في سعيهم لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت، الذي أسر في عملية (الوهم المتبدد) في موقع (كرم أبو سالم) أو ما يسميه الإسرائيليون (كيرم شالوم)- في محاولة لتهويد المكان- يضع المفاوض الإسرائيلي شرطاً يضج برائحة العنصرية هو (الأيدي الملطخة بالدم الإسرائيلي) والتي لا يجوز إطلاق سراحها، مهما كان الثمن. هذا الشرط الذي تم تجاوزه في عمليات إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي. وانسجاماً مع هذا الشرط (خفّضت) مصادر أمنية إسرائيلية (سقف التوقعات من احتمال إنجاز صفقة تبادل الأسرى).

وفيما عززت نتائج استطلاع جديد للرأي أجرته صحيفة معريف (12/4/2007) في أوساط الإسرائيليين التوجه الداعي إلى إبداء مرونة في المعايير الموضوعة منذ سنوات لإطلاق أسرى فلسطينيين، وقد بين الاستطلاع أن 45% من الجمهور الإسرائيلي يؤيدون صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل والفلسطينيين، لقاء إطلاق الجندي شاليت وعارض مثل هذه الصفقة 36.5%.

ويبدو أن هذه القضية مطية يعتلي ظهرها من يوصفون بالتعامل مع الرأي العام. فقد كتب المعلق العسكري في صحيفة هآرتس زئيف شيف أن (خنوع إسرائيل للحركة – الأصولية- في موضوع قائمة الأسرى سيمس بشكل كبير بقوة الردع الإسرائيلية في الحرب على الإرهاب، فضلاً عن أنه سيشجع (منظمات إرهابية) على مواصلة محاولاتها خطف جنود إسرائيليين). وفي هذا الصدد اقترح (شيف) على حكومة إيهود أولمرت أن تكون (صفقة التبادل في إطار خطوة أوسع تشمل التزام حكومة (حماس) بأن تفرض على جميع الفصائل احترام وقف إطلاق النار). إن أسوأ ما في زئيف شيف وأمثاله هو أنهم (فوقيون) ولا يكلفون أنفسهم عناء إنعاش الذاكرة. لقد أعلنت حكومة أولمرت غير مرة أن اتفاق التهدئة الذي أبرمته الفصائل الفلسطينية في القاهرة في آذار 2006 (لا ينطبق على الضفة الغربية)، علماً بأنها لم تلتزم في تطبيقات الاتفاق في قطاع غزة كون الاتفاق (ملزم للفصائل) وهي (إسرائيل) لم تكن طرفاً فيه.

القصة تعيد سيرتها الأولى فالاستراتيجي (شيف) يقترح (أن تفرض حماس على الفصائل احترام وقف إطلاق النار). فهل التزمت إسرائيل باتفاق كهذا؟ وهي التي تطبق دوماً ما عرف منذ اتفاق الخليل (17/1/1997) (المطاردة الحامية) Hot Pursuit أو ما تسميه تسيفي ليفني (التفاوض تحت النور).

يقدر عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بـ11 ألف شخص بينهم الطفل الوليد والشيخ الطاعن بالسن مثل سامي يونس (77 عاماً) من قرية (عرعرة) في منطقة (المثلث) الشمالي، ووصفي منصور (72 عاماً) من مدينة الطيرة في المثلث الجنوبي، وكلاهما محكوم بالسجن المؤبد.

يدور الحديث عن أن الصفقة بلغت رحلتها الحاسمة، ما يشير إلى أن الاتفاق بات وشيكاً، نظراً للضغط الذي تتعرض له حكومة أولمرت على الصعيد الشعبي. والتقدير أن الحديث أيضاً يدور حول 1450 أسيراً، بينهم 321 طفلاً 4% منهم معتقلون اعتقالاً إدارياً بمعنى أنه لم توجه إليهم أي تهمة، وبين الأطفال المعتقلين 3% بنات، علماً بأن 451 أسيراً كانوا أطفالاً عند لحظة اعتقالهم، وتجاوزوا منذ عامين سن الـ18 من العمر.

والاتفاق، كما تقول مصادر المتفاوضين، يقضي بأن يتم إطلاق سراح الأسرى على 3 دفعات: الأولى وتشمل 450 أسيراً، في مقدمتهم الأسير مروان البرغوثي والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات وعدد من قادة (كتائب القسام)، الذراع العسكري لحركة (حماس) قبل تسليم (شاليت) إلى مصر.

أما المرحلة الثانية، قالت المصادر، ستُنفذ بالتزامن مع تسليم شاليت إلى السلطات المصرية، وتشمل إطلاق سراح جميع النساء والأطفال وكل الأسرى الذين قضوا أكثر من 15 عاماً في السجون الإسرائيلية، فيما تضم المرحلة الثالثة التي ستنفذ بعد شهرين من تسليم شاليت إلى إسرائيل وتشمل جميع الأسرى الذين قضوا ما بين 13-15 سنة.

ليس من المتوقع أن يتم إطلاق سراح المعتقلين قبل لقاء أولمرت- عباس، في مكان وزمان لم يحددا بعد، والحديث كما تقول معريف يدور الآن حول (الثمن)، ذلك أن حماس، كما تقول مصادر إسرائيلية سياسية قد ضخمت القائمة بمن نفذوا عمليات قتل فيها إسرائيليون. ووصفت المصادر القائمة بأنها (إشكالية) بشكل متعمد من أجل البدء في مفاوضات يكون (الثمن فيها عالياً قدر الإمكان).