بادره: الوقت يمشي بسرعة مذهلة. كان لبنان أمام استحقاق المحكمة. بعد ذلك أصبح هذا الاستحقاق بيد مجلس الأمن. حذر المعارضون من الفصل السادس، ووجدوا أنفسهم أمام استحقاق الفصل السابع، وحذروا من ان هذا هو الطريق الى الحرب الأهلية. وردَّ عليه المرجع السياسي: أمن أجل ذلك، ينفخون في نار الحرب الأهليج، بعد قرابة ثلث قرن على اندلاعها، ونصف عقد من الحروب المتنقلة. لا، يا صديقي. ولقد مرت ذكرى 13 نيسان، عندما اندلعت الحرب في العام 1975 ، بعد حادثة بوسطة عين الرمانة، ولم يسمع اللبنانيون إلا بهدير الحرب، وقد أصبحت مثل هدير بوسطة عين الرمانة، قبل أن تصبح مجرد أشلاء هامدة، وأنقاضاً غمرها الصدأ، على قارعة طريق شبه مهجورة.

وأردف: اللبنانيون أصبحوا على الأرض يا حَكَم. عندما كان الخير في أيديهم، أضاعوه. الآن، أصبحوا لا يملكون شيئاً. ينامون على الطوى. يستيقظون على الجوع يفتك بأحشائهم، عندما اندلعت الحرب، اعتقدوا أنها ستخمد بعد أسبوع أو أسبوعين، وعندما طالت سنة، بعد سنة، حضر الموفد الأميركي دين براون حاملاً اليهم باسم معلمه هنري كيسنجر، عرض تسفير المسيحيين الى أميركا وكندا، لكنه خرج من لبنان مطروداً، والحكاية باتت معروفة. يومئذٍ، كان مخطط التوطين على النار. بعد ثلث قرن، مات أو يكاد هذا المخطط أن يموت. لكن مخطط التقسيم لم يمت. هو باقٍ، مزدهر، وفي أحسن أحواله. في تلك الحرب القذرة، دخلت الوصاية السورية الى لبنان، تحت شعار إحباط مخطط التوطين والتقسيم. لكن، بعد خروج الأوصياء من لبنان، لم تخرج الوصاية منه، وأصبح في البلاد حرب وصايات، من سورية الى أميركية وأوروبية.

وعاد المواطن الى الحوار مع المرجع السياسي، وراح يقول إن عنوان المعركة كان منذ عامين، إسقاط المحكمة الدولية، وطرحها على رمال الأزمة، قبل قيامها... لأن سوريا، بعد خروجها من لبنان، وتوجيه الشبهة اليها، أو الى بعض مسؤوليها في التخطيط والتنفيذ لمخطط تفجير موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب الشهيد باسل فليحان، باتت تحشد حلفاءها والأصدقاء، من أجل إهدار المحكمة الدولية على رقعة الأحداث.

وقال المواطن للمرجع: ما هو عنوان المعركة الآن?
وردَّ: العنوان الجديد الآن ثلاثي، مثل ثلاثية نجيب محفوظ: بين القصرين (قصر الشوق)، (زقاق المدق) و(السكرية)، ثلاثة عناوين في كتاب واحد.

وسأله المواطن: وما هي عناوين القضية الآن تحديداً وتفسيراً وتوضيحاً?
وعاد المرجع السياسي الى الكلام: محل (بين القصرين)، هناك المحكمة الدولية. وبعد وقت قصير يصل الى بيروت آخر المستطلعين نائب وزير الخارجية الروسي سلطانوف، ومهمته في بيروت ودمشق، عدم الاسترسال في التصعيب والتصعيد، وإقرار إنشاء المحكمة الدولية بروح القوانين اللبنانية، لا وفقاً لما ترتئيه المنظمة الدولية، والذهاب الى الفصل السادس أكثر طمأنينة من ذهابها الى الفصل السابع.

والعنوان الثاني هو (قصر الشوق)، أي الاتفاق على تسوية سياسية لمسألة انتخاب
رئيس الجمهورية المقبل. فريق 14 آذار يسعى الى رئيس منه، أو الى رئيس توافقي. وفريق 8 آذار يريد رئيساً من المعارضة، ويرشح العماد ميشال عون. الفريق الأول يعمل على انعقاد جلسة الانتخاب خارج مقر المجلس النيابي المقفَل الآن بأوامر من رئيسه. ويتمسك بأن النصاب هو نصف عدد أعضاء المجلس الأحياء زائد واحداً. والمعارضة تقول إن النصاب لعقد أول جلسة وكل جلسة انتخابية هو الثلثان. والخوف الجاثم على الصدور، هو انتخاب رئيسين للجمهورية، في ظل وجود حكومتين.

قبل نصف قرن كان الأعضاء كافة يحضرون جلسة الانتخاب، ويختار نصف الأعضاء زائد واحد، رئيساً للبلاد في دورة الاقتراع الثانية. وهذا ما حدث مع الرئيس سليمان فرنجيه عندما حضر الجلسة معظم أعضاء مجلس النواب التسعة والتسعين نائباً برئاسة الرئيس صبري حماده. وبعد ذلك بست سنوات، انتخب المجلس الرئيس الياس سركيس بحضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي، وبنصاب الثلثين أيضاً، لأن ذلك يعني تصويتاً بالموافقة على تعديل الدستور لأن الرئيس المنتخَب لم يستقل من منصبه كحاكم لمصرف لبنان وفقاً للقانون.

ويردف المرجع: أما (السكرية) فهي (التسوية)، أي استبعاد الافتراق بين اللبنانيين، والوقوع في فخ التقسيم. أي تقسيم الدولة بين رئيسين للجمهورية ورئيسين للحكومة، ومجلسين نيابيين.

ويخلص المرجع السياسي الى سؤال لا بد منه. بعد اتفاق الطائف، لماذا لا يعود الحاكمون والمعارضون الى (عرّاب الطائف) الرئيس حسين الحسيني، (الصامت) على مضض، (الساكت على زعل) من وصول الحالة الى ما وصلت اليه من شرذمة?

إن بعض السياسيين، يسألون: لماذا لا ينشر الرئيس الحسيني محاضر اتفاق الطائف على الناس? لماذا يحتفظ بها في أدراج خاصة?
أنا طرحت ذات مرة، هذا السؤال على الرئيس الحسيني، فأجاب: تلك المحاضر موجودة، ولو نشرتها كما يريدون، لقام المطالبون بانتفاضة عليّ، ووضعوا اللائمة عليّ أيضاً، لأن تلك المحاضر، مليئة بالخناقات لا بالاتفاقات، هل أنشر الغسيل الوسخ، على السطوح، لإذكاء الخلافات المحتدمة، أم أبقي على الاتفاقات التي أسفرت عن (وثيقة الوفاق الوطني)?

وفي النهاية: لقد كنتُ في الطائف، عندما انعقد مؤتمر البرلمانيين اللبنانيين، ولو أنصف اللبنانيون الرئيس الحسيني، لكانوا أقاموا له نصباً يخلّده في ساحة النجمة، أو في أي ساحة من ساحات بيروت، لأن الرجل قاد المجلس النيابي في أحلك الظروف، وأكثرها صعوبة وحدّة. وقد سلَّم البلاد لإرادة توافقية، فسادَ الوفاق ولا يزال، ولو من باب الدستور السائد منذ خمسة عشر عاماً تقريباً.

أسبوع حاسم
في نهاية أسبوع حاسم على صعيد المحكمة زار لبنان وفد نيابي من البرلمان الأوروبي برئاسة السيدة النائبة فيرونيك دو كايزر لبنان، والتقى قيادات ومسؤولين، وأبدى أسفه لعدم استقباله من الرئيس نبيه بري، (الصائم عن الكلام) والممتنع عن أي لقاءات، في ظل حكومة يعتبرها غير شرعية، وأبدت النائبة الأوروبية بعد اجتماعها الى الرئيس السنيورة قلقها، لأن تدميراً داخلياً للديمقراطية، (لأن ما يهمنا هو أن يكون هناك عدالة في لبنان، وليس فقط ثقافة ديمقراطية، وأن يعيش هذا البلد الحياة الديمقراطية والحياة البرلمانية.

ووسط هذه النهاية الغامضة للأوضاع، وإصرار الرئيس نبيه بري على الصيام عن الكلام والمبادرات إلا في السعودية، بعد دعوة الأفرقاء جميعاً الى الرياض، خرج خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبد العزيز، وناشد اللبنانيين الحوار والاتفاق، وأن يستفيدوا من المناخات الدولية والإقليمية التي تدعوهم الى مثل هذا الهدف النبيل، وعند ذلك، فإن المملكة على استعداد لتفتح ذراعيها وتستقبلهم وترعى وفاقهم واتفاقهم.

كلام العاهل السعودي ترك انطباعاً جيداً عند اللبنانيين، بعدما تأزمت الأوضاع، اثر الكلام الذي أدلى به رئيس البرلمان، يوم الأربعاء ما قبل الماضي، وبعد حديث الأمين العام السيد حسن نصرالله، وقيل فيه الكثير من التأويل والهجوم على جماعة 14 آذار.

ما هي أسباب التشنج الجديد في المواقف?
يقول قطب سياسي، إنه لا يعرف ما إذا كان قادة المواقف المتعارضة، يخططون لـ (طائف ثانٍ) يسعون الى انعقاده في العاصمة السعودية، كما انعقد مؤتمر الحوار الأول في منتجع الطائف السعودي، وهل المطلوب من المؤتمر الجديد إعادة النظر في التركيبة السياسية، واعتماد تركيبة حديثة، تعيد النظر في أوضاع الطوائف داخل النظام?

والمقصود بذلك ما إذا كانت طائفة معينة قد عدلت حصتها في المؤتمر الأول، وأنه لا بد من حقوق جديدة للطائفة الشيعية، على حساب الطائفة السنية، والطوائف المسيحية.

أم ان الموضوع هو موضوع المحكمة الدولية، بعدما فقدت المعارضة بعض ما حققته خلال المرحلة السابقة للاعتصامات أو بعد الاعتصامات في الخيم المنثورة في ساحتي (الاسكوا) و(الدباس) حيث يتواجد رموز من (حزب الله) و(التيار الوطني الحر).
ويشدد الرئيس الشيخ أمين الجميل، على البُعد الخارجي للأزمة اللبنانية، معتبراً أن المحكمة الدولية هي مدخل لوقف الاغتيالات ومسلسل العنف، وللاقتصاص من الفاعلين.

ويؤكد الرئيس الجميل، أن إقرار المحكمة التي هي ضمانة لوقف هذا المسلسل البغيض، أمر يجب أن يتجاوز الخلافات، وحذر من خطر الاهتراء اذا ما استمر الوضع على حاله.

مواقف شارل رزق
ظهر على وجه الأحداث، وزير العدل شارل رزق، وتناول مواضيع تشغل لبنان والعالم، وركز على أهمية إقرار المحكمة الدولية من خلال قرب وصول موفد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وإدخال لمسات لا تعديلات على نصوص المحكمة.
ولكن، أين هو شارل رزق الآن، وعلى أي ضفة يقف والأحداث تجري تباعاً، وهو يبدو غامضاً بين مواقف الماضي، وتداعيات الحاضر?

لكنه يسخر من السؤال ويستفيض في الجواب، لأنه يحرص على القول إنه ينتمي الى المدرسة الشهابية، لا الى ما يُقال إن الرئيس العماد اميل لحود، هو الذي أطلقه، وهو الذي ابتعد عنه، بعد ظهور ميوله الرئاسية.

ويقول، من دون أي غضاضة: لقد نشأت ودخلت العمل السياسي تلميذاً للرئيس فؤاد شهاب، عندما كنت في العشرين من العمر، وأظن ان لبنان اليوم أكثر حاجة من أي وقت سبق، للمبادىء التي نشأت عليها، والتي أكسبتني خبرة تخوّلني أن أقوم بعملي بسهولة كبيرة.

وعلى الرغم من عمق الأزمة التي نحن فيه، لا أواجه صعوبة كبيرة للتصرف ومعالجة الأمور كما يجب أن أفعل ولي مبدأ أتمسّك به كثيرا وهو أن الرأي العام مرجعي الوحيد. أنا في الحكومة مستقل، لست من 14 آذار ولست من 8 آذار.
ما رأي وزير العدلية، في العريضة النيابية الموقّعة من 70 نائبا، وأرسلت الى بان كي مون، وموفده السيد ميشال آلان آتٍ الى بيروت.

ويرد على هذا الاستفسار بقوله ان العريضة هي مبادرة اتخذتها قوة سياسية هي كتلة الأكثرية، فهي حرّة أن تراسل من تشاء لبنانيا وعربيا ودوليا ولم تكن العريضة مفاجئة، وكان الكلام عنها يدور منذ أيام. هذه العريضة تلزم مرسليها وهم أحرار في ذلك.

ولكن، سبق للأمين العام للأمم المتحدة ان زار بيروت، وأجرى محادثات مع القادة والمسؤولين اللبنانيين، فماذا استخلص شارل رزق من زيارته!
ويرد: استخلص من زيارة بان كي مون أولا تأكيد المجتمع الدولي اهتمامه الكبير بلبنان بشخص الأمين العام الذي هو رأس الهرم الأممي ومعاونيه لا سيما رأس الادارة القانونية في الأمم المتحدة وهذا أول استنتاج.

وثانيا، وقد كرّره بان كي مون مرارا، وهو إلحاحه على أن يوافق لبنان، على المحكمة وفق الأصول الدستورية اللبنانية.
ثالثا، وضع الأمين العام بان كي مون موضوع المحكمة ضمن سلّة من المواضيع التي تهتم بها الأمم المتحدة ولا سيما القرار 1701، القوات الدولية واعادة لبنان الى السلام بعدما خاضه من حروب في الصيف المنصرم.

هذه الأمور كلها تدلّ على الاهتمام الكبير الذي تحيط به الأمم المتحدة لبنان الذي يحظى باهتمام كبير من الدول الكبرى ومن المجتمع الدولي، ويجب ان لا يفوّت هذه الفرصة الفريدة المعطاة له.

الجمهورية الى أين
ويقال للوزير رزق، ان هناك كلاماً كثيراً حول أسباب ابتعاده عن رئيس الجمهورية اميل لحود، ومنها انه أخذ وعداً برئاسة الجمهورية.
طبعاً، ان الوزير رزق لا يرتاح الى مثل هذا السؤال، لكنه يجيب من دون تردّد:
من أين يأتي الوعد? الرئاسة يعطيها الشعب اللبناني ممثلا بنوابه وليس أحد آخر وأنا لست أنظر الى السلطة والى رئاسة الجمهورية كجائزة تُمنَح وتُعطى، بل كالتزام يحمله من يظنّ أنه قادر على تولّي المسؤولية.
سئل: لكن اسمك من الأسماء القوية?
وأجاب: أحمد الله الذي وهبني اسماً قوياً.
سئل: يُقال إنك تعرّضت لخديعة في هذا الموضوع?
وأجاب: خديعة?
سئل: الكثيرون قالوا ذلك، واعتمدوا على أنك ممثل رئيس الجمهورية في المؤتمر الدائم للفرنكوفونية.

وأجاب: أنا ممثل لرئيس الجمهورية في الفرنكوفونية منذ عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي عيّنني ممثلا له في المؤتمر وليس سواه.
سئل: ولكن ما سرّ ابتعادك عن الرئيس لحود?
وأجاب: أنا لا أنكر ان الرئيس لحود ساعدني بموجب الصداقة التي تربط عائلته بعائلتي منذ عشرات السنين لتولي هذا المنصب، لكن على أساس ان أقوم بعملي كوزير عدل وفقا للقانون وما يمليه عليّ ضميري، واتخذت الطريق الذي أراه مناسبا، أما ان يكون سواي ابتعد عني فهذا شأنه.

فالرئاسة بالنسبة إليّ هي التزام. اليوم، لا نحتاج الى إبدال رئيس برئيس، وشخص بشخص آخر، إننا نحتاج الى رئاسة جديدة ونهج رئاسي جديد يرمي الى ترميم مؤسسة أصبحت مهمّشة ما يفرض على الرئيس ان يكون صاحب رؤية يترجمها في عمله في السنوات الست المقبلة.

ان الرئيس ليس له سلطة بمعنى صلاحية مستقلة عن سواه، فهو في النظام البرلماني مقيّد بتوقيع رئيس الحكومة والوزير المختص، والسلطة التنفيذية ليست بيديه إنما هي في يد الحكومة، أما الرئيس فهو المرجع والحكم والملاذ لجميع اللبنانيين.

وتسأله: معالي الوزير، هل أنت خائف على عدم انتخاب رئيس جديد? بكركي أبدت حرصها على حصوله بموعده.

ويجيب: الكل يعلم كم صلتي ببكركي وثيقة ومنذ طفولتي لأسباب عديدة. بكركي وهي رأس الكنيسة المارونية لا تهتم بالمواضيع السياسية اليومية انما همّها لبنان. لماذا? لأن الكنيسة المارونية هي كنيسة وطنية، فالموارنة ولبنان توأمان، ما يمنح بكركي مكانة فريدة في الكنيسة المسيحية اجمالا وبالتالي حرص بكركي على لبنان هو حرصها على الموارنة، لأن لبنان هو الاطار التاريخي الذي نشأت فيه الكنيسة.
(التعقيد) لا (التسهيل)

لماذا عاد الرئيس بري الى التعقيد، وعَفَّ من التسهيل?
يقول مستشار الرئيس بري عرفات حجازي ان فكّ الارتباط بين المحكمة والحكومة يهدّد بتعطيل الحوار، ويضع المعارضة أمام واقع جديد، وهذا أمر يتجاوز الأصول الدستورية، وينسف معظم المبادرات، ويمهّد لوضع لبنان تحت الوصاية الدولية، ويجعله ساحة صراع للمحاور الاقليمية الذي أدخل الأزمة في طور جديد من العنف السياسي.

ويلفت عرفات حجازي الى ان الانقلاب السياسي كان متوقعاً، وجاء تزامنه مع المسعى السعودي للسفير عبدالعزيز خوجه، الذي رمى من خلال ابداء عدم معرفته وبلاده بالعريضة النيابية، خطوة ثانية لترميم الخروقات، والمحافظة على نقاش هادىء لا ساخن في موضوع المحكمة، مما يطلق فرصاً للتفاهم على صيغة مقبولة من الجميع.
وعندما قيل للرئيس بري، انه تمادى ويتمادى في حملته على الرئيس السنيورة، ردّ (بأنه ما عاد بينحمل).

وعندما قيل له انه يعطّل دور المجلس، وهذا تعطيل للحياة السياسية، وكشف ان السنيورة وافق خلال المفاوضات التي تابعها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والموفد السوداني مصطفى اسماعيل على إلغاء نشر مشروع المحكمة في الجريدة الرسمية، مقابل ان أوافق على عقد جلسة استثنائية لمجلس النواب.

وقيل للرئيس بري انه خلال حديثه التلفزيوني لوّح باستعمال سلاح (حزب الله) في الداخل، وهذا كلام خطير، لا يتوافق مع مساعيه الوفاقية، ردّ بأنه قال: (باسمي وباسم السيّد حسن نصرالله والعماد ميشال عون وباسم المعارضة، أقول لهم، انكم تعرفون ان هناك قراراً عندنا بعدم استعمال السلاح في الداخل، أنا أسمع اننا لا نستطيع شيئا، كيف يسمحون لأنفسهم بتهديدنا، واسرائيل لم تقدر علينا. هل هذا تهديد أم تذكير، لقد أحببت ان أقول بألاّ يحاول أحد ان يقفز علينا، هم يعرفون ان أكثريتهم كانت من عندنا، يوم اقامة (التحالف الرباعي) في الانتخابات الأخيرة.
ويقول وزير الاتصالات مروان حمادة ان الحكومة ستصدر مذكرة أخرى، لتواكب مذكرة السبعين نائبا، ورجح ان يستند مجلس الأمن الى المادة 41 من الفصل السابع لاقرار المحكمة، وتاليا ليس هناك طبعاً لجوء الى العنف، أو الى القوى المسلحة.
إلا أن وزير الخارجية بالوكالة طارق متري يرى دوراً للأمين العام بان كي مون، في تعجيل المذكرة، وذكر ان موضوع الفصل السابع لم يبحث، لا في نيويورك ولا في بيروت، وذكر ان موقف الحكومة هو، هو، مشيراً الى عدم وجود بديل واحد.
لكن الوزير متري قال آخر الأسبوع، ان الذين لا يريدون المحكمة، دفعوا الأمانة العامة الى اعتماد خيار لا بدّ منه، وهو إقرار انشاء المحكمة بموجب الفصل السابع، ضماناً لتنفيذها، بعد استنفاد الوقت المناسب في الظرف المناسب.

وفي اعتقاد مرجع سياسي ان العريضة كانت معدة سلفاً، وموقّعة منذ مدة، لكن فضحها في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس بري، في 20 آذار الماضي، جعل الاكثرية تتريث في الكشف عنها، معتبراً ان ما جرى هو استهداف لجهود الرياض، وان الاميركيين والفرنسيين هم الذين شجعوا فريق (الغالبية)، على الانخراط في لعبة تضييع الوقت. فيما كان السفيران الاميركي والفرنسي ينصحان حلفاءهما بعدم التخلّي عن اوراقهما الرابحة للمعارضة، بانتظار تطورات ستقلب أوضاع المنطقة وتوازناتها، وان ضربة اميركية لايران باتت قريبة، وبالتالي فان ادارة الممانعة ستنهار، فتحصلون على ما تريدون.

وعلى الرغم من كثرة التفسيرات والاجتهادات، حول ما ستؤول اليه الاوضاع في ضوء المعطى الجديد، بأن هناك من يؤكد ان جديداً لن يطرأ على المشهد السياسي، قبل معرفة الاتجاهات السياسية الاميركية، وما اذا كانت واشنطن التي استعجلت تجميع الاوراق في وارد البحث وستتأكد نتائجه خلال الايام المقبلة، وهو أمر لن يكون مزعجاً للرئيس بري، الذي يشعر بأن هماً أزيح عن ظهره، مشيراً الى ان اقرار النظام الداخلي للمحكمة في مجلس الأمن، سيفتح الحوار المنتظر استئنافه على جدول اعمال جديد، يمكن ان يكون قابلاً للتقدم السريع، بعد ان تكون المحكمة قد باتت خارج الصراع القائم على التركيبة الحكومية.
ويقول القطب ان أمرار المحكمة في مجلس الامن الدولي، يوفّر مخرجاً للازمة، وتصبح بعدها هذه القضية ثانوية، خصوصاً اذا حسمت الاتصالات الدولية، هذا الملف في الامم المتحدة.

لبنان الى اين?
هل الانقلاب المضاد، على (الانقلاب المضاد)، قاد البلاد الى هذه التطورات المأسوية.
هل كل التعجيل بارسال مذكرة الى مجلس الامن الدولي تسريعاً لقيام المحكمة! واعترافاً بالعجز عن انشائها وفق الآلية الدستورية المتاحة!
كذلك ماذا يعني اعلان العماد ميشال عون، توجيه تهمة الخيانة العظمى للذين وقّعوا على العريضة، وهل تتحمّل الاكثرية، والمعارضة مسؤولية دفع لبنان الى المجهول?
البلاد تواجه الآن اسبوعاً صعباً، ودقيقاً، والازمة كانت ازمة محكمة واصبحت ازمات المحكمة ورئاسة الجمهورية وتجاوز التقسيم الماثل على الابوب.
ويقال ان مبادرة من بكركي يجب ان تصدر مطلع الشهر المقبل، لتأمين مخرج لائق، لازمة النصاب الدستوري لجلسة انتخاب رئيس جديد، يتوافق عليه الافرقاء، وينهي ملحمة الصراعات في لبنان، على أسس جديدة.