كنت طفلة أترقب ما يحدث داخل البث التلفزيوني، عندما تنقلب الصورة إلى الأبيض والأسود، فأشعر أنني أعود إلى التاريخ، أو ربما لزمن كان غريبا، لكن "الكبار" حولي كانوا أكثر من سعداء.. فهل يمكن أن يعيد الجلاء نفس الفرحة إلينا... وهل علينا أن نعيش التجربة حتى تبقى حاضرة بأذهاننا؟!

من الصعب اليوم على مدرس أو أب أن يعيد تصوير "الجلاء" كما كان ينقله من عايش الحدث، وربما من الصعب أيضا أن نُفهم البعض بأن زمنا ولى كانت سورية تحت الوصاية والانتداب، لكن احتلال العراق قدم لنا مثالا يمكن عبره شرح هذا الدرس التاريخي، وحتى إيضاحه كصورة لانتهاء السيادة...

لكنني في المقابل لا أحب أن يكون المثال هو الشكل الأساسي حتى نستطيع الدخول إلى الجلاء، لأن قبل تحقيق هذا الموضوع فإن قناعة سادت داخل المجتمع السوري مرتبطة أساسا بـ"التفكير بأنفسنا"، وبأن الحياة ممكنة خارج كل الأطر القديمة، فالذين أنجزوا الجلاء لم يملكوا أي تجربة سابقة مع الاستقلال، وهم أيضا كانوا قادرين على التفكير من جديد بأن المجتمع يمكن أن يعيش حالة جديدة بالكامل، دون وجود الخليفة والوالي والسلطان العثماني والمندوب الفرنسي.. ودون وجود أنماط جاهزة...
أفكر بالاستقلال كما هو عليه اليوم... أفكر بالخيارات السورية اجتماعيا وسياسيا... وأفكر أخيرا بالمجتمع الذي يمر عليه "اليوم الوطني" وسط زلزال مستمر منذ الجلاء وحتى اليوم... فهل استطعنا التوقف للحظة والتفكير بأنفسنا، وبأن الجلاء لنا ويحدد شخصيتنا!!!

المساحة العاطفية لهذا الحدث ربما انزاحت عن المجتمع بحكم التقادم.. أو بحكم أن هذا الأمر هو انقطاع تاريخي ما بين زمنين.. لكن المساحة الباقية هو أننا نشعر بأنفسنا رغم كل الأحداث التي مرت، ورغم ثقل بعض التواريخ، ورغم أننا اليوم نفكر أكثر بالتفاصيل.. ولكن كل التبعات التي نعيشها اليوم لم تكن ممكنة لو بقي "السلطان" يتحمل "وزر الأمة".. فالاستقلال ظهر من الحداثة أولا... وهو يبقى ضمن زمن جديد لا حاجة فيه للبقاء مستنفرين بعواطفنا تجاهه لن الغد هو همنا الأخير.