باتت زيارة رجل الأعمال الأميركي السوري الأصل إبراهيم سليمان إلى إسرائيل مدار بحث وتحليلات لدى الكتاب وصناع السياسة في العالم العربي لما لهذه الزيارة من غموض وما يحيط بها من أسرار ربما قد تكون واقعية والربما الأخرى وهي الأصح أنها من محض الخيال.

ويدرك المراقبون أن سوريا التي اعتادت دوما اللعب من فوق الطاولة وليس من تحتها لن تكون مخبأة حيال أحد ممن يعلمون أنها تطالب وتنشد السلام الحقيقي المبني على استرجاع كافة الحقوق العربية المغتصبة من إسرائيل.

فالسلام الذي تنشده سوريا منذ عام ثلاثة وسبعين وتحديدا في عز الحرب التحريرية التي خاضها الجيشان المصري والسوري لتحرير سيناء والجولان زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد تريده سوريا وفق المعايير التي تفرضها الأجندة الدولية وقرارات الأمم المتحدة خصوصا القرارين 242 و336 القاضيين بانسحاب اسرائيل من كافة الاراضي العربية المحتلة عام سبعة وستين والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في اقامة دولته على ترابه الوطني.

واليوم تأتي زيارة رجل الأعمال إبراهيم سليمان إلى تل أبيب ولقاء شخصيات مهمة في الكنيست الإسرائيلي بهدف تحريك عملية السلام في المنطقة بعد الجمود الذي يلاحق المسار السوري بسبب التعنت الإسرائيلي وفرض الشروط التعجيزية التي لا يمكن التفريط بها باعتبارها ثوابت ومقدسات ومن الصعب التلاعب بها سوريا.

زيارة سليمان جاءت إلى فلسطين المحتلة في وقت تشهد فيه المنطقة عموما وسوريا على وجه الخصوص حركة ديبلوماسية وسياسية غربية وأميركيا بحثا عن مخرج مشرف للولايات المتحدة الأميركية من الوحول العراقية وخروج الجيش الأميركي الذي يشهد في أرض الرافدين اندحارا لم تعرفه الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ حرب فيتنام. ورغم ما قيل وكتب ونشر في المحطات الإعلامية واليوميات حول الزيارة التي باتت هاجس الإعلام العربي وما تخفيه هذه الزيارة من توصيات سورية إلى الطرف الإسرائيلي بشأن العودة إلى طاولة المفاوضات مرورا بالمحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وصولا إلى ملفي إيران وترسانتها النووية من ناحية وسلاح حزب الله من الناحية الثانية.

فسوريا الدولة لم تكلف السيد إبراهيم سليمان بنقل الرسائل إلى اسرائيل وقد نفت الخارجية السورية نفيا قاطعا ما قيل حول زيارة سليمان إلى الدولة العبرية وإلقاء كلمة امام لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست الإسرائيلي ورغبة الرئيس السوري بشار الأسد في السلام.

ولعل الرسالة البليغة تتمثل في تأكيد وزير الاعلام السوري محسن بلال ومحصلته هي ان سوريا تؤيد استئناف عملية السلام مع اسرائيل بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا كراعيين رئيسيين في العملية السلمية التي تنشدها سوريا منذ سنوات بشرط احلال السلام العادل والشامل الذي يكفل عودة كل الاراضي المحتلة الى اصحابها لانه في نهاية الامر اصبح الحل قريبا خصوصا الحل العسكري الذي بات يدغدغ رأس الضباط السوريين بعد الانتصار اللافت الذي حققه حزب الله في يوليو من العام الماضي في جنوب لبنان هذا اذا لم تدر اسرائيل نفسها الى المبادرة العربية ومبدأ الارض مقابل السلام فإن المقاومة هي السبيل لاعادة الجولان».

ويعلم الجميع ان مفاوضات السلام بين سوريا واسرائيل مجمدة منذ يناير الفين بسبب الخلاف حول حجم الانسحاب الاسرائيلي من هضبة الجولان السورية التي احتلتها الدولة العبرية في حرب سبعة وستين قبل ان تعلن ضمها عام واحد وثمانين في خطوة استفزازية من جانب حكومات بيريز وشارون لكن الحل بات قريبا في نظر السوريين الذين أعدوا العدة لكل احتمالات المعركة باعتبار المقاومة للاحتلال حقا شرعيا تسمح به كل المواثيق حتى تعود كل الاراضي المحتلة الى اهلها وتنسحب اسرائيل من مزارع شبعا وكفر شوبا لتعود الى الحضن اللبناني. وكانت مصادر رسمية سورية ورفيعة المستوى نفت نفيا قاطعا تكليف ابراهيم سليمان بهذه المهمة وقالت المصادر ان ابراهيم سليمان لم يمثل اي قناة سورية ولا علاقة لسوريا بزيارته الى اسرائيل مؤكدة في الوقت ذاته ان سوريا لا تتعامل مع الاسرائيليين بهذه الطريقة والتفاوض السوري يجب ان يكون في العلن. فالسلام هو خيار استراتيجي لسوريا ولم تكن القيادة السورية يوما معارضة للسلام المشرف والعادل الذي يضمن عودة الحقوق لاصحابها لكن هذه الزيارة ليست رسمية ولم يحمل معه سليمان رسالة الى الاسرائيليين حول موافقة سورية بالعودة الى طاولة المفاوضات ودون املاءات وشروط مسبقة كقطع علاقاتها بحزب الله ومنع تزويده بالسلاح اضافة الى مساعدة الولايات المتحدة الاميركية في الخروج من العراق بأقل الخسائر ومنع تسلل المقاتلين اليه عبر الحدود السورية الطويلة جدا الى جانب محاربة الارهاب التي كانت سوريا من اول واكثر الدول التي تعرضت له.

وما بين رسمية الزيارة والنفي السوري على أعلى المستويات فهل يخرج ابراهيم سليمان بسلة مليئة بالوعود الاسرائيلية التي دائما ما تكون مخادعة لاستنزاف الوقت والعمل على انتظار تشكيل ادارة جديدة للبيت الابيض تعرف اسرائيل ما لها وما عليها في كيفية التعامل مع دول الجوار ومع سوريا على وجه التحديد.

المنطقة العربية تشهد زحمة مندوبين أميركيين وأوروبيين يأخذون في الحسبان موقع سوريا وقدرتها على بسط التوازن في المنطقة .. وفي هذا السياق نجد زيارة نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأميركي وعدد من أعضاء الكونغوس والزيارة المرتقبة للأمين العام للأمم المتحدة إلى دمشق واللقاء مع الرئيس الأسد للأخذ بوجهة النظر السورية إضافة لزيارة مساعد وزير الخارجية الروسي حيال الأحداث الجارية في المنطقة .. طبعا دونما نسيان الدور الصيني الفاعل في مختلف القضايا وروسيا التي تأخذ في الحسبان حليفها الاستراتيجي الاكبر في المنطقة ونعني سوريا والحسابات السورية الدقيقة في كل من لبنان وفلسطين والعراق اضافة إلى المحور الإيراني السوري الذي بات يؤرق البيت الأبيض. من هنا هل تكون الرسالة السورية واضحة المعالم وتبيان حقيقة ما يحصل في المنطقة وزيارة رجل الأعمال الأميركي إبراهيم سليمان إلى القدس المحتلة باعتبارها زيارة عمل لرجل اعمال ينوي العبور إلى الشق السياسي وفق السياسة ذاتها التي كان يتخذها الرئيس الحريري على خط الرياض بيروت دمشق، فهل وصلت الرسالة .. ربما الأيام القادمة تحمل حلا لكل التساؤلات