اضطربت بيروت، أكثر بكثير مما ارتبكت دمشق، وأكثر بكثير ايضا مما انفعلت تل ابيب ازاء زيارة رجل الاعمال الاميركي السوري الاصل ابراهيم سليمان العلنية الاولى من نوعها الى اسرئيل. وأساء فريقا الازمة اللبنانية التعاطي مع ذلك الحدث الفريد.. الذي انهى محاولة سورية وإسرائيلية جرت العام الماضي لاستكشاف فرص استئناف مفاوضات السلام.

لم يلاحظ أحد في لبنان ان زيارة سليمان الى اسرائيل صارت علنية لانها استنفدت اغراضها ولم يبق منها سوى الصورة التقديرية التي وزعها الاسرائيليون لرجل سوري الاصل سعى الى القيام بدور شخصي على خط السلام، لكنه لم يحمل عرضا جديدا ولم يلق ردا مشجعا. واكتفى بالحصول على بعض الشهرة وبعض الشكر لمسعاه السابق لأوانه.. الذي تمثل في فتح قناة سرية للتفاوض مع مسؤول سابق في وزارة الخارجية الاسرائيلية هو ألون ليئيل.

صحيح ان هذه القناة ظلت تعمل طوال العامين 2004 و,2006 وكانت بالتأكيد تستخدم بمعرفة القيادتين السورية والاسرائيلية، بل وبتفويض غير رسمي منهما، لكن ذلك يضيف الى مخزن الاسرار السياسية ملفا جديدا، من دون ان يحفر اساسا للتفاوض، ومن دون ان يخرق الحصار الدولي المفروض على دمشق، الذي ثبت ان الاسرائيليين لا يستطيعون انتهاكه.. برغم رغبتهم الدفينة في الاقدام على مثل هذه الخطوة.

ومثل هذه النتيجة الواضحة جدا لمهمة سليمان، يفترض ان ترضي الاغلبية اللبنانية لانها تعني ان النظام في سوريا لا يزال يخضع للعزلة وهو لن يخرج منها الا اذا عمد الى تغيير سلوكه بشكل جذري تجاه لبنان وإيران، او اذا طرأ تغيير في سلوك اميركا وفرنسا تجاهه.. وهو ما لا يبدو مرجحا حتى بعد خروج الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك من منصبيهما.

ومثل هذه النتيجة الحاسمة جدا لمهمة سليمان، يفترض ان تفرح المعارضة اللبنانية التي تؤمن بأن النظام في سوريا هو نظام ممانعة لم ولن يفرط في ثوابته الوطنية وبالتالي لم ولن يتخلى عن حلفائه اللبنانيين الذين يقفون على الخطوط الامامية للجبهة مع العدو.. والذين تلعثموا بعض الشيء لدى رؤيتهم صور رجل الاعمال السوري في اسرائيل وقراءتهم اقواله المأثورة عن تفاصيل خريطة السلام التي توصل اليها مع شريكه الاسرائيلي الون ليئيل.
بدلا من تبادل مشاعر الغبطة في بيروت تحديدا بأن السلام مع اسرائيل لن يكون المخرج الذي يبحث عنه النظام السوري او لن يكون ذلك المنعطف الذي يمكن ان يضطره الى تغيير سلوكه يوما ما.. تراشقت الغالبية والمعارضة بكلمات لا يمكن ان توضع في أي سياق سياسي، لانها لن تخرج حزب الله عن طوره الراديكالي الذي لا يستمد زخمه من دمشق، ولن تخرج الحكومة عن جدول اعمالها الذي لا يعتمد على الاخبار الواردة من تل ابيب طبعا.

مصادر
السفير (لبنان)