لم يكن "الغضب الأمريكي" خارجا عن المألوف، لأن ما حدث في في جامعة التكنولوجيا في فيرجينيا يشكل تكرارا لأحداث مشابهة، حتى ولو كان منفذ الهجوم الأخير طالب من كورية الجنوبية، فالمسألة متعلقة بحركة "الإرهاب" داخل المجتمع الأمريكي، وبغض النظر عن ترافق "الإرهاب" بالاتجاهات السياسية.

ماحدث في الولايات المتحدة يوم الإثنين يضع دائرة الإرهاب من جديد ضمن سياق حاولت الإدارة الأمريكية تجنبه، محاولة تحويل هذه الظاهرة إلى "حالة سياسية" فقط، فارتبطت بشكل تلقائي مع سياسة الدولة أو تياراتها، وتبع ذلك خلق تصنيفات ومحاور وحتى بناء استراتيجية خاصة. فحادثة جامعة التكنولوجيا في فيرجينيا تعيد تحديد مساحة الإرهاب الواجب معالجتها بحيث يمكن:

 وضع هذه الظاهرة بعيدا عن الاتجاهات أو الرغبات السياسية، لأن الإرهاب عندما يتم وصفه بأنه ظاهرة عالمية، يجب في المقابل وضعه ضمن قراءة لا تكتفي بربطه بالظاهرة السياسية.

 اعتبار الإرهاب مشكلة دولية يفرض تناولها مع "حالات العنف" بغض النظر عن الجغرافية التي يمكن أن تظهر فيها هذه الظاهرة.
 إن السياق السابق يضعنا أمام النظر إلى "جريمة" فيرجينيا ضمن دائرة أبعد من الاعتبارات الجنائية الاعتيادية، وربما يمكننا أن نفهم تعامل الشرطة الأمريكية معها كـ"جريمة" لكنها في المقابل تعيدنا إلى الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية التي سبقت الولاية الأولى للرئيس الأمريكي جورج بوش، حيث كانت مسألة السلاح بندا أساسيا في الحملات الانتخابية، وكانت حملة الرئيس بوش تتعامل مع مسألة السلاح بشكل حذر على أنه يمس الحريات الأساسية التي نص عليها الدستور الأمريكي.

في المقابل فإن تفاقم مسائل العنف في المجتمع الأمريكي ليست حالة داخلية خاصة، لأن مسألة "تجارة الأسلحة" تشكل مساحة أساسية في حركة السياسة الأمريكية، وفي المقابل فإن شركات تصنيع السلاح الأمريكي لم تعد تشكل مجموعة خاصة على المستوى العالمي بل هي أيضا ترسم إلى حد كبير طبيعة السياسة الأمريكية، وتكفي مراجعة السياسات الدفاعية في عهد وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيليد وسجله الشخصي حتى نجد الرابط المكشوف والمعروف على المستوى العالمي بين التصنيع الحربي والاستراتيجية الأمريكية.
عمليا فإن السياسات التي تم اتخاذها لـ"محاربة الإرهاب" تنسجم بشكل واضح مع فهم الإدارة الأمريكية الخاص لهذه الظاهرة، وعزلها على المستوى الجغرافي، وفي المقابل فإنها متوافقة مع الطبيعة الاقتصادية التي بقيت تُرسم وفي أولويات شركات التصنيع الحربي الأمريكي، لكن ما حدث في فيرجينيا إذا تمت قراءته وفق سياق الإرهاب كظاهرة عامة فإننا سنقف عن مسائل أخطر من ربطها بالحركات "الرديكالية" حسب تعبير المنظرون من المحافظين الجدد. لأن السياسة الأمريكية بذاتها لا تتعامل مع الموضوع على أنه ينطلق من رؤيتها للعالم، ومن المجال الذي رسمته استراتيجية الاستمكرار في إنتاج وتسويق الأسلحة الفردية الخاصة، بما فيها "الألغام" الفردية، التي لم تستطع المؤتمرات الدولية الحد من بيعها أو إنتاجها، علما ان الولايات المتحدة هي من أكبر الدولة المنتجة للألغام.

في نفس الوقت فإن فهم ما حدث في فيرجينيا كـ"ظاهرة إرهاب" يمكن أن يدفع القراءة باتجاه آخر، لا يتعلق بالارتباط الأخلاقي لإنتاج السلاح والسماح باقتنائه، بل أيضا بالتعامل معه على المستوى الدولي، فتصريحات وزير الخارجية البلجيكي حول ضرورة إلزام إسرائيل بدفع تكاليف إزالة القنابل العنقودية من جنوب لبنان، هو مسألة ليست بعيدة عن "ظاهرة الإرهاب"، لأن التركيز على مسائل محددة في هذه الظاهرة وعدم قراءتها ضمن مجال كسر القواعد الاجتماعية، يقود بشكل تلقائي إلى عزل الحوادث الإرهابية، في وقت يبدو الرابط بينها واضحا عندما نحاول إعادة رسمها على فلسفة "الإرهاب" أو الدفاع عن اقتناء السلاح كما ظهر في تعامل الإدارة الأمريكية الحالية.

كان بالإمكان لو أن حادثة فيرجينيا حدثت خلال الحرب الباردة لتم ربطها بحركة بيع السلاح العالمي، والنظر إليها وكأنها انعكاس ثقافي مباشر لتجارة السلاح العالمي، لكننا اليوم أمام استراتيجية الحرب ضد الإرهاب نقف عند حدود واضحة من جعل هذه الظاهرة على ساحات سياسية فقط، بينما لا يمكن أن نجعلها بعيدا عن فلسفة المحافظين الجدد عموما، لأن احداث 11 أيلول يمكن أن تظهر بأشكال مختلفة وليست بالضرورة من تنظيم القاعدة، لأن العنف هو الذي يشكل ظاهرة الإرهاب وليس فقط المصدر الثقافي الوحيد الذي تتجه إليه اليوم الولايات المتحدة.