كان الأسبوع الأول من السنة الخامسة للاحتلال الأمريكي للعراق أكثر دموية لجيش الاحتلال إذ سجل قتلاه رقماً قياسياً، وأظهر هذا الأسبوع تعقيدات جديدة في الوضع العراقي، إذ هدد الأكراد في العراق بالانسحاب من العملية السياسية إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم باستفتاء في كركوك، وقال برهم صالح: إن تطبيق مادة دستورية تنص على إجراء استفتاء حول كركوك هو (الشرط الأساسي) لاستمرار المشاركة السياسية، وأضاف في 10/4: على الجميع أن يعلم أن تنفيذ قرارات المادة 140 ورفع الظلم التاريخي الحاصل في كركوك والمناطق الأخرى هو الشرط الأساسي لمشاركتنا تحالفاً كردستانياً (53 نائباً) بالعملية السياسية وتشكيل الحكومة.

ومن ناحية أخرى لاحظناً تطوراً في الموقف التركي، حيث قال أردوغان في رده على تصريحات للبرزاني: إن برزاني تجاوز حدوده ثانية، وستستحقه كلماته، وطالبت تركيا تأجيل مشروع الاستفتاء حول وضع كركوك، إذ اعتبرت أن آلاف الأكراد انتقلوا للعيش في هذه المدينة لإحداث خلل في التوازن الديموغرافي فيها، وهناك موقف لافت للرئيس طالباني، حيث أعرب في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة التركية عن الأسف للتهديدات التي صدرت عن رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني ضد أنقرة. هل يشكل هذا الاتصال العودة إلى الخلافات الكردية- الكردية؟ أم أنه يدخل في سياق تبادل الأدوار في المواقف السياسية؟

وشهد الأسبوع نفسه تطوراً آخر، حيث توقعت مصادر مطلعة أن يعلن تأسيس (تحالفات للجماعات المسلحة السنية) بقيادة الجيش الإسلامي، وتشكيل جبهة ستضم غالبية القوى الرئيسية المناهضة للاحتلال، وقالت المصادر القريبة إلى هذه الجماعات أن الأهداف الرئيسة لهذا التحالف، إضافة إلى (مقاومة الاحتلال) الرد على (الفكر التكفيري) الذي ينشره تنظيم القاعدة في العراق والعمليات المسلحة التي يقوم بها ضد شرائح مختلفة من أبناء الشعب العراقي.

وساهم الأسبوع الماضي في اتساع الهوة بين شرائح المجتمع العراقي حيث طالبت الغالبية السنية بمناسبة ذكرى سقوط النظام بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، بينما طالبت الغالبية الشيعية ببقائها، وقد صرح رئيس الوزراء العراقي (المالكي) من اليابان، بأنه يرفض مشروع فرض موعد محدد لانتهاء المهمة الأمريكية في العراق، وهو الأمر الذي يطالب به المعارضون الديمقراطيون للرئيس الأمريكي بوش، وقال: إن حكومته تسعى إلى تحسين الأمن لجعل انسحاب القوات المتعددة الجنسيات ممكناً، والغريب في الأمر بأن ملك الأردن عبد الله الثاني أدلى بحديث في اليوم نفسه لوكالة فرانس برس قال فيه إن الانسحاب من العراق من دون جدول زمني أو تهيئة الظروف الملائمة التي تضمن تعزيز دور الحكومة المركزية وتمكينها من إدارة شؤونها، وضمان وجود قوات عراقية قادرة على توفير الأمن والاستقرار، قد يسهم في زيادة حدة العنف والاقتتال بين العراقيين، ولكن الملك لم يقدم أية خطة تؤدي إلى ذلك، إذ أثبتت تجربة السنوات الأربع بأن ما قاله الملك لم يتحقق!

إن هذه التطورات الجديدة التي سمعناها ورأيناها، منحت العقدة العراقية زخماً جديداً وإضافياً، يؤسس لمرحلة مقبلة أكثر دموية، يدفع ثمنها الشعب العراقي.

كما أن اللامبالاة العربية بالوضع العراقي، تمنح ترخيصاً للدول الإقليمية بملء الفراغ الحالي والقادم، فتركيا يبدو من خلال تصريحات مسؤوليه تستعد للتدخل، وإيران لها أجندتها المعروفة، وهناك أخبار شبه مؤكدة بأنها لن تشارك في مؤتمر شرم الشيخ حول العراق.

كما أن مؤتمر القمة الأخير (الرياض) قد سحب الأنظار إلى القضية الفلسطينية وجعلها القضية العربية الأولى وبحلها تهدأ المنطقة لذا نرى الأوروبيين والأمريكان يهتمون أكثر بهذه القضية، ومع تأكيدنا على صحة ذلك، نرى أن الوضع في العراق أكثر خطراً على الشعب العراقي وشعوب المنطقة، لأن الصراع في العراق يأخذ شكلاً طائفياً، بينما الوضع الفلسطيني يأخذ شكلاً تحررياً.

وإذا أضفنا إلى هذا كله الوضع السياسي الأمريكي المتأزم، وقرأنا اتساع الهوة بين الأمريكيين جمهوريين وديمقراطيين، نلاحظ ما يلي:

1 – قد تلجأ الإدارة إلى شن حرب خاطفة على إيران لسببين: الأول هروبها إلى الأمام لفشلها في العراق، الثاني كي تقدم نجاحاً للشعب الأمريكي تستثمره في انتخابات الرئاسة القادمة.

2 – قد تلجأ تركيا إلى التدخل في شمال العراق، مبررة ذلك بوضع حد للمسلحين الأكراد الذين يدخلون تركيا من الحدود العراقية، وتستثمر ذلك في الانتخابات القادمة (رئاسة الجمهورية) في 17/5.

3 – قد تسحب أمريكا قواتها من العراق (بعد الحرب الخاطفة على إيران) مما يوقع الشعب العراقي في أتون حرب طائفية.

4 – قد ينسحب الأكراد من العملية السياسية (مشكلة كركوك) كي يستطيعوا التخلص من نفوذ المركز في بغداد، وذلك لمحاربة تركيا بعد (تدخلها) بالطريقة المناسبة لهم.

وأخيراً ربما نرى مشهداً عراقياً تراجيدياً في الفترة القادمة (لا سمح الله) نشهد فيه السنة يقاتلون تنظيمات القاعدة، والأكراد مختلفون حول الموقف التركي قد يصل بهم إلى حد الاقتتال والشيعة ينقسمون إلى انتماء عراقي وآخر إيراني.

لذا فالمطلوب من القوى المؤثرة السياسية والعسكرية وخاصة الإعلامية العمل الجدي على تحصين شعوب المنطقة كي لا نصل إلى هذا المشهد.