله، وتريد استخدام المفاوضات كورقة في السياسة الخارجية.

في تقديري إن زيارة ابراهيم سليمان تصب في مصلحة سورية، وهي انجاز تكتيكي سوري آخر.


* مساعد الرئيس السابق بيل كلينتون للشؤون العربية - الإسرائيلية, والمدير الحالي لبرنامج الشرق الأوسط في "مجموعة الأزمات الدولية"

مصادر
الغد (الأردن)