أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال أنه «اذا كان قلق حزب الله من المحكمة (ذات الطابع الدولي لمقاضاة المتهمين باغتيال الرئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها) هو لحماية أشخاص معينين من أي ملاحقة قضائية، فاننا لن نجد أي لغة مشتركة (مع الحزب)... واذا كان القلق من ألا تكون (المحكمة) حيادية فإننا نؤكد انه سيتم احترام أفضل المعايير الدولية في انشاء هذه المحكمة وعندها سنجد لغة مشتركة للتخاطب». وقال ان المحكمة لن تستخدم أداة سياسية في أي حال.

كلام ميشال جاء في مؤتمر صحافي لخّص خلاله حصيلة لقاءاته في بيروت على مدى 4 أيام، لاستكشاف إمكان إقرار المحكمة في الأطر الدستورية اللبنانية، بالحوار بين اللبنانيين، على ان يغادر اليوم الى نيويورك.

وأطلع ميشال أمس كلاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة على حصيلة ما توصّل اليه في آخر محاولة له لتحقيق «النتيجة المفضّلة بالإنشاء المبكر للمحكمة بعد اتفاق الأطراف اللبنانيين، وجميع من التقيتهم أعربوا عن دعمهم المحكمة». وزاد أن «إقرارها انتصار للعدالة ولبنان... وخطوة مهمة لإنهاء تاريخ لبنان المأسوي في الاغتيالات السياسية».

وإذ رأى ميشال ان «من المحزن ألا يتمكن الاطراف المختلفون من بحث هذه الأمور». اعتبر أن «ما زالت هناك إمكانات وحظوظ لمواصلة الحوار وسنبذل قصارى جهدنا»، على رغم إشارته الى انه ليست لديه «أوهام».

وكشف ميشال انه سبق ان ناقش مشروع المحكمة مع مسؤولين سوريين في مكتبه في الأمم المتحدة مرات، حيث «عبّر نظرائي السوريون عن آرائهم بكل وضوح وكانت المسودة بين أيديهم ثم نظامها بعد إقراره».

وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «الحياة» أنه على رغم عدم التفاؤل بإمكان إحداث تقدّم في إقرار المحكمة في لبنان بدل اللجوء الى مجلس الأمن تحت الفصل السابع فإن قول ميشال في مؤتمره الصحافي «قمنا بزرع بعض الأفكار وغرسها للوصول الى نتائج مرضية»، ترك انطباعاً بأن الباب لم يُقفل. وقالت مصادر بري أنه كرّر لميشال تأكيده ان المشكلة ليست في المحكمة بل في الحكومة، وعرض له تاريخ المبادرات التي قام بها من أجل التوصّل الى حل يشمل المحكمة والحكومة وآخرها إقتراحه على الجانب السعودي مناقشة الملاحظات على المحكمة في لجنة تجتمع في المملكة العربية السعودية الى جانب لجنة تناقش موضوع الحكومة.

وأشارت المصادر الى ان ميشال سعى الى «بلورة أفكار تقود الى التزام الفرقاء اللبنانيين بإقرار نظام المحكمة في المؤسسات الدستورية، ضمن مهلة قصيرة جداً.

لكن أي مصادر رسمية حكومية او نيابية لم تؤكد هذا الأمر. الا ان ميشال أكد استعداد الأمم المتحدة لاستمرار العمل مع اللبنانيين لا أخذ القرارات مكانهم.

وكان ميشال التقى قبل ظهر أمس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، وأحد ممثلي أهالي ضحايا الجريمة كما قال. واجتمع ليل أول من أمس مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن في لبنان، حيث أطلعهم على ما خلص إليه في لقاءاته حتى يوم الخميس، في حضور وزير العدل شارل رزق وكبار القضاة. وصرح رزق بأن الربط بين اعتماد المحكمة وفق الأصول الدستورية اللبنانية وبين توسيع الحكومة هو ضرب من ضروب التسابق الى الحكم، وهذا موضوع لا علاقة للأمم المتحدة به.

وتزامنت تطورات مهمة ميشال أمس مع انعقاد مجلس الوزراء برئاسة السنيورة، لإقرار بعض التعيينات الادارية وللبحث في احتمال توجيه الحكومة رسالة جديدة الى مجلس الأمن لإقرار المحكمة في حال لم يتوصّل ميشال الى نتائج، على رغم نفي الأخير أنباء عن أنه طلب من الحكومة ان تبعث برسالة كهذه.

وكان المكتب الإعلامي للسنيورة واصل سجاله مع «حزب الله» بعد البيان الذي أصدرته كتلة نواب الحزب أول من أمس، واتهمت السنيورة باحتلال السراي الحكومية. وأشار المكتب الإعلامي الى ان بيان كتلة الحزب تضمّن إساءات شخصية في حق رئيس مجلس الوزراء ومغالطات بأسلوب معيب وغير لائق». ورد المكتب بالأرقام على اتهام «حزب الله» الحكومة بعدم تقديم المساعدات لاعادة اعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي.

وأدلى رئيس الوزراء بحديث الى صحيفة إيرانية، علّق فيه على اعتبار حكومته غير دستورية، مشيراً الى ان الدستور لم يعط بري صلاحية التصنيف. كما رد على اتهامات سورية و «حزب الله» للحكومة بالخضوع للأميركيين، قائلاً انهما «يحاسباننا على تهيؤاتهما».

وتلقى السنيورة أمس اتصالاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فعرض معه حصيلة المشاورات الجارية حول المحكمة. وعلمت «الحياة» ان السنيورة أبلغ بوتين استمرار اصرار الحكومة اقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية ولكن اذا استمرت عرقلة ذلك فقد يتم اللجوء الى خيارات أخرى. كما تلقى السنيورة اتصالاً من رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي.

الى ذلك قال نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم إن 14 شباط يريدون المحكمة محكمة سياسية شبيهة بأسلحة الدمار الشامل في العراق لاستخدامها سياسياً من جانب أميركا ومن وراءها، ولا تحقق هذا الهدف إلا إذا كانت كما هي من دون أي تعديل». واضاف: «إذا ذهبت المحكمة الى الفصل السابع، فهذا لا يعني أنه إنجاز لجماعة السلطة بل اعلان للعجز الكامل بأنهم لم يقنعوا أخوانهم اللبنانيين بمحكمة جنائية وسلموا رقبتهم الى الأجنبي... وإذا ظنّوا أنهم يربحون علينا أو على اللبنانيين فهم واهمون».

وفي دمشق، اكدت مصادر سورية مطلعة ان ليس لدى السلطات السورية «اي اعتراض» على مجئء مبعوث الامين العام للامم المتحدة لتطبيق القرار 1559 تيري رود - لارسن مع الامين العام بان كي مون الثلثاء المقبل. لكنها اشارت الى ان مشاركته في الاجتماعات مع المسؤولين الرسميين «امر تقرره الجهات السورية».

وقالت المصادر ان الامانة العامة للامم المتحدة كانت بعثت قائمة اولى باسماء الوفد المرافق لبان، غير انها بعثت قبل ايام قائمة اخرى تضمنت اسمي رود لارسن ومبعوث الامين العام في لبنان غير بيدرسن. واوضحت :»ليس من عادة اي دول ان تقرر اسماء الوفد المرافق للامين العام للامم المتحدة»، الامر الذي يفسر اسباب عدم ارسال دمشق ردا رسميا يتضمن اقرار القائمة، باعتبار ان «هذا تحصيل حاصل».

ومن المقرر ان يلتقي بان يوم الثلثاء المقبل، الرئيس بشار الاسد ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم وممثلي الامم المتحدة في دمشق.

وكان رود لارسن شارك في الوفد المرافق للامين العام للامم المتحدة السابق كوفي انان في زيارته لدمشق في ايلول (سبتمبر) الماضي. غير ان المحادثات الرسمية اقتصرت على لقاء مغلق بين الاسد وانان من دون حضور اي مسؤول سوري او دولي.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)